في خطوة بالغة الخطورة، استضاف إيلون ماسك، رائد الأعمال الملياردير ومالك منصة التواصل الاجتماعي «إكس»، دردشة مباشرة مع الزعيمة المشاركة لحزب «البديل من أجل ألمانيا» (AfD) اليميني المتطرف، أليس فايدل. لم تكن المحادثة مجرد لقاء عابر بل حملت أبعاداً خطيرة على أكثر من صعيد. ماسك، الذي يُعد من أغنى الشخصيات وأكثرها نفوذاً في العالم، منح الحزب المتطرف سُلماً رقمياً للوصول إلى جمهور أوسع عبر منصته «إكس»، في وقت حساس جداً قبل الانتخابات الوطنية الألمانية في شباط (فبراير) القادم. دعم رقمي تجاوز مجرد التعبير عن الرأي، ليصل إلى توفير دعاية مجانية ومباشرة، وتعزيز خطير لأفكار الحزب المناهضة للهجرة، والتي تثير انقساماً عميقاً في المجتمع الألماني. استغل حزب البديل هذه الفرصة لتقديم نفسه بمنزلة لاعب «عقلاني» في المشهد السياسي في ألمانيا، مع التركيز على قضايا مثل الهجرة والطاقة والاقتصاد. ولكن خلف هذا الخطاب، تقبع أيديولوجيات تحمل نزعة قومية متطرفة، كما أن تصريحات قادة الحزب السابقة تكشف بوضوح عن ميلهم لتقليل حجم فظائع الحقبة النازية، وهو ما يمثل انتهاكاً صريحاً للذاكرة التاريخية لألمانيا وذاكرة الشعوب المجاورة التي عانت من بطش النازية. ما يجعل هذا اللقاء مقلقاً أن ماسك لم يكتفِ بإجراء المحادثة، بل عبّر بشكل واضح عن دعمه لأجندة الحزب، مشيداً بأفكاره وواصفاً مواقفه بـ «المنطقية». هذا الدعم لم يكن الأول من نوعه. منذ استحواذه على منصة «إكس» في أواخر عام 2022، أعاد ماسك حسابات لشخصيات نيو نازية ومنحها امتيازات بالإضافة إلى إعادة أقطاب ومؤثرين يمينيين من كل العالم، ما أدى إلى تصاعد الاتهامات له بالترويج للكراهية والمعلومات المضللة. لكن هذه التصرفات لم تمر من دون رد فعل؛ إذ أعرب قادة سياسيون أوروبيون عن قلقهم العميق من تأثير ماسك على المشهد السياسي في القارة، واصفين دعمه للحركات اليمينية المتطرفة بأنه تهديد مباشر للديموقراطية. خلال المدة الماضية، تصاعدت منشورات ماسك الداعمة لحزب AfD، تضمنت أبرزها وصفه للحزب بأنه «آخر شعلة أمل» لألمانيا، منتقداً المؤسسات السياسية التقليدية، وداعياً الناخبين إلى التصويت لمصلحة الحزب. وقد عزز دعمه عبر كتابة مقالة في صحيفة «دي فيلت» الألمانية، فدافع عن زعيمة الحزب وعلاقتها بشريكة من أصول سريلانكية كدليل على عدم تطرف AfD.
تسبّبت هذه التحركات في توجيه انتقادات واسعة إلى ماسك، واتهمته المفوضية الأوروبية بالتدخل في السياسة الأوروبية واستغلال منصته للترويج لأجندات سياسية مثيرة للانقسام. كما أعرب المستشار الألماني أولاف شولتز عن رفضه لمحاولات ماسك التأثير على الناخبين الألمان، مشيراً إلى ضرورة تجاهل هذه التدخلات. لكن رغم أن غالبية الألمان يعتبرون تدخل ماسك في السياسة المحلية غير ملائم، إلا أن تأثيره يُتوقع أن يساعد حزب «البديل من أجل ألمانيا» في تعزيز موقعه في الانتخابات المقبلة. وفي ظل هذا التصعيد، أطلق الاتحاد الأوروبي تحقيقات رسمية حول انتهاكات محتملة لمنصة «إكس» لقوانين الخدمات الرقمية، وسط دعوات متصاعدة لاتخاذ إجراءات صارمة لحماية الديموقراطية من التدخلات الخارجية والخطابات المتطرفة. ما يزيد من تعقيد الموقف هو أن ماسك لديه استثمارات كبيرة في أوروبا، بما في ذلك مصنع «تسلا» الضخم خارج برلين، ما قد يجعله لاعباً اقتصادياً وسياسياً في الوقت نفسه. مع ذلك، يظل حزب «البديل من أجل ألمانيا» قوة استقطاب في السياسة الألمانية. وصحيح أن شعبيته ارتفعت بسبب عدم الرضى عن حكومة المستشار أولاف شولتز الائتلافية والمخاوف بشأن التزامات ألمانيا تجاه الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، إلا أن الحزب يخضع لمراقبة الاستخبارات الداخلية للاشتباه في تطرفه. ويقول المنتقدون إن دعم ماسك الصريح قد يؤدي إلى تضخيم الأيديولوجيات اليمينية المتطرفة، ما يؤدي إلى تآكل المعايير السياسية التي دفعت الشعوب الأوروبية من أجلها ثمناً باهظاً. وقد أثارت تصرفاته تدقيقاً من المفوضية الأوروبية، التي تحقق في مدى امتثال شركة «إكس» لقانون الخدمات الرقمية، لا سيما في الحد من خطاب الكراهية والمعلومات المضللة. إيلون ماسك، الذي يتمتع بنفوذ واسع بفضل منصاته الرقمية مثل إكس، أصبح لاعباً مؤثراً في الساحة السياسية العالمية. في السنوات الأخيرة، برزت مواقفه الداعمة لتيارات اليمين الشعبوي والمحافظ حول العالم. والدعم الذي يقدمه لحزب AfD، يذكرنا بأنماط مشابهة من تدخله في السياسة الدولية: في خضم الانتخابات الرئاسية الأرجنتينية، أبدى ماسك دعماً واضحاً لخافيير ميلي، الذي يوصف بأنه «ترامب أميركا الجنوبية» استفاد من تعزيز ماسك صورته وأفكاره عبر منصة «إكس». وفي فرنسا، أظهر ماسك تأييداً غير مباشر لليمين عبر دعمه شخصيات ومواقف تنتقد الهجرة والسياسات التقدمية. كذلك، كان رئيس البرازيل لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، الذي يمثل اليسار التقدمي، هدفاً لهجمات ماسك عبر تصريحاته ومنشوراته على «إكس». دا سيلفا، الذي يعارض سياسات النيوليبرالية ويؤيد سياسات حماية البيئة، يتعارض مع المصالح التي يسعى ماسك إلى حمايتها، خصوصاً مع اهتمام الأخير بقطاع التعدين البرازيلي لتأمين موارد مهمة لصناعة البطاريات التي تحتاجها شركته «تسلا». وفي بريطانيا، شن ماسك حملة هجوم على زعيم حزب العمال، كير ستارمر، المعروف بمواقفه الوسطية التي تهدف إلى إصلاح الاقتصاد البريطاني وتعزيز العدالة الاجتماعية. هجمات تعد جزءاً من محاولة دعم المحافظين واليمين الشعبوي الذين يتبنون سياسات اقتصادية أقرب لمصالح ماسك.
يتحدث ماسك باستمرار عن رؤيته لإنقاذ البشرية، سواء عبر استيطان المريخ عبر «سبيس إكس» أو تحويل العالم للطاقة النظيفة باستخدام «تسلا». لكن هذا الإحساس بدور «المنقذ» مجرد واجهة استطاع عبرها تجاوز حدود التكنولوجيا ليصل إلى السياسة، ويبدو أنه يرى نفسه مؤهلاً لتوجيه مسارات دول بأكملها. لكن كما يبدو، ربما أصبحت البشرية في حاجة إلى الإنقاذ من ماسك نفسه.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website