أمِنْ تَذَكُّرِ جِيران بِذِي سَلَمٍ
مَزَجْتَ دَمْعاً جَرَى مِنْ مُقْلَةٍ بِدَمِ
أمْ هَبَّتْ الريحُ مِنْ تِلْقاءِ كاظِمَةٍ
وأوْمَضَ البَرْقُ فِي الظلْماءِ مِنْ إضَمِ
فما لِعَيْنَيْكَ إنْ قُلْتَ اكْفُفاهَمَتا
وَما لِقَلْبِكَ إنْ قُلْتَ اسْتَفِقْ يَهِمِ
أَيَحْسَبُ الصَّبُّ أنَّ الحُبَّ مُنْكتِمٌ
ما بَيْنَ مُنْسَجِمٍ منهُ ومُضْطَرِمِ
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
لولاَ الهَوَى لَمْ تُرِقْ دَمْعَاً عَلَى طَلَلٍ
ولا أَرِقْتَ لِذِكِرِ البَانِ والعَلَمِ
فكيفَ تُنْكِرُ حُبّاً بعدَ ما شَهِدَتْ
بهِ عليكَ عدولُ الدَّمْعِ وَالسَّقَمِ
وَأَثْبَتَ الوجِدُ خَطَّيْ عَبْرَةِ وضَنىً
مِثْلَ البَهارِ عَلَى خَدَّيْكَ وَالعَنَمِ
نَعَمْ سَرَى طَيفُ مَنْ أهوَى فَأَرَّقَنِي
والحُبُّ يَعْتَرِضُ اللَّذاتِ بالألَمِ
يا لائِمِي في الهَوَى العُذْرِيِّ مَعْذِرَةً
مِنِّي إليكَ ولو أَنْصَفْتَ لَمْ تَلُمِ
عَدَتْكَ حالِي لا سِرِّي بِمُسْتَتِرٍ
عَنِ الوُشاةِ وَلا دائي بِمُنْحَسِمِ
مَحَّضْتَنِي النُّصْحَ لكِنْ لَسْتُ أَسْمَعُهُ
إنَّ المُحِبِّ عَنْ العُذَّالِ في صَمَمِ
إنِّي اتهَمْتُ نَصِيحَ الشَّيْبِ في عَذَلٍ
والشِّيْبُ أَبْعَدُ في نُصِحٍ عَنْ التُّهَمِ
فإنَّ أمَّارَتِي بالسُّوءِ ما اتَّعَظَتْ
مِنْ جَهْلِهَا بنذيرِ الشِّيْبِ وَالهَرَمِ
ولا أَعَدَّتْ مِنَ الفِعْلِ الجَمِيلِ قِرَى
ضَيفٍ ألمَّ بِرَأْسِي غيرَ مُحْتَشِمِ
مَنْ لِي بِرَدِّ جِماحٍ مِنْ غَوايَتِها
كما يُرَدُّ جِماحُ الخَيْلِ باللُّجُمِ
فلا تَرُمْ بالمعاصِي كَسْرَ شَهْوَتِها
إنَّ الطعامَ يُقَوِّي شَهْوَةَ النَّهِمِ
والنَّفْسُ كالطِّفْلُ إنْ تُهْمِلُهُ شَبَّ عَلَى
حُبِّ الرِّضاعِ وإنْ تَفْطِمْهُ يَنْفَطِمِ
فاصْرِفْ هَواها وَحاذِرْ أنْ تُوَلِّيَهُ
إنَّ الهَوَى ما تَوَلَّى يُصْمِ أَوْ يَصِمِ
وَراعِها وهِيَ في الأعمالِ سائِمَةٌ
وإنْ هِيَ اسْتَحَلَتِ المَرعَى فلا تُسِمِ
كَمْ حَسَّنَتْ لَذَّةًً لِلْمَرْءِ قاتِلَةً
مِنْ حَيْثُ لَمْ يّدْرِ أنَّ السُّمَّ في الدَّسَمِ
وَاخْشَ الدَّسائِسَ مِنْ جُوعٍ وَمِنْ شَبَعٍ
فَرَبَّ مَخْمَصَةٍ شَرٌّ مِنَ التُّخَمِ
واسْتَفْرِغِ الدَّمْعَ مِنْ عَيْنٍ قد امْتَلأَتْ
مِنَ المَحارِمِ وَالْزَمْ حِمْيَةَ النَّدَمِ
وخالِفِ النُّفْسَ والشَّيْطَانَ واعْصِهِمِا
وإنْ هُمَا مَحَّضَاكَ النُّصْحَ فاتَّهِمِ
وَلا تُطِعْ منهما خَصْماً وَلا حَكَماً
فأَنْتَ تَعْرِفُ كَيْدَ الخَصْمِ والحَكَمِ
أسْتَغْفِرُ اللهَ مِنْ قَوْلٍ بِلاَ عَمَلٍ
لقد نَسَبْتُ به نَسْلاً لِذِي عُقُمِ
أمَرْتُكَ الخَيْرَ لكنْ ما ائْتَمَرْتُ به
وما اسْتَقَمْتُ فما قَوْلِي لَكَ اسْتَقِمِ
ولا تَزَوَّدْتُ قبلَ المَوْتِ نافِلةً
ولَمْ أُصَلِّ سِوَى فَرْضٍ ولَمْ أَصُمِ
ظَلَمْتُ سُنَّةَ مَنْ أَحْيا الظَّلامَ إلَى
أنِ اشْتَكَت قَدَماهُ الضُّرَّ مِنْ وَرَمِ
وشدَّ مِنْ سَغَبٍ أحشاءهُ وَطَوَى
تَحْتَ الحِجَارَةِ كَشْحَاً مُتْرَفَ الأَدَمِ
وَرَاوَدَتْهُ الجِالُ الشُّمُّ مِنْ ذَهبٍ
عَنْ نَفْسِهِ فأراها أيُّما شَمَمِ
وَأَكَّدَتْ زُهْدَهُ فيها ضرُورَتُهُ
إنَّ الضَّرُورَة لا تَعْدُو على العِصَمِ
وَكَيْفَ تَدْعُو إلَى الدُّنيا ضَرُورُةُ مَنْ
لولاهُ لَمْ تُخْرِجِ الدُّنيا مِنَ العَدَمِ
مُحَمَّدُ سَيِّدَ الكَوْنَيْنِ والثَّقَلَيْنِ
والفَرِيقَيْنِ مِنْ عُرْبٍ ومِنْ عَجَمِ
نَبِيُّنَا الآمِرُ النَّاهِي فلاَ أَحَدٌ
أبَّرَّ فِي قَوْلِ لا مِنْهُ وَلا نَعَمِ
هُوَ الحَبيبُ الذي تُرْجَى شَفَاعَتُهُ
لِكلِّ هَوْلٍ مِنَ الأهوالِ مُقْتَحَمِ
دَعا إلى اللهِ فالمُسْتَمْسِكُونَ بِهِ
مُسْتَمْسِكُونَ بِحَبْلٍ غيرِ مُنْفَصِمِ
فاقَ النَّبِيِّينَ في خَلْقٍ وفي خُلُقٍ
وَلَمْ يُدانُوهُ في عِلْمٍ وَلا كَرَمِ
وَكلُّهُمْ مِنْ رَسُولِ اللهِ مُلْتَمِسٌ
غَرْفاً مِنَ الْبَحْرِ أَوْ رَشْفاً مِنَ الدِّيَمِ
ووَاقِفُونَ لَدَيْهِ عندَ حَدِّهِمِ
مِنْ نُقْطَة العِلْمِ أَوْ مِنْ شَكْلَةِ الحِكَمِ
فهْوَ الذي تَمَّ معناهُ وصُورَتُه
ثمَّ اصْطَفَاهُ حَبيباً بارِىءُ النَّسَمِ
مُنَزَّهٌ عَنْ شَرِيكٍ في محاسِنِهِ
فَجَوْهَرُ الحُسْنِ فيه غيرُ مُنْقَسِمِ
دَعْ ما ادَّعَتْهُ النَّصارَى في نَبيِّهِمِ
وَاحْكُمْ بما شْئْتَ مَدْحاً فيهِ واحْتَكِمِ
وانْسُبْ إلى ذانه ما شئْتَ مِنْ شَرَفٍ
وَانْسُبْ إلى قَدْرِهِ ما شِئْتَ منْ عِظَمِ
فإنَّ فَضْلَ رسولِ الله ليسَ لهُ
حَدُّ فيُعْرِبَ عنه ناطِقٌ بِفَمِ
لو ناسَبَتْ قَدْرَهُ آياتُهُ عِظَماً
أحْيا اسمُهُ حِينَ يُدْعَى دَارِسَ الرِّمَمِ
لَمْ يَمْتَحِنَّا بما تعْمل العُقولُ بِهِ
حِرْصاً علينا فلمْ ولَمْ نَهَمِ
أعْيا الوَرَى فَهْمُ معْناهُ فليس يُرَى
في القُرْبِ والبُعْدِ فيهِ غيرُ مُنْفَحِمِ
كالشِّمْسِ تَظْهَرُ لِلْعَيْنينِ مِنْ بُعُدٍ
صَغِيرةً وَتُكِلُّ الطَّرْفَ مِنْ أُمَمِ
وَكيفَ يُدْرِكُ في الدُّنيا حَقِيقَتَهُ
قَوْمٌ نِيَامٌ تَسَلَّوْا عنهُ بالحُلُمِ
فمبْلَغُ العِلْمِ فيهِ أنهُ بَشَرٌ
وأنهُ خَيرُ خَلْقِ اللهِ كلِّهِمِ
وَكلُّ آيٍ أتَى الرُّسْلُ الكِرامُ بها
فإنما اتَّصَلَتْ مِنْ نُورِهِ بهِمِ
فإنَّه شّمْسُ فَضْلٍ هُمْ كَواكِبُها
يُظْهِرْنَ أَنْوَارَها للناسِ في الظُّلَمِ
أكْرِمْ بِخَلْقِ نَبِيٍّ زَانَهُ خُلُقٌ
بالحُسْنِ مُشْتَمِلٍ بِالبِشْرِ مُتَّسِمِ
كالزَّهْرِ في تَرَفٍ والبَدْرٍ في شَرَفٍ
والبَحْر في كَرَمٍ والدَّهْرِ في هَمَمِ
كأَنَّهُ وَهْوَ فَرْدٌ مِنْ جلالَتِهِ
في عَسْكَرٍ حينَ تَلْقَاهُ وفي حَشَمٍ
كَأنَّما اللُّؤلُؤُ المَكْنُونُ في صَدَفٍ
مِنْ مَعْدَنَيْ مَنْطِقٍ منهُ ومَبْتَسَمِ
لا طِيبَ يَعْدِلُ تُرْباً ضّمَّ أَعظُمَهُ
طُوبَى لِمُنْتَشِقٍ منهُ وَمُلْتَثِمِ
أبانَ مَوْلِدُهُ عَنْ طِيبِ عُنْصُرِِ
يا طِيبَ مُبْتَدَإٍ منه ومُخْتَتَمِ
يَوْمٌ تَفَرَّسَ فيه الفُرْسُ أنَّهمُ
قد أُنْذِرُوا بِحُلولِ البُؤْسِ والنَقَمِ
وباتَ إيوانُ كِسْرَى وَهْوَ مُنْصَدِعٌ
كَشَمْلِ أَصْحَابِ كِسْرَى غَيْرَ مُلْتَئِمِ
والنَّارُ خامِدَةُ الأنفاسِ مِنْ أَسَفٍ
عليهِ والنَّهْرُ ساهي العَيْنِ مِنْ سَدَمِ
وساءَ ساوَةَ أنْ غاضَتْ بُحَيْرَتُها
ورُدَّ وارِدُها بالغَيْظِ حينَ ظَمِي
كأنَّ بالنارِ ما بالماءِ مِنْ بَلَلٍ
حُزْناً وَبالماءِ ما بالنَّارِ مِنْ ضَرَمِ
والجِنُّ تَهْتِفُ وَالأَنْوارُ ساطِعَةٌ
وَالحَقُّ يَظْهَرُ مِنْ مَعْنَى ومِنْ كَلِمِ
عَمُوا وَصَمُّوا فإعْلانُ البَشائِرِ لَمْ
تُسْمَعْ وَبارِقَةُ الإِنْذَارِ لَمْ تُشَمِ
مِنْ بَعْدِ ما أَخْبَرَ الأقْوامَ كاهِنُهُمْ
بأنَّ دينَهُمُ المُعْوَجَّ لَمْ يَقُمِ
وبَعْدَ ما عايَنُوا في الأُفْقِ مِنْ شُهُبٍ
مَنْقَضَّةِ وفْقَ ما في الأرْضِ مِنْ صَنَمِ
حَتى غدا عَنْ طَرِيقِ الوَحْيِ مُنْهَزِمٌ
من الشياطِينِ يَقْفُو إثْرَ مَنْهَزِمِ
كأنَّهُمْ هَرَباً أَبطالُ أَبْرَهةٍ
أَوْ عَسْكَرٌ بالحَصَى مِنْ رَاحَتَيْهِ رُمِي
نَبْذاً بهِهِ بَعْدَ تَسْبِيحِ بِبَطْنِهِما
نَبْذَ المُسَبِّحِ مِنْ أحشاءِ مُلْتَقِمِ
جاءتْ لِدَعْوَتِهِ الأشْجارُ ساجِدَةً
تَمْشِي إليهِ عَلَى ساقٍ بِلا قَدَمِ
كأنَّما سَطَرَتْ سَطْراً لِمَا كَتَبَتْ
فُرُوعُها مِنْ بَدِيعِ الخَطِّ في اللَّقَمِ
مِثْلَ الغَمَامَة أنَّى سَارَ سائِرَةٌ
تَقِيهِ حَرَّ وطِيسٍ لِلْهَجِيرِ حَمي
أقْسَمْتُ بالقَمَرِ المُنْشَقِّ إنَّ لَهُ
مِنْ قَلْبِهِ نِسْبَةٌ مَبْرُورُةَ القَسَمِ
ومَا حَوَى الغارُ مِنْ خَيرٍ وَمِنْ كَرَمٍ
وكلُّ طَرْفٍ مِنَ الكُّفَّارِ عنه عَمِي
فالصِّدْقُ في الغارِ والصِّدِّيقُ لَمْ يَرِمِا
وَهُمْ يقولونَ ما بالغارِ مِنْ أَرِمِ
ظَنُّوا الحَمامِ وظَنُّوا العَنْكَبُوتَ على
خَيْرِ البَرِيِّةِ لَمْ تَنْسُجْ ولمْ تَحُمِ
وِقاية اللهِ أغنَتْ عَنْ مُضَاعَفَةٍ
مِنَ الدُّرُوعِ وَعَنْ عالٍ مِنَ الأُطُمِ
ما سامَنِي الدَّهْرُ ضَيْماً وَاسْتَجَرْتُ به
إلاَّ اسْتَلَمتُ النَّدَى مِنْ خَيْرِ مُسْتَلَمِ
لا تُنْكِرِ الوَحْيَ مِنْ رُؤْيَاهُ إنَّ لهُ
قَلْباً إذا نامتِ العَيْنانِ لَمْ يَنَمِ
وذاكَ حينَ بُلوغِ مِنْ نُبُوَّتِهِ
فليسَ يُنْكِرُ فيهِ حالٌ مُحْتَلِمِ
تَبَارَكَ اللهُ ما وحْيٌ بِمُكْتَسَبٍ
وَلا نَبِيٌّ عَلَى غَيْبٍ بِمُتَّهَمِ
كَمْ أبْرَأْتَ وَصِباً باللَّمْسِ راحَتُهُ
وأَطْلَقَتْ أرِباً مِنْ رِبْقَةِ اللَّمَمِ
وأحْيَتِ السُنَّةُ الشَهْبَاءُ دَعْوتُهُ
حتى حَكضتْ غُرَّةَ في الأعْصُرِ الدُّهُمِ
بعارِضٍ جادَ أَوْ خِلْتَ البِطاحَ بها
سَيْبٌ مِنَ اليَمِّ أَوْ سَيْلٌ مِنَ العَرِمِ
دَعْنِي وَوَصْفِي آياتٍ لهُ ظَهَرَتْ
ظُهورَ نارِ القِرَى لَيْلاً عَلَى عَلَمِ
فالدُّرُّ يَزدادُ حُسْناً وَهْوَ مَنْتَظِمٌ
وَليسَ يَنْقُصُ قَدْراً غيرَ مَنْتَظِمِ
فما تَطَاوَلُ آمالُ المَدِيحِ إلى
ما فيهِ مِنْ كَرَمِ الأخلاقِ والشِّيَمِ
آياتُ حَقٍّ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثَةٌ
قَدِيمَةٌ صِفَةُ المَوصوفِ بالقِدَمِ
لَمْ تَقْتَرِنْ بِزمانٍ وَهْيَ تُخْبِرُنا
عَنِ المعادِ وعَنْ عادٍ وعَنْ إرَمِ
دامَتْ لَدَيْنا فَفاقَتْ كلَّ مُعْجِزَةٍ
مِنَ النَّبِيِّينَ إذْ جاءَتْ ولَمْ تَدُمِ
مُحَكَّماتٌ فما تُبْقِينَ مِنْ شُبَهٍ
لذِي شِقاقٍ وما تَبْغِينَ مِنْ حَكَمِ
ما حُورِبَتْ قَطُّ إلاَّعادَ مِنْ حَرَبٍ
أَعُدَى الأعادي إليها مُلْقِيَ السَّلَمِ
رَدَّتْ بَلاغَتُها دَعْوَى مُعارِضِها
رَدَّ الغَيُورِ يَدَ الجَاني عَنِ الحُرَمِ
لها مَعانٍ كَمَوْجِ البَحْرِ في مَدَدٍ
وفَوْقَ جَوْهَرِهِ فِي الحُسْنِ والقِيَمِ
فما تُعَدُّ وَلا تُحْصى عَجَائِبُها
ولا تُسامُ عَلَى الإكثارِ بالسَّأَمِ
قَرَّتْ بها عَيْنُ قارِيها فَقُلْتُ لهُ
لقد ظَفِرتَ بِحَبْلِ اللهِ فاعْتَصِمِ
إنْ تَتْلُها خِيفَةً مِنْ حَرِّ نارِ لَظىً
أَطْفَأْتَ نارَ لَظىً مِنْ وِرْدِها الشَّبِمِ
كَأَنَّها الحَوْضُ تَبْيَضُّ الوجوهُ به
مِنَ العُصاةِ وقد جاءُوهُ كَالحُمَمِ
وَكَالصَِراطِ وكالمِيزانِ مَعْدِلَةً
فالقِسْطُ مِنْ غَيرها في الناسِ لَمْ يَقُمِ
لا تَعْجَبَنْ لِحَسُودٍ راحَ يُنْكِرُها
تَجاهُلاً وهْوَ عَيْنُ الحاذِقِ الفَهِمِ
قد تُنْكِرُ العيْنُ ضَوْءَ الشِّمْسِ من رَمَدٍ
ويُنْكِرُ الفَمُّ طَعْمَ الماءِ كم سَقَمٍ
يا خيرَ منَ يَمَّمَ العافُونَ ساحَتَهُ
سَعْياً وفَوْقَ الأَيْنُقِ الرُّسُمِ
وَمَنْ هُوَ الآيَةُ الكُبْرَى لَمُعْتَبِرٍ
وَمَنْ هُوَ النِّعْمَةُ العُظْمَى لِمُغْتَنِمِ
سَرَيْتَ مِنْ حَرَمٍ لَيْلاً إلَى حَرَمٍ
كما سَرَى البَدْرُ في داجٍ مِنَ الظُّلَمِ
وَبِتَّ تَرْقَى إلَى أنْ نِلْتَ مَنْزِلَةً
مِنْ قَابِ قَوْسَيْنِ لَمْ تُدْرَكْ وَلَمْ تُرَمِ
وَقَدَّمتْكَ جَميعُ الأنبياءِ بِها
والرُّسْلِ تَقْدِيمَ مَخُدُومٍ عَلَى خَدَمِ
وأَنْتَ تَخْتَرِقُ السَّبْعَ الطَّباقَ بهِمْ
في مَوْكِبِ كُنْتَ فيهِ صاحِبَ العلَمِ
حتى إذا لَمْ تَدَعْ شَأْوَاً لِمُسْتَبِقٍ
مِنَ الدُّنُوِّ وَلا مَرْقَىً لِمُسْتَنِمِ
خَفَضْتَ كلَّ مَقامِ بالإِضافَةِ إذْ
نُودِيتَ بالرَّفْعِ مِثْلَ المُفْرَدِ العَلَمِ
كَيْمَا تَفُوزَ بِوَصْلٍ أَيِّ مُسْتَتِرٍ
عَنِ العُيُونِ وَسِرٍّ أَيِّ مُكْتَتِمِ
فَحُزْتَ كلَّ فَخَارٍ غَيْرَ مُشْتَرَكٍ
وَجُزْتَ كلَّ مَقامٍ غيرَ مُزْدَحَمِ
وَجَلِّ مِقْدَارُ ما وُلِّيتَ مِنْ رُتَبٍ
وعَزَّ إدْرَاكُ ما أُولِيتَ مِنْ نِعَمِ
بُشْرَى لَنَا مَعْشَرَ الإِسِلامِ إنًّ لنا
مِنَ العِنَايَةِ رُكْناً غيرَ مُنْهَدِمِ
لَمَّا دَعا اللهَ داعِينا لَطَاعَتِهِ
بأَكْرَمِ الرُّسْلِ كُنَّا أَكْرَمَ الأُمَمِ
راعِتْ قلوبَ العِدا أَنباءُ بِعْثَتِهِ
كَنَبْأَةٍ أَجْفَلَتْ غَفْلاً مِنَ الغَنَمِ
ما زالَ يَلْقاهُمَ في كلِّ مُعْتَرَكٍ
حتى حَكَوْا بالقَنا لَحْماً على وَضَمِ
وَدُّوا الفِرارَ فكادُوا يَغْبِطُونَ بهِ
أَشْلاَءَ شالَتْ مَعَ العِقْبَانِ والرَّخَمِ
تَمْضِي اللَّيالِي وَلا يَدْرُونَ عِدَّتها
ما لَمْ تَكُنْ مِنْ لَيالِي الأَشْهُرِ الحُرُمِ
كأنَّما الدِّينُ ضَيْفٌ حَلَّ سَاحَتَهُمْ
بِكلِّ قَرْمٍ إلَى لَحْمِ العِدا قَرِمِ
يَجُرُّ بَحْرَ خَمِيسٍ فوقَ سابِحَةٍ
يَرْمِي بِمَوجٍ مِنَ الأبطالِ مُلْتَطِمِ
مِنْ كلِّ مُنْتَدِبٍ للهِ مُحْتَسِبٍ
يَسْطو بِمُسْتَأْصِلٍ لِلْكُفْرِ مُصْطَلِمِ
حتَّى غَدَتْ مَلَّةُ الإسلامِ وهِيَ بِهِمْ
مِنْ بَعْدِ غُرْبَتِها مَوْصُولَةَ الرَّحِمِ
مَكْفُولَةً أَبَداً مِنهمْ بِخَيْرِ أَبٍ
وخيرِ بَعلٍ فَلَمْ تَيْتَمْ وَلَمْ تَئِمِ
همُ الجِبالُ فَسَلْ عنهمْ مُصادِمَهُمْ
ماذا رأى مِنْهُمُ في كلِّ مُصطَدَمِ
وسَلْ حُنَيْناً وسَلْ بَدْراً وَسَلْ أُحُداً
فُصُول حَتْفٍ ملهُمْ أَدْهَى مِنَ الوَخَمِ
المُصْدِرِي البِيضَ حُمْراً بعدَ ما وَرَدَتْ
مِنَ العِدا كُلَّ مُسْوَدٍّ مِنَ اللِّمَمِ
وَالكاتِبِينَ بِسُمْرِ الخَطِّ مَا تَرَكَتْ
أقْلامُهُمْ حَرْفَ جِسْمٍ غَيْرَ مُنْعَجِمِ
شاكِي السِّلاحِ لهمْ سِيمَى تُمِيِّزُهُم
والوَرْدُ يَمْتازُ بالسِّمَى عَنِ السَّلَمِ
تُهْدِي إليكَ رِياحُ النَّصْرِ نَشْرَهُمُ
فَتَحْسَبُ الزَّهْرَ في الأكمامِ كلَّ كَمِي
كأنَّهمْ في ظُهُورِ الخَيْلِ نَبْتُ رُباً
مِنْ شَدَّةِ الحَزْمِ لاَ مِنْ شِدَّةِ الحُزُمِ
طارَتْ قلوبُ العِدا مِنْ بَأْسِهِمْ فَرْقاً
فما تُفَرِّقُ بينَ البَهْمِ والبُهَمِ
ومَنْ تَكُنْ بِرَسُولِ اللهِ نُصْرَتُهُ
إنْ تَلْقَهُ الأُسْدُ في أجامِها تَجِمِ
ولَنْ تَرَى مِنْ وَلِيٍّ غَيْرَ مُنْتَصِرِ
بهِ ولا مِنْ عَدُوٍّ غيْرَ مُنْقَصِمِ
أحَلَّ أُمَّتَهُ في حِرزِ مِلَّتِهِ
كاللَّيْثِ حَلَّ مَعَ الأشبالِ في أُجَمِ
كَمْ جَدَّلَتْ كلماتُ اللهِ مِنْ جَدِلٍ
فيهِ وكم خَصَمَ البُرْهانُ مِنْ خَصِمِ
كفاكَ بالعِلْمِ في الأُمِيِّ مُعْجِزَةً
في الجاهِليَّةِ وَالتَّأْدِيبِ في اليُتُمِ
خَدَمْتُهُ بِمَدِيحٍ أسْتَقِيلُ بِهِ
ذُنُوبَ عُمْرٍ مَضَى في الشِّعْرِ والخِدَمِ
إذْ قَلَّدانِيَ ما تُخْشَى عَواقِبُهُ
كأنَّني بِهِما هَدْيٌ مِنَ النَّعَمِ
أطعتُ غيَّ الصَبَا في الحَالَتينِ وَما
حَصَلْتُ إلاَّ عَلَى الآثَامِ والنَّدَمِ
فيا خَسَارَةَ نَفْسٍ في تِجَارَتِها
لَمْ تَشْتَرِ الدِّينَ بالدُّنيا ولَمْ تَسُمِ
وَمَنْ يَبِعْ آجِلاً منهُ بِعاجِلِهِ
بَيْنَ لهُ الغَبْنُ في بَيْعٍ وَفي سَلَمِ
إنْ آتِ ذَنْباً فما عَهْدِي بِمُنْتَقِضٍ
مِنَ النبيِّ وَلا حَبْلِي بِمُنْصَرِمِ
فإنَّ لِي ذِمَّةً منهُ بِتَسْمِيَتي
مُحمداً وَهْوَ أَوْفَى الخَلْقِ بالذِّمَمِ
إنْ لَمْ يَكُنْ في مَعادِي آخِذاً بِيَدِي
فَضْلاً وَإلاَّ فَقُلْ يا زَلَّةَ القَدَمِ
حاشاهُ أنْ يَحْرِمَ الرَّاجِي مَكارِمَهُ
أَوْ يَرْجِعُ الجارُ منهُ غيرَ مُحَتَرَمِ
وَمُنْذُ ألزَمْتُ أفكارِي مَدائِحَهُ
وَجَدْتُهُ لِخَلاَصِي خيرَ مُلْتَزِمِ
وَلَنء يَفُوتَ الغِنَى مِنْهُ يَداً تَرِبَتْ
إنَّ الحَيا يُنْبِتُ الأزهارَ في الأُكَمِ
وَلَمْ أُرِدْ زَهْرَةَ الدُّنيا التي اقتَطَفَتْ
يَدَا زُهَيْرٍ بما أَثْنَى عَلَى هَرَمِ
يا أكْرَمَ الرُّسْلِ مالِي مَنْ أَلوذُ به
سِواكَ عندَ حلولِ الحادِثِ العَمِمِ
وَلَنْ يَضِيقَ رَسولَ اللهِ جاهُكَ بي
إذا الكريمُ تَحَلَّى باسْمِ مُنْتَقِمِ
فإنَّ مِنْ جُودِكَ الدنيا وضَرَّتَها
وَمِنْ عُلُومِكَ عِلمَ اللَّوْحِ والقَلَمِ
يا نَفْسُ لا تَقْنُطِي مِنْ زَلَّةٍ عَظُمَتْ
إنَّ الكَبَائِرَ في الغُفْرانِ كاللَّمَمِ
لَعَلَّ رَحْمَةَ رَبِّي حينَ يَقْسِمُه
تأْتي عَلَى حَسَبِ العِصْيانِ في القِسَمِ
يارَبِّ وَاجْعَلْ رَجائي غَيرَ مُنْعَكِسِ
لَدَيْكَ وَاجْعَلْ حِسابِي غَيْرَ مُنْخَرِمِ
وَالْطُفْ بِعَبْدِكَ في الدَّاريْنِ إنَّ لَهُ
صَبْراُ مَتى تَدْعُهُ الأهوالُ يَنْهَزِمِ
وَائْذَنْ لِسُحْبِ صلاةٍ مِنكَ دائِمةً
عَلَى النَّبيِّ بِمُنْهَلٍّ ومُنْسَجِمِ
ما رَنَّحَتْ عَذَباتِ البانِ ريحُ صَباً
وأطْرَبَ العِيسَ حادي العِيسِ بِالنَّغَمِ