في السنوات الأخيرة تتزايد دعوى نسبة فكر الغلوّ الداعشي للدعوة الوهابية، وتحديدا لمحمد بن عبد الوهاب (توفي سنة 1206 هـ – 1791 م). يقول أصحاب هذه الدعوى: إنّ ظاهرة تكفير المسلمين وقتالهم بدعوى إقامة دولة التوحيد بدأت منذ نشأة الدعوة الوهابية. فما مدى صحّة هذا الكلام؟
تعود جذور الغلوّ لدى داعش وتطابقها مع ما جاء به محمد بن عبد الوهاب إلى ثلاث روافد أساسية:
الرافد الأول: في قضايا التكفير تعود جذور الفكر الداعشي إلى البيئة والمتغيرات التي نشأ فيها محمد بن عبد الوهاب. فمن المعلوم وكما ذكر الجاسوس البريطاني أن المخابرات البريطانية وجدت ضالّتها في المدعو محمد بن عبد الوهاب، ومما لا يخفى على أحد، الدعم السياسي والعسكري والمادي الذي تلقّاه محمد بن عبد الوهاب ومن حالفهم لكي يساهموا في إسقاط السلطنة العثمانية في الجزيرة العربية وتسهيل دخول البريطانيين أليها وتقاسم ثرواتها وهذا ما حصل بعد ذلك ومما لا يخفى على أحد. فقد أرادت المخابرات البريطانية كما أوضحها الجاسوس همفر في مذكراته إلى شخصية شرسة تتقن القتال وتجمع حولها العشائر ويكون الرابط بينهم رابط ديني. فتأسس حينها الدين الوهابي الذي صاغته المخابرات البريطانية والذي يقول على ركائز ثمانية، يقول الجاسوس البريطاني همفر في مذكراته عن اللقاء الأول مع محمد بن عبد الوهاب:
وهنا على هذا الحال تعرفت على شاب كان يتردد على هذا الدكان يعرف اللغات الثلاث التركية والفارسية والعربية، وكان في زى طلبة العلوم الدينية ويسمى (محمد عبد الوهاب)، وكان شابا طموحا للغاية عصبي المزاج، ناقما على الحكومة العثمانية. وكان سبب صداقته مع صاحب المحل (عبد الرضا) هو أن الاثنين كانا ناقمين على الخليفة، وأني لا أعلم من أين كان هذا الشاب يعرف اللغة الفارسية مع أنه كان من أهل السنة وكيف صادق مع (عبد الرضا) الشيعي؟ إن كل الأمرين لم يكونا غريبين، ففي البصرة يلتقي السني بالشيعي كما يعرف الكثير من القاطنين في البصرة اللغتين الفارسية والعربية، وأن كثيرا منهم يعرف أيضا اللغة التركية
ومن ثم ثذكر همفر كلام محمد بن عبد الوهاب الذي لفت نظر همفر وقرر حينها الإستثمار في أفكاره لتكون النواة الأولى لتأسيس دين جديد يرعى مصالح بريطانيا في الجزيرة العربية فيقول همفر: كان الشاب الطموح (محمد) يقلد نفسه في فهم القرآن والسنة، ويضرب بآراء المشايخ. ليس مشايخ زمانه والمذاهب الأربعة فحسب، بل بآراء أبي بكر وعمر أيضا بعرض الحائط. إذا هو فهم من الكتاب على خلاف ما فهموه الآخرين، وكان يقول أن الرسول قال إني مخلف فيكم الكتاب والسنة، ولم يقل إني مخلف فيكم الكتاب والسنة والصحابة. قد عقدت بيني وبين محمد أقوى الصلات والروابط، وكنت أنفخ فيه باستمرار وأبين له أنه أكثر موهبة من (على وعمر) وأن الرسول لو كان حاضرا لأختارك خليفة له دونهما. وكنت أقول له دائما آمل في تجديد الإسلام على يديك فإنك المنقذ الوحيد الذي يرجى به انتشال الإسلام من هذه المسقطة
وبالعودة إلى النقاط الثمانية التي وضعها سكرتير وزير المستعمرات البريطاني وسلّمها لهمفر بعد أن قدّم لهم التقرير الكامل عن محمد بن عبد الوهاب، فيقول همفر عن نقاط هذه الخطة وهي كالتالي:
1-) تكفير كل المسلمين وإباحة قتلهم وسلب أموالهم وهتك أعراضهم.
2-) وهدم ألأثار الإسلامية والتاريخية باسم أنها آثار وثنية إن أمكن.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
3-) والسعي لخلع طاعة الخليفة، والإغراء لمحاربته وتجهيز الجيوش لذلك، ومن اللازم أيضا محاربة (أشراف الحجاز) بكل الوسائل الممكنة، والتقليل من نفوذهم.
4-) هدم القباب والأضرحة والأماكن المقدسة عند المسلمين في مكة والمدينة وسائر البلاد التي يمكنه ذلك فيها باسم أنها وثنية وشرك والاستهانة بشخصية النبي (محمد) وخلفائه ورجال الإسلام بما يتيسّر.
5-) نشر الفوضى والإرهاب في البلاد حسب ما يمكنه.
6-) تشكيك المسلمين بأغلب الأحاديث النبوية وتضعيفها وتقويتها على حسب المصلحة والحاجة
7) سلب الحجاج وقتلهم
8) إضهار أن الدين الإسلامي الحقيقي كان منقطع قبل مجيء محمد بن عبد الوهاب وأنه هو الوحيد المنقذ والمجدد
والباحث لن يشعر بجهد أو تعب لمقارنة ما تم الإتفاق عليه بين همفر وابن عبد الوهاب وما تم تنفيذه من قِبل جميع معتنقي الدين الوهابي كالقاعدة أو داعش أو أي ذراع إرهابي وهابي آخر
الرافد الثاني: في قضايا السياسة تأثرتْ داعش وأخواتها – بوعي أو بغير وعي – بتنظيرات حزب التحرير حول الخلافة وإعلانها وشكلها. فكرة “إعلان الخلافة” في قُطر من الأقطار ووجوب البيعة فور إعلانها وتوسّعها بالقوة لبقية الأقطار هي فكرة تحريرية بامتياز، ظلّ التحريريون ينظّرون لها حتى طبقتها داعش بشكل شبه حرفي. مع بعض الزيادات الإجرامية مستمدة من طريقة محمد بن عبد الوهاب في فرض عقيدته كإرسال من يقتل معارضيه في فراشهم وغير ذلك مما تضج به كتب التاريخ والتراجم.
الرافد الثالث: في قضايا التكفير الشمولي، كتب محمد بن عبد الوهاب تكاد لا تخلو من رمي التكفير والشرك على عموم المسلمين، ومن باب المثال لا الحصر، انطلقت فتاوى ابن عبد الوهاب أولاُ [بتكفير أساتذته من العرب المسلمين من علماء نجد الذين عاصرهم وشيوخهم وشيوخ شيوخهم ويرى أنهم لا يعرفون معنى لا إله إلا الله! ولا دين الإسلام! وأنهم يفضلون دين عمرو بن لحي على دين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) , وقد ثبت ذلك عنه. ويقول أيضاً ” ما من رجل من مشايخي. ما منهم رجل عرف معنى ” لا إله إلا الله ” وماداموا لم يعرفوها إذن فقد ماتوا على الجهل بها كفاراً ثم ذكر كلاماً مشابهاً (انظر الدرر السنية: (9/238،2))]. ويقول محمد بن عبد الوهاب النجدي في رسالة الى قاضي الدرعية عبد الله بن عيسى “وأنا ذلك الوقت لا أعرف معنى “لا إله الا الله” ولا أعرف دين الاسلام، قبل هذا الخير الذي مَنَّ الله به، وكذلك مشايخي ما منهم رجل عرف ذلك. فمن زعم من علماء العارض أنه عرف معنى “لا إله الا الله” أو عرف معنى الاسلام قبل هذا الوقت، أو زعم عن مشايخه أن أحداً عرف ذلك، فقد كذب وافترى ولبّس على الناس ومدح نفسه بما ليس فيه”. تاريخ نجد لابن غنام، ص 310
فيتلخص من معنى ما مضى, تشارك دعوة محمد بن عبد الوهاب في جميع أطرافها مع دعوة داعش، وهذا لا يحتاج إلى بحث مطول ولا إلى أدلة و نقاشات, فيكفينا أن نجد جميع الحركات الإرهابية على مر تاريخنا المعاصر انحسرت فقط بمعتنقي الدين الوهابي وهذه مسألة شبه مجمعة عليها.