في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر 2024 اقتحمت المعارضة السورية سجن صيدنايا في دمشق، وتم تحرير المعتقلين رجالا ونساء منه، وأيضا أطفال، وهو ما فتح أعين العالم على واحدة من أسوأ الجرائم التي يمكن اقترافها بحق الإنسانية؛ أطفالٌ لا ذنب لهم سوى أنهم وُلِدوا في ظل حربٍ شرسة تُغرق بلادهم في بحر من الدماء.
الأطفال المتواجدون في السجن، ممّن لم يتجاوزوا سن البلوغ، عاشوا في بيئة قاسية لم يكن فيها مكان للبراءة أو للطفولة. تم اعتقالهم إمّا جرّاء روابطهم بالمعارضة أو بسبب صلاتهم غير المباشرة بها، إذ أنه في خضمّ سنوات الحرب في سوريا، لم يكن النظام المخلوع يفرّق بين البالغين والأطفال.
نكشف خلال هذا التقرير، كيف سُلبت طفولة الأطفال داخل سجون النظام السوري المخلوع، خاصة في قلب سجن صيدنايا؟
الأطفال: ضحايا الحرب
شهادات الناجين، تكشف أن صيدنايا كان يشهد على يوميات مُفجعة من التعذيب الجسدي والنفسي، حيث يقبع المعتقلون في قلب زنزانات ضيقة ومظلمة، حيث لا يُسمح لهم جميعا بالتنفس بحرية.
تحرير من كانوا يقبعون في السجن المُفجع، كانت مثل نسمة هواء منعشة في صيفٍ قاسٍ. على الرغم من أن العديد من هؤلاء المعتقلين كانوا قد تعرضوا لأضرار نفسية وجسدية بالغة، فإن خروجهم من السجن فتح شيئا من الأمل لهم ولأسرهم، الذين فقدوا الأمل في رؤيتهم أحياء.
بحسب تقرير لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” في 2024، فإن 70 في المئة من الأطفال المعتقلين في سوريا لم يُسمح لهم بالظهور أمام محاكم قانونية أو الحصول على محاكمة عادلة. فيما تظل عملية الإفراج عن الأطفال الذين تم اعتقالهم في سجن صيدنايا خطوة مهمة في إعادة بعض الأمل.
وبحسب جُملة من التقارير الأخرى، المُتفرّقة، وكذا ما رصدته “عربي21” من مقاطع فيديو تعود للسنوات الأخيرة، فإن الأطفال قد تمّ اعتقالهم في ظروفٍ بالغة القسوة، وكانوا يعيشون في بيئة مليئة بالعنف، ويواجهون جُملة من التهديدات المستمرة على حياتهم.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
ما الذي نعرفه عن “صيدنايا”؟
السجن الذي بني عام 1987، يقع قرب دير صيدنايا، واتّخذ اسمه منه، على بعد 30 كيلومترا شمال دمشق. ينقسم إلى جزأين، يُعرف الجزء الأول بـ”المبنى الأحمر”، وهو مخصص للمعتقلين السياسيين والمدنيين، فيما يُعرف الثاني بـ”المبنى الأبيض”، وهو مخصص للسجناء العسكريين.
ويتكون كل مبنى من 3 طوابق، كل منها يتكون من جناحين، ويحتوي الجناح الواحد على 20 مهجعا جماعيا، بقياس 8 أمتار طولا و6 أمتار عرضا، حيث تتراص في صف واحد بعيدة عن النوافذ، بينما تشترك كل 4 منها في نقطة تهوية واحدة.
ويعد “صيدنايا” من أكثر السجون العسكرية السورية تحصينا، ويعرف بوصف: “المسلخ البشري” جرّاء التعذيب والحرمان والازدحام داخله، وأيضا كان يعرف باسم: “السجن الأحمر” إثر ما شهده من الأحداث الدامية في عام 2008.
تحوّل إلى رمزٍ للمعاناة التي يواجهها المعتقلون السياسيون، منذ اندلاع الثورة السورية في عام 2011، حتى الأطفال منهم، إذ أنه داخل أسوار السجن، لم يكن يُسمح لهم بمُمارسة الحق في الحياة.
وفي سياق متصل، دعت رابطة معتقلي صيدنايا، لأن يبقى هذا السجن ولا يُهدم، ليصبح متحفا يروي قصص القهر والمأساة، ليعلم الناس، ماذا حدث هناك، وماذا فعل النظام المخلوع في المعتقلين، بما فيهم الأطفال.
أصبحوا خارج السجن.. أي مستقبل؟
عندما كتب بعض الأطفال خلال عام 2011 وما تلاه، على سور مدرستهم، عبارات من قبيل “الشعب يريد إسقاط النظام” كان الرد بالاعتقال حاضرا، والتعذيب كان في انتظارهم داخل السجون، فتم سرقة طفولتهم.
وفي الأيام الجارية، على الرغم من أن عملية تحرير المعتقلين من سجن صيدنايا تعتبر خطوة إلى الأمام، فإن صحة المفرج عنهم -النفسية والجسدية-، خاصة الأطفال منهم، تظل على المحك، حيث أن سنوات من التعذيب والآلام بمختلف الطرق لم تكن سهلة؛ وكثير منهم وُلد في قلب السجن، لم يعرف حياة الحرية يوما.
ووفق عدد من الصور ومقاطع الفيديو، التي تم تداولها كالنار في الهشيم، عقب تحرير المعتقلين، فإنه قد عثر بداخل السجن على أدوات حادة وحبال قوية عليها دماء لشنق وإعدام المعتقلين، ناهيك عن الأجهزة المخصصة لعمليات ضرب أقدام السجناء بالكابلات.
كيف تم البحث عنهم؟
بعد سقوط نظامه، تساءل عدد متزايد من رواد مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، في سوريا، عن مصير المعتقلين داخل السجون، حيث قدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان عددهم بـ96 ألفا و103 معتقلين، بينهم 2327 طفلا و5739 سيدة.
كان الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء)، قد نشر تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي “إكس”، بيّن فيها أن: الفرق المختصة لديه تبحث في سجن صيدنايا الذي كان يضم آلاف المعتقلين عن أبواب سرية أو أقبية غير مكتشفة في ظل احتمالية وجود معتقلين فيها غير الذين خرجوا الأحد.
واعتمد الدفاع المدني السوري خلال عملية بحثه على مجموعة من الأشخاص على دراية بتفاصيل السجن، فضلا عن إرشادات من أشخاص آخرين، تم التواصل معهم من قبل الأهالي على أنهم يعرفون مداخل السجن والأقبية السرية المحتمل وجودها.
وفي وقت مبكر من صباح الثلاثاء، أعلن الدفاع المدني السوري “الخوذ البيضاء”، عن انتهاء عمليات البحث عن معتقلين محتملين في السجن سيء السمعة، وذلك دون العثور على أي زنازين سرية لم تُفتح بعد.
وقال عبر بيان: إن “فرقه المتخصصة بحثت في جميع أقسام ومرافق السجن وفي أقبيته وباحاته وخارج أبنيته، بوجود أشخاص كانوا بمرافقتها ولديهم دراية كاملة في السجن وتفاصيله، ولم تعثر على أي دليل يؤكد وجود أقبية سرية أو سراديب غير مكتشفة”.
أيضا، عبّر الدفاع المدني عن شعوره بـ”خيبة أمل كبيرة لوجود آلاف المعتقلين الذين ما زالوا في عداد المفقودين”، فيما أشار إلى أن “عملية البحث شاركت فيها 5 فرق مختصة بينها فريقا K9 (فرق الكلاب البوليسية المدربة) إضافة لفرق الدعم والإسعاف”.
وأردف: “هذه الفرق تتبعت جميع المداخل والمخارج وفتحات التهوية وأنابيب الصرف الصحي والمياه وأسلاك الكهرباء وكابلات كاميرات المراقبة دون أن تجد أي أقبية أو سراديب غير مكتشفة”. مبرزا أن هناك “انتشارا كبيرا للمعلومات المضللة والشائعات حول السجون والمعتقلين”.
وعلى الرغم من مرور أكثر من 24 ساعة على تحرير السجناء، فإن عددا من السوريين ما زالوا يحاولون فك شيفرة الأقفال ومعرفة خريطة البوابات السرية المؤدية نحو سراديب تضم آلاف المعتقلين المتوقع أنهم ما زالوا في طوابق غير معروفة العدد بدقة تحت الأرض.
انتشرت مقاطع فيديو لمحاولات لتكسير الجدران للوصول لباقي السجناء إلا أن تلك المحاولات باءت حتى الآن بالفشل.
هذا ما دعا الدفاع المدني، إلى الخروج ببيان، يطلب فيه: “توخّي الحذر عند تلقي هذه المعلومات ومشاركتها عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، للحفاظ على مشاعر ذوي الضحايا وعدم التسبب بأي أذى نفسي لهم”.
وناشد، جميع الأطراف وذوي الضحايا بـ”عدم الحفر في السجون أو المساس بها لأن ذلك يؤدي إلى تدمير أدلة مادية قد تكون أساسية للكشف عن الحقائق ودعم جهود العدالة والمحاسبة”.
إلى ذلك، تبيّن أن واقع حقوق الإنسان في سوريا، كان يقبع بعيدا عن كافة الشعارات التي تعجّ بها المنظمات الدولية والحقوقية، وكذا الأصوات التي لا تتوقف عن ترديد ما يرتبط بالحرية والديمقراطية والعدل، حيث إنّه لربع قرن تربّع فيه بشار الأسد على السلطة، عاشت البلاد على إيقاع انتهاكات صارخة للحقوق.