تعيش الأقلية المسلمة في جمهورية أفريقيا الوسطى معركة وجود أمام حملة الإبادة العرقية التي تطاردها بوحشية وحقد أعمى، كل ذلك رافقه تجاهل إعلامي مؤلم، وخذلان إسلامي أشد إيلامًا.
في هذه الزاوية من القارة الأفريقية، ارتجفت القلوب من الهلع، وقتل الأطفال كما الشيوخ والنساء بدم بارد، وسطرت المجازر بحق من يؤمن بالله ربًا، وبالإسلام دينًا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًا ورسولًا، نقف في هذه السطور مع واقع المسلمين في جمهورية أفريقيا الوسطى لعلنا وعسى نصل القلوب بتاريخ وحاضر لا يتجزأ عن تاريخ وحاضر الأمة المسلمة.
جمهورية أفريقيا الوسطى
يحد جمهورية أفريقيا الوسطى من الشمال الشرقي السودان، ومن الشرق؛ جنوب السودان، ومن الشمال تشاد، ومن الجنوب وزائير (الكونغو الديمقراطية) والكونغو، ومن الغرب الكاميرون.
ورغم ما تتمتع به البلاد من موارد اقتصادية غنية جدًا، واحتياطات ثرية من الماس والذهب، إلا أنها تعد من أفقر الدول بسبب النهب الدولي لثرواتها.
عرفت جمهورية أفريقيا الوسطى قبل الاحتلال الفرنسي باسم إقليم أبوانغي شاري، ومع تقدم الإنجليز في السودان للقضاء على حركة المهديين كان الفرنسيون يتقدمون في أراضي أبوانغي شاري، حتى وصلت طلائعهم عام 1307هـ (1889م) إلى العاصمة “بانغي”. فاستولوا عليها وقاموا بضمها إلى تشاد المحتلة في عام 1324هـ (1906م)، وبعد 4 سنوات أصبحت أفريقيا الاستوائية الفرنسية تتألف من 4 أقاليم هي تشاد، أوبانغي شاري، الغابون والكونغو، واستمرت كذلك حتى نهاية الحرب العالمية الثانية.
وبعد الحرب ظهر “برتلماي بوغندا” كزعيم سياسي معارض للاحتلال، لكنه اتفق في الأخير مع ديغول على تولي حكم البلاد بالوكالة -بشروط- وذلك في عام 1377هـ (1958م)، وصوتت أوبانغي شاري لصالح مشروع ديغول، فحصلت على حكم ذاتي وتحول اسمها إلى جمهورية أفريقيا الوسطى، ثم استقلت بشكل رسمي في عام 1380هـ (1960م).
توفي برتلماي بوغندا بحادث طائرة غامض في عام 1378هـ (1959م)، وتوجهت أصابع الاتهام لفرنسا. ثم خلفه ابن عمه دافيد داكو رئيسًا لجمهورية أفريقيا الوسطى إلى غاية عام 1386هـ (1966م)، ليستلم الحكم جان بيديل بوكاسا في نفس هذا العام بانقلاب على السلطة ويستمر رئيسًا لمدة 11 عامًا، لكن أطيح به في انقلاب بدعم فرنسي في عام 1399هـ (1979م)، وكان قد أعلن عن نفسه إمبراطورًا لكنه لم يحصل على اعتراف دولي، كما أعلن إسلامه في عام 1396هـ (1976م) وأسلم معه العديد من أفراد أسرته وقبيلته، وجعل اسمه “صلاح الدين أحمد بوكاسا”، ثم بعد الإطاحة به، ذهب بوكاسا ليعيش في المنفى بفرنسا وعادت جمهورية أفريقيا الوسطى إلى حكم ديفيد داكو من جديد إلى غاية عام 1401هـ (1981م)، ثم توالى الرؤساء على حكم الجمهورية وتوالت الانقلابات، إلى أن استلم الرئاسة فوستان آرشانج تواديرا عن طريق انقلاب آخر، ولا يزال يحكم الجمهورية منذ عام 1437هـ (2016م)، حيث فاز بولاية جديدة في عام 1442هـ (2021م).
تاريخ الإسلام في أفريقيا الوسطى
يبلغ عدد السكان في أفريقيا الوسطى نحو 4.745 مليون نسمة بحسب إحصاء 1441هـ (2019م)، يتوزعون على شكل قبائل، أهمها قبيلة الباندا التي تشمل ثلث السكان. ويشكل المسلمون حوالي 15% من سكان أفريقيا الوسطى، يتمركزون غالبًا في شمال البلاد بالقرب من الحدود مع تشاد.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
ويأتي الإسلام كثاني ديانة في البلاد بعد النصرانية. وعلى غرار تشاد اللغة الفرنسية هي اللغة الرسمية في البلاد إلى جانب اللغات السائدة كالأوبانغي وسانفو والعربية والسواحلية، واللغات القبلية المحلية الخاصة.
الإبادة العرقية بحق المسلمين في أفريقيا الوسطى
ولايزال الاضطهاد واقعًا ملازمًا للمسلمين في جمهورية أفريقيا الوسطى ويذكر من ذلك المجازر الوحشية الدامية، التي تستهدف بشكل ممنهج الأقلية المسلمة في البلاد، حيث تشن الميليشيات النصرانية المسلحة المعروفة باسم “أنتي بالاكا” الهجمات على قرى المسلمين ومدنهم بلا أدنى محاسبة أو ردع.
وعرفت البلاد حربًا أهلية عنيفة في عام 1434هـ (2013م) بين الأغلبية النصرانية والأقلية المسلمة، وتدخلت فرنسا المتهمة بتأجيج العداء ضد المسلمين في أفريقيا الوسطى، وقد أدت هذه الحرب إلى نزوح نحو مليون ومئة ألف إنسان أي ربع السكان بحسب تقارير الأمم المتحدة. [1] بينما ذهبت تقارير منظمات حقوقية إلى الحديث عن نزوح عدد أكبر محذرة أن استمرار وتيرة الإبادة بهذا الشكل تنذر بأن تصبح جمهورية أفريقيا الوسطى خالية من المسلمين!
وهذا المشهد الغالب على الأقلية المسلمة المضطهدة في جمهورية أفريقيا الوسطى بين قتل وتشريد وتهجير وأشكال حرب إبادة عرقية تمارس بدعم صليبي واضح بالتزامن مع تجاهل فاضح للمنظمات الإنسانية والمجتمع الدولي. وقد تم تسريب صور وتسجيلات لبعض جرائم الإبادة العرقية في هذه البلاد، فأظهرت استعمال أساليب بشعة في إعدام وإذلال المسلمين، منها استخدام المناجل والسواطير والفؤوس، وبدون تمييز بين رجل أو امرأة أو طفل.
وتشير التقارير إلى أن هذه الحملات اشتدت منذ تنحي دجوتوديا عن الحكم في عام 1435هـ (2014م) حيث غرقت البلاد في العنف وركزت الميليشيات النصرانية هجماتها ضد مسلحي سيليكا والمدنيين المسلمين.