الحمدلله وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله.
وبعدُ فإنَّ ادِّعاء أنَّ آدم عليه السَّلام كان مأمورًا باطنًا بالأكل مِن الشَّجرة زندقة وتكذيب للدِّين لأنَّه لا يجتمع الأمر والنَّهي في أمر بعينه في وقت واحد في الشَّرع الشَّريف ومَن زعم ذلك فقد أوقع الاختلاف في القُرآن؛ والله تعالَى يقول: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا}.
وهذا التَّناقض لو نُسب لأيِّ إنسان لرفضه فكيف يُسوِّغ أحد نسبته إلى كلام الله! {سُبْحَانَكَ هَٰذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} وادِّعاء أنَّ آدم عليه السَّلام كان مأمورًا باطنًا بالأكل مِن الشَّجرة فيه إبطال للتكليف وإبطال التكليف فكرة إلحاديَّة كُفريَّة هدَّامة للإسلام وخُروج عن الشَّريعة ومُروق كامل منها.
والله تعالَى يقول: {فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} ويقول تعالَى: {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} فمِن أيِّ شيء يكون المتاب وأيُّ ظُلم يكون وأيُّ خُسران يلحقُهُما لو كانَا مأمورَين باطنًا بالأكل مِن الشَّجرة وقد فعلَا!
ولو كان آدم عليه السَّلام قد فعل بأكلِه مِن الشَّجرة ما كان مأمورًا به باطنًا لَمَا قال الله تعالَى: {وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ} لأنَّ هذا شيء لا تحتملُه الشَّريعة فالله تعالَى أعزُّ مِن أنْ يتطرَّق التَّناقض إلى كتابه الكريم فلا تلتفتوا إلى ما خالف كتاب الله وقواعد الشَّرع الشَّريف والحديث الصَّحيح.
ومَن زعم أنَّ آدم عليه السَّلام كان مأمورًا بالمعصية باطنًا لأنَّه وافق بها القدَر؛ فلازمه (أنَّ كُلَّ إنسان مُطيع لله تعالَى مهما ارتكب مِن الآثام لأنَّه مُوافق بفعله للإرادة والقدَر) وهذا تكذيب للشَّرع الشَّريف والقُرآن الكريم يرُدُّه لأنَّ طاعة الله في مُوافقة أمره لا في مُوافقة القدَر وحسب.
وادِّعاء الطَّاعة لمُجرَّد مُوافقة القدَر دون الأمر نقض لعُرَى الإسلام لأنَّ فيه تسوية بين المُؤمنين والكافرين والله تعالَى يقول: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ ۚ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} وكُلُّ حقيقة خالفت الشَّريعة فهي زندقة.
وهذا القول يجب التَّحذير منه وهُو موجود في [تُحفة المُريد شرح جوهرة التَّوحيد] للبيجوريِّ -هذا لو صحَّ ثُبوتُه عنهُ مِن خطِّ يده- وقد نقله مِن [اليواقيت] الَّذي نصَّ البرزنجيُّ أنَّ الشَّعرانيَّ لم يُحرِّره بل قال: (لا أُحِلُّ لأحد أنْ يرويَ عنِّي هذا الكتاب حتَّى يعرضَه على عُلماء المُسلمين ويُجيزوا ما فيه) انتهَى.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
والقول بأنَّ آدم كان مأمورًا بالأكل مِن الشَّجرة باطنًا فضلًا عن كونه فاسدًا كذلك لا يثبُت إلى الشَّعرانيِّ واحتمال كونه دسًّا احتمال كبير لأنَّك علمتَ أنَّ الدَّسَّ على العُلماء والأئمَّة علَّة قديمة وأمر حمل الحاقدون به على الإسلام بُغية إفساد عقائد المُسلمين وإيقاظ الفتنة مِن رُقادها.
فقد أفاد الشَّعرانيُّ أنَّ ما وقع مِن آدم كان خطيئة فقال في [تنبيه المُغترِّين]: (وكان أبو مُحمَّد المرزويُّ يقول: إنَّما شَقِيَ إبليس بخمس خصال) إلى قوله في آدم عليه السَّلام: (فإنَّه سعد بخمس خصال: أقرَّ بذنبه وندم عليه ولام نفسه وبادر إلى التَّوبة ولم يقنط مِن رحمة الله تعالَى”) انتهَى.
فأعداء الدِّين عمدوا إلى كُتُب مَن وضع اللهُ لهُمُ القَبول في الأرض واشتهروا بالعلم والولاية ودسُّوا فيها الضَّلالات ليُروِّجوها عند أُولئك الَّذين يأخُذون مِن الكُتُب -بغير تدقيق وتحرير- ويتمسَّكون بما دسَّته الأيدي الآثمة مُتوهِّمين أنَّ مرجعهُم فيها العُلماء والأولياء! فلا حول ولا قُوَّة إلَّا بالله.
فإنْ كان حديث رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لم يسلم مِن آلاف الدَّسَّاسين فكيف تسلم كُتُب العُلماء؛ فهذا الشَّعرانيُّ رحمه الله نفسه ذكر أنَّ بعض حاسديه دسُّوا في بعض كُتُبه أُمورًا فظيعة. وقد قامت بسبب ذلك فتنة في الجامع الأزهر لم تهدأ وقتَها إلَّا بإحضار الأصل الخطِّيِّ الصَّحيح.
وللشَّيخ أبي الهُدَى الصَّيَّاديِّ الرِّفاعيِّ رسالة ذكر فيها أنَّ الدَّسَّ أُعمِل حتَّى في الكذب على سيِّدنا النَّبيِّ عليه الصَّلاة والسَّلام وأنَّ ما يُنسَب إلى القوم مِن كلمات وعظائمَ: لم تثبُت عنهُم بنقل العُدول الضَّابطين.. وقد ذكره بعض العُلماء في مقال له وقال: إنَّه أجاد وأفاد في تلك الرِّسالة.
وحتَّى كُتُب الفقه والتَّوحيد والتَّفسير دخلها مِن الدَّسِّ ما لا يعلم به إلَّا الله تعالَى؛ وذلك لأنَّ صناعة النَّسخ في المخطوط تولَّاها في كثير مِن الأوقات غير المُسلمين مِن الباطنيَّة والماجنين وأصحاب الأهواء مِن المُشبِّهة والنَّواصب وغيرِهم فحرَّفوها ودسُّوا فيها أفكارهُم وشُبُهاتهم.
وقد قيَّض الله لهذا في كُلِّ عصر عُلماء مُحقِّقين مُدقِّقين لا يخافون في الله لومة لائم ولا إنكار جاهل غافل نائم يُحفَظ بهمُ الدِّين؛ وقد قال نبيُّنا عليه الصَّلاة والسَّلام: <يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلْفٍ عُدُولُهُ يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ> رواه البيهقيُّ.
والخُلاصة أنَّ بعض ما احتوت عليه الكُتُب ممَّا يُخالف الكتاب والسُّنَّة لا تعويل عليه ولا عبرة به لا سيَّما وأنَّه ليس منقولًا عن طريق الثِّقات الضَّابطين ولمَّا كان الحقُّ أحقَّ أنْ يُتَّبَع وجب التَّحذير مِن كُلِّ ما خالف كتاب الله ومِن كُلِّ قَول اشتمل على زندقة أو على تكذيب للإسلام.