قال الله تعالى (أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُم إِلّا لِيُقَرّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلفَى (سورة الزمر آية 3)، فالدين الخالص هو الدين الحق وهو الإسلام، والذين اتخذوا من دونه أي من دون الله، أولياء أي أوثاناً يعبدونها.
وقولهم أي الكفار (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) أي أنهم يشركون بعبادة الله تعالى، وهم أقرّوا بتلك العبادة قالوا نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى أي منزلة.
قال الماوردي (قال كفار قريش هذه لأوثانهم وقال من قبلهم ذلك لمن عبدوه من الملائكة وعزير وعيسى). اهـ
فالآية فيها إثبات أن الكفار أقروا بعبادة غير الله تعالى، أقروا بأنهم مشركون بالله تعالى، والعبادة نهاية التذلل وغاية الخشوع والخضوع، وهم أي الكفار المشركون صرفوها لغير الله تعالى، فمن فهم ذلك كما هو واضح من الآية الكريمة، عرف أن الآية ليست في المؤمنين المسلمين الذين يقرّون بتوحيد الله تعالى وأنه لا شريك له ويخلصون الدين لله تعالى، فمن حمل الآية بعد ذلك على المؤمنين الموحّدين، فهذا من تكفير المؤمنين بغير حق، وهو داخل في حديث البخاري (إذا قال المسلم لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما) فكيف إذا كفر كل أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟!!
وهذا حقيقة هو حال الوهابية في تكفير كلّ أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
قال مفتي مكة الشيخ أحمد زيني دحلان توفي سنة 1886 رحمه الله، في كتاب فتنة الوهابية (وألّف العلماء رسائل كثيرة للرد عليه (أي على محمد بن عبدالوهاب) حتى أخوه الشيخ سليمان وبقية مشايخه..، وكان كثير من مشايخ ابن عبد الوهاب بالمدينة يقولون سيضلّ هذا أو يضلّ الله به من أبعده وأشقاه فكان الأمر كذلك، وزعم محمد بن عبد الوهاب أن مراده بهذا المذهب الذي ابتدعه إخلاص التوحيد والتبري من الشرك وأن الناس كانوا على شرك منذ ستمائة سنة وأنه جدد للناس دينهم وحمل الآيات القرآنية التي نزلت في المشركين على أهل التوحيد كقوله تعالى (ومن أضلّ ممن يدعو من دونِ اللهِ من لا يستجيبُ لهُ إلى يومِ القيامةِ وهم عن دُعائهم غافلون) وكقوله تعالى (ولا تدعُ من دونِ اللهِ ما لا ينفعكَ ولا يضرُّك) وكقوله تعالى (والذينَ يدعونَ من لا يستجيبُ لهم إلى يومِ القيامة) وأمثال هذه الآيات في القرآن كثيرة، فقال محمد بن عبد الوهاب من استغاث بالنبي صلى الله عليه وسلم أو بغيره من الأنبياء والأولياء والصالحين أو ناداه أو سأله الشفاعة فإنه مثل هؤلاء المشركين ويدخل في عموم هذه الآيات (هذا كلام الوهابي)، وقال (أي الوهابي الضال) في قوله تعالى حكاية عن المشركين في عبادة الأصنام (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) إن المتوسلين مثل هؤلاء المشركين الذين يقولون (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) وهذا استدلال باطل فإن المؤمنين ما اتخذوا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ولا الأولياء آلهة وجعلوهم شركاء لله، بل إنهم يعتقدون أنهم عباد الله مخلوقون ولا يعتقدون أنهم مستحقون العبادة، وأما المشركون الذين نزلت فيهم هذه الآيات فكانوا يعتقدون استحقاق أصنامهم الألوهية ويعظمونها تعظيم الربوبية وإن كانوا يعتقدون أنها لا تخلق شيئًا، وأما المؤمنون فلا يعتقدون في الأنبياء والأولياء استحقاق العبادة والألوهية ولا يعظمونهم تعظيم الربوبية، بل يعتقدون أنهم عباد الله وأحباؤه الذين اصطفاهم واجتباهم وببركتهم يرحم عباده فيقصدون بالتبرك بهم رحمة الله تعالى، ولذلك شواهد كثيرة من الكتاب والسنة، فاعتقاد المسلمين أن الخالق الضار والنافع المستحقّ العبادة هو الله وحده ولا يعتقدون التأثير (أي الحقيقي) لأحد سواه، وأن الأنبياء والأولياء لا يخلقون شيئًا ولا يملكون ضرًّا ولا نفعًا، وإنما يرحم اللهُ العبادَ ببركتهم، فاعتقاد المشركين استحقاق أصنامهم العبادة والألوهية هو الذي أوقعهم في الشركِ، فكيف يجوز لابن عبد الوهاب ومن تبعه أن يجعلوا المؤمنين الموحدين مثل أولئك المشركين الذين يعتقدون ألوهية الأصنام؟! فجميع الآيات المتقدمة وما كان مثلها خاصّ بالكفار والمشركين ولا يدخل فيه أحد من المؤمنين.
روى البخاريّ عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في وصف الخوارج أنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فحملوها على المؤمنين، وفي رواية عن ابن عمر أيضًا أنه صلى الله عليه وسلم قال (أخوَفُ ما أخاف على أمّتي رجل يتأوّل القرآن بصنعه في غير موضعه)، فهو (أي الحديث) وما قبله صادق على هذه الطائفة، ولو كان شيء مما صنعه المؤمنون من التوسل وغيره شركًا ما كان يصدر من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وسلف الأمة وخلفها.
ففي الأحاديث الصحيحة أنه صلى الله عليه وسلم كان من دعائه (اللهمّ إني أسألك بحقّ السائلين عليك) وهذا توسّل لا شكّ فيهِ وكان يُعلّم هذا الدّعاء أصحابَه ويأمرهم بالإتيانِ به، وبسط ذلكَ طويل مذكور في الكتب وفي الرسائل التي في الردّ على ابن عبد الوهاب.
وصحّ عنه أنه صلى الله عليه وسلم لما ماتت فاطمة بنت أسد أمّ عليّ رضي الله عنها ألحدها صلى الله عليه وسلم في القبر بيده الشريفة وقال (اللهمَّ اغفر لأمي فاطمة بنت أسد ووسّعْ عليها مدخلها بحقّ نبيّك والأنبياء الذين من قبلي إنك أرحم الراحمين)، وصح أنّه صلى الله عليه وسلم سأله أعمى أن يردّ اللهُ بصرَه بدعائِه فأمره بالطهارةِ وصلاة ركعتين ثم يقول (اللهمَّ إني أسألُك وأتوجّه إليكَ بنبيّك محمد نبيّ الرحمةِ يا محمّد إنّي أتوجه بكَ إلى ربي في حاجتي لتُقضى اللهمَّ شفّعه فيَّ) ففعل فرد اللهُ عليه بصره، وصحّ أن ءادمَ عليه السلام توسّل بنبيّنا صلى الله عليه وسلم) انتهى كلام مفتي مكة رحمه الله وهو واضح في بيان أن تلك الآية وما أشبهها نزلت في الكفار فمن حملها على المؤمنين فهو ضال لا يعرف القرآن ولا الإسلام والعياذ بالله تعالى.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website