قد تعتقد لوهلة وبحكم العادة أن صوت الأذان المسموع في هذا البلد يُرفع في دولة إسلامية عربية، لكن الحقيقة أنها ترفع في 6 دول اوروبية
منها دولة أعلنت إلحادها وأخرى منعت الحجاب في المدارس، وأخرى 90% من سكانها يعتنقون المسيحية، نعم .. إنها دول البلقان.
فكيف دخل الإسلام إلى تلك الدول ؟ وما وضع المسلمين فيها اليوم ؟
إنه الجسم الغريب عن أوروبا
جغرافيًا تقع شبه جزيرة البلقان في الجزء الجنوبي الشرقي لقارة أوروبا، وتتكون المنطقة من سلسلة جبال طويلة أخذت اسمها منها يتجاوز عدد سكانها مجتمعة 77 مليون نسمة وتضم هذه الأراضي عدة دول نشأت إثر تفكك الإتحاد اليوغسلافي السابق في بداية التسعينيات.
تشكل هذه الدول حدودًا جغرافية ودينية وثقافية بين الشرق والغرب.
بعيدًا عن الموقع الجغرافي سنعرض لك تاريخ المنطقة؛ منذ قرون تعايشت عدة ديانات في البلقان أبرزها الإسلام والمسيحية وتقدر الإحصائات أن 72% من سكان البلقان مسيحيون ارثوذوكس أما المسلمون فيشكلون نسبة 19% من السكان.
يعتبر مسلمو ألبانيا وكوسوفو أغلبية مطلقة في بلديهما في حين تبلغ نسية مسلمي البوسنة أغلبية نسبية مقارنة بأعداد الصرب والكروات الذين يقاسمونهم الأرض نفسها.
ورغم كون البلقان أوروبية بالكامل إلّا أنّها لاقت رفضًا كبيرًا من قبل جاراتها ذوات الديانة المسيحية معتبرات أنها ” موروث عثماني ” غزاه الأتراك وأدخلوا إليه الإسلام المختلف عنها ما جعل منها فاصلًا بين المسيحية الكاثوليكية والأرثوذوكسية من جهة وبين أوروبا والإسلام من جهة أخرى، إقتصادها فقير وشعوبها منقسمة ولغاتها متعددة ومذاهبها وحروبها كثيرة بالتالي هي المنطقة التي لا بد من عزلها إلى أبعد ما يمكن من وجهة نظر الغرب خصوصًا أنّها تمسكت بالإسلام رغم الضغوط.
وصول الإسلام إلى البلقان :
أول لقاء بين الإسلام والبلقان كان على يد التجار المسلمين الذين ارتادوا تلك المناطق للتجارة وجلب الفِراء والجلود
البلغارية، لكنّ مسلمي البلقان الحاليين الذين نراهم اليوم يعود وجودهم إلى زمن الفتح العثماني الذي دفع عددًا كبيرًا منهم لاعتناق الإسلام.
لكن اعتناق الإسلام في أوروبا لن يمرّ بهذه البساطة، حيث سرعان ما هوجم العثمانيون من قبل الصرب والدول الغربيةعلى مدار أعوام وتحول مسلمو البلقان بعد انسحاب العثمانيين إلى أقلّيات مبعثرة ومهمشة ومضطهدة بين عدة دول، فقتل البعض منهم وتعرض البعض الآخر لعمليات تنصير شاملة، تلك كانت الصدمة الأولى التي عاشها مسلمو البلقان ليليها حملات وحروب واضطهادات كثيرة إثر تسلم الشيوعيين للسلطة، ما جعل من الإجهار بالدين نقمة على تلك البلاد كما رآه البعض, خاصة في كوسوفو وألبانيا والبوسنة والهرسك الأمر الذي دفع أغلب تلك الدول إلى إعلان ” العلمانية ” كنظام حكم لها فلا دين رسمي معلن ولا معتقدات سائدة وجلُّ ما انشغلت به البلدان بعد أخذ استقلالها من الشيوعيين وإخماد الدين والهرولة تجاه الثقافة الغربية ومحاولة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
الإسلام بطابع أوروبي :
صنّف مسلمو دول البلقان على أنّهم المسلمون الأكثر ليبرالية في العالم فيصعب عبيك مثلًا تحديد علامات دينية إسلامية فارقة في دولهم. ففي كوسوفو مثلًا ذات الأغلبية المسلمة قد تجد جامعًا في كلّ حيّ إلّا أنّ أعدادًا قليلية جدًا من السكان يمارسون الشعائر الدينية فيها، إذ إن طموح الجمهورية الفتية بالانضمام إلى حلف الناتو والإتحاد الأوروبي جعل الإسلام يأخذ المقعد الخلفي في سياسات الدولة كما وصل الحال إلى منع الدولة العلمانية نظامًا والمسلم عقيدة ” الحجاب ” داخل الصفوف المدرسية خوفًا من التشدد والعنصرية على حدّ قول ” الحكومة “.
أما البانيا أكبر دول أوروبا المسلمة فقد أعلنت نفسها كأول دولة ملحدة في العالم عام 1976 وفرضت عليها الدول الأوروبية أن تكون في ذلك الوقت إمارة محايدة خاضعة للرقابة الدولية الجماعية وأن تزيل الإسلام عن أولوياتها وتقطع علاقاتها الثقافية بالعالم الإسلامي وأن يكتب دستورها وفق المعايير الأوروبية وتغيير حروفها العربية إلى حروف لاتينية. وعند استقلالها روّجت ل ” التعايش الديني بين الأديان “، إلا أن العديد من المؤرخين شككوا بمصداقية هذا التعايش ووصفوه ب ” البرود الديني ” الذي تلى مرحلة الإلحاد.
في الجبل الأسود تعرض المسلمون لاعتداءات وانتهاكات على مدار الأعوام جعلتهم يخفون انتماءاتهم الدينية عن أقرب الناس إليهم حالهم كحال المسلمين في صربيا ومقدونيا اللتين دمرت فيهما المساجد ومنع فيهما الحجاب وكل ما تبقى من الميراث العثماني هو إحباط مرير وأقليّة منفصلة تسعى إلى النجاة من المعيقات التي قيدت نموها الديموغرافي والسياسي وحريتها الدينية حسب ما يظنون.
هناك بلد بلقاني شذّ عن القاعدة واحترم الإسلام والمسلمين، من السهل أن تكون مسلمًا في كرواتيا.
في الجانب الآخر وجد مسلمو البلقان فسحة أمل أوروبية احترمت الدين الإسلامي ومنحته مكانة مرموقة في الحياة الاجتماعية والسلطة والقانون أكثر من بعض الدول العربية حتى، إنها التجربة الكرواتية التي تعرف الآن بكونها واحدة من الدول الصديقة للمسلمين إذ وافق برلمان البلاد على قرار السلطات الإمبراطورية النمساوية – المجرية بالاعتراف بالإسلام كدين رسمي وزد على ذلك أن الدستور ضمن حماية الأقليات القومية من أي نشاط يعرضهم أو وجودهم للخطر، وروّجت الجالية المسلمة في كرواتيا منذ سنوات لفكرة أنها يمكن أن تكون مثالًا لحل قضية الأقليات المسلمة في أوروبا، حيث تعترف الدولة الكرواتية بالزواج الديني وتعترف أيضًا بالشهادة الممنوحة بالشهادة الممنوحة من المدرسة الثانوية للجالية المسلمة في زغرب، ويمنح المسلمون إجازات مدفوعة الأجر للإحفال بشهر رمضان وعيدي الفطر والأضحى ويسمح لهم بحضور صلاة الجمعة ثم العودة إلى العمل. هذه المعطيات تصوّر لنا مكانة المسلمين في كرواتيا مقارنة مع الأقليات المسلمة الأخرى التي تتعرض يوميًا للعنصرية والانتهاك في أوروبا كمسلمي .
كوسوفو وألبانيا مثلًا.
تسامح ديني أم لا مبالاة ؟
يقول البعض إنّ حالة التسامح والسلمية التي تعيشها دول البلقان حاليًا ترجع إلى تحولهم التاريخي عبر حالات تدين مختلفة، المسيحية ثم الإسلام ثم الإلحاد ثم الدين جملة ثم العودة إلى نسخ متعددة منه ما جعل داخل شعوبها حالة عدم الاكتراث بالدين عمومًا الذي جلب الكوارث لهم على مدار السنوات، فيما يقول البعض إنّ هذا التسامح ليس لا مبالاة بالدين وليس عن طيب خاطر أساسًا إنما هو تذكرة تستخدمها حكومات البلقان للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي الذي طمحت له منذ سنين، علّها تفكّ وحدتها وتنسى ما عانته من تمييز وتفريق عنصريين.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website