انتهت رسمياً، أمس، الحرب الإجرامية التي يشنّها العدو على قطاع غزة منذ نحو سنة وأربعة أشهر، ومعها الطموحات الإسرائيلية إلى «القضاء» على المقاومة وتهجير أهل القطاع واستيطانه. وإذا كان يُنظر إلى كلّ الحروب، عادةً، على أنّها مجرد «أداة»، لا «غاية في حدّ ذاتها»، على حدّ تعبير كارل فون كلاوسفيتز، الجنرال والمنظّر العسكري البروسي، فمن المرجّح أن تكون المرحلة القادمة أشدّ صعوبة على إسرائيل ورعاتها في الولايات المتحدة، كما على حظوظ صمود وقف إطلاق النار، ولا سيما عندما يتّضح أنّه سيكون على أيّ «حل مستدام» في القطاع أن يأخذ في الحسبان استمرار وجود «حماس» وحاضنتها الشعبية، وهو ما يتعارض، جوهرياً، مع الأهداف التي أعلنها بنيامين نتنياهو.
وفي هذا السياق، يؤكد مارك لينش، أستاذ العلوم السياسية في جامعة «جورج واشنطن» ومدير «برنامج دراسات الشرق الأوسط» فيها، في مقابلة مع مجلة «فورين أفيرز» الأميركية، أنّ ما تعرضت له «حماس» لا يلغي الواقع على الأرض، والمتمثل بأنّ الأخيرة «لا تزال المنظمة السياسية الوحيدة القادرة فعلياً على السيطرة على الأمور في غزة»، مشيراً إلى أنّه في حال «فشل وقف إطلاق النار في تحسين حياة الفلسطينيين بسرعة، ولم يظهر بديل شرعي للحكم، فقد تستعيد المجموعة قوتها»، ولا سيما أنّها كانت، حتى اللحظة الأخيرة، تستقطب المقاتلين إلى صفوفها، بوتيرة «تفوق تلك الذي يتم تحييدهم بها».
وفي حين أنّه بعد عملية «طوفان الأقصى»، لن تسمح إسرائيل بأيّ شكل بأن تشارك الحركة رسمياً في أي حكومة مستقبلية في القطاع، إلا أنّه في حال كانت مختلف القوى تتطلّع، فعلياً، إلى التحرك نحو إعادة إرساء الحكم في غزة وتأمين المساعدة الإنسانية بشكل عاجل لسكانها، فيجب، طبقاً للينش، أن يكون هناك نوع من «الاتفاق الضمني، الذي يسمح لـ(حماس) بالاستمرار في الوجود». من هنا، يعبّر صاحب هذا الرأي عن «تشاؤمه» بـ»صمود» الاتفاق إلى ما هو أبعد من المرحلة الأولى، نظراً إلى أنّ السيناريو المشار إليه يبدو «غير مرجح»، على خلفية الأهداف التي حددتها إسرائيل سابقاً. وحتى لو جرى الحفاظ على مثل ذلك الاتفاق الضمني في المرحلة الأولى، فسيتعيّن التعامل مع قضية دور «حماس» في الحكم، خلال المرحلة الثانية من الاتفاق، ما يقوّض قدرة الأخير على تحقيق أي «سلام دائم».
ومن جملة الأسباب الأخرى التي «تصعّب» مهمة إسرائيل في المرحلة القادمة، هو تبني العديد من صنّاع السياسة في إسرائيل أهدافاً من مثل إنشاء مطقة عازلة دائمة في شمال غزة، أو حتى إخراج سكان القطاع منه وإعادة استيطانه بشكل دائم، أو تدمير «حماس» بالكامل، وفق ما وعد به نتنياهو، أو الاستمرار في الحرب كغطاء لشنّ الأعمال العدوانية في أماكن أخرى، على غرار الضفة الغربية. أمّا في فلسطين، فقد تتحرك «الفصائل المتشددة» مجدداً، في حال لم ترق لها طريقة «سير الأمور»، جنباً إلى جنب وجود أشخاص يرغبون «في الانتقام» من إسرائيل، على خلفية الفظائع التي تعرّضوا لها.
من جهته، نشر «معهد بروكينغز» تقريراً جاء فيه إنّه وفيما غالبية واضحة من الإسرائيليين تؤيد صفقة تبادل الأسرى، ولا سيما مرحلتها الأولى، إلا أنّهم يجدون صعوبة «في ابتلاعها». ولا يرجع ذلك فقط إلى فكرة أنّ غزة لا تزال تحت سيطرة «حماس» بعد كل ما حدث، بحسب التقرير، بل لأنّ عدداً كبيراً من الفلسطينيين الذين سيفرج عنهم هم، في نظر عدد كبير من الإسرائيليين، «إرهابيون مدانون وخطيرون»؛ والمثال الأقوى على ما تقدّم، في أذهانهم، هو يحيى السنوار، الذي أطلق سراحه في صفقة للتبادل، قبل أن يعود ليقود هجوم السابع من أكتوبر أخيراً.
الأنظار على إيران… مجدداً
وبالعودة إلى نظرية كلاوسفيتز، يرد في تقرير نشره «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى»، أنّه لو كان الأخير على قيد الحياة اليوم، لتساءل كيف يمكن أن تترجم «المكاسب» العسكرية الإسرائيلية، إلى نتائج سياسية، وإلا فسيكون على «جيش الدفاع الإسرائيلي» العودة إلى أحياء غزة، مثل بيت حانون وجباليا، للمرة الرابعة أو الخامسة مستقبلاً. ويردف التقرير أنّه من دون بديل لـ»حماس»، «لا تستطيع إسرائيل خلقه»، فإنّ غزة ستظلّ على الأرجح، عبئاً على إسرائيل، لا انتصاراً لها.
ومجدداً، يلوّح المراقبون الأميركيون بأنّ الحل النهائي لكوابيس إسرائيل، يكمن في إيران. وفي هذا الإطار، يشير التقرير إلى أنّه في حين أنّ صنّاع السياسة في إسرائيل قد يشعرون بأنّ من الضروري مهاجمة البنية التحتية النووية الإيرانية، إلا أنّه مجدداً، لا يمكن أن تكون القوة غاية في حدّ ذاتها، من دون استراتيجية تعمل على إنشاء «واقع سياسي جديد». وعلى الاستراتيجية المشار إليها، طبقاً للمصدر نفسه، أن ترتكز على هدفين اثنين: إنهاء الحرب في غزة والانسحاب العسكري منها شريطة الإفراج عن الأسرى، جنباً إلى جنب «تقليص البنية التحتية النووية الإيرانية إلى درجة تجعل إمكانية إنشاء سلاح نووي غير موجودة». وبطبيعة الحال، لا يمكن لإسرائيل تحقيق أي من تلك الأهداف بمفردها، من دون «دور أميركي نشط».
وبناءً على ما تقدم، ينصح أصحاب هذا الرأي الرئيس المنتخب، دونالد ترامب، بالضغط على إسرائيل للسماح للسلطة الفرنسية بتأدية دور في حكم غزة، ولا سيما أنّ الإمارات ومصر والمغرب وبعض الدول الأوروبية مستعدة، في حال توفر الدعم الأميركي، لإنشاء إدارة انتقالية في غزة لتحل محل «حماس» وتمنع الفراغ. كما يفترض بترامب اللجوء إلى التلويح بالخيار العسكري ضدّ طهران، سواء بشكل مباشر أو عبر تل أبيب، بدلاً من الاكتفاء بالضغط اقتصادياً عليها، مع الأخذ في الحسبان أنّ «إزالة التهديد الإيراني» مهمة بالنسبة إلى السعودية؛ إذ قد تدفع مثل تلك الخطوة الرياض ونتنياهو إلى تقديم تنازلات عن العديد من الملفات، بشأن غزة أو السياسة الفلسطينية، والاعتراف السعودي بإسرائيل. أمّا في حال استمرار الحرب وبقاء إسرائيل في غزة، فإنّ المواقف من إسرائيل في المنطقة ستبقى متوترة، بما في ذلك في الرياض.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
ما لم «يجرؤ» عليه بايدن
وبعدما فشل الرئيس الحالي، جو بايدن، في التوصل إلى اتفاق قبل انتخاب ترامب خلفاً له، واكتفى بمطالبة إسرائيل بوقف اعتداءاتها على المدنيين، بالتوازي مع إرسال حزم جديدة من المساعدات العسكرية إليها، تشير وكالة «بلومبرغ» إلى أنّ من جملة العوامل التي أدت إلى اتفاق وقف إطلاق النار، في هذا التوقيت تحديداً، هو أنّ ترامب طرح خيارَين اثنين أمام نتنياهو: إما قبول الإدارة الأميركية بحكومته، أو «عزلها». وعلى الضفة الأخرى، كان بايدن يفتقر إلى «الشجاعة» الكافية للتهديد بقطع المساعدات العسكرية عن إسرائيل، ما جعل ترامب يجني ثمار الجهود الديبلوماسية التي قادتها الإدارة السابقة. أمّا العامل الذي لا يقلّ أهمية عن وصول ترامب إلى البيت الأبيض، طبقاً للوكالة، فهو «توقيت» الاتفاق؛ إذ إنّه «على عكس أوكرانيا، أصبحت المكاسب التي ستجنيها جميع الأطراف من انتهاء الحرب تفوق خسائرها»، ولا سيما أنّه بعدما أفشل نتنياهو العرض نفسه تقريباً في آب، لم تحقق القوات الإسرائيلية سوى «القليل نسبياً» بعد مقتل زعيم «حماس»، والذي تمّ «استبداله بسرعة».