تختلف أشكال المقابر وإجراءات الدفن في الدول العربية، ففي بعض الدول تكون المقابر عبارة عن حفرة بسيطة في الأرض، بينما تكون عبارة عن أبنية ومن عدة طوابق حتى في دول أخرى، كما أن إجراءات الدفن تختلف من دولة لأخرى، بين سلطات تنسق المدافن وتتولى إدارتها بشكلٍ رسمي، وبين أخرى تكون الغلبة في بناء مقابرها للعائلات والأسر بشكل خاص، ويختلف مدى انتشار المقابر الخيرية من دولة لأخرى أيضاً.
ولنرى مدى التشابه والتباين بين أشكال المقابر وإجراءات الدفن في الدول العربية، سنأخذ مثالاً عن كل منطقة حيث تتشابه إجراءات الدفن؛ لذلك سنقارن بين مصر، والعراق، ومن المغرب العربي سنركز على الجزائر والمغرب، ومن دول الخليج سننظر في إجراءات الدفن بالمملكة العربية السعودية.
أشكال المقابر وإجراءات الدفن في الدول العربية
في مصر: مقابر متعددة الطوابق تنافس أسعار الشقق
في مصر يوجد نوعان من المقابر، أحدهما قديمة موجودة منذ مئات السنين لكنها مزدحمة، كتلك المبنية في وسط القاهرة القديمة مثل مقابر “المجاورين” و”الإمام الشافعي” و”السيدة عائشة”، في حين توجد مقابر أكثر عصرية، وخاصة في المدن الجديدة على غرار “السادس من أكتوبر” (غربي القاهرة) والشروق (شمال القاهرة) ومصر الجديدة (شرق القاهرة)، بالإضافة إلى المحافظات، إلا أن متوسط سعر المقبرة ليس قليلاً.
إذ يبدأ سعر المقبرة البالغة مساحتها 20 متراً في المدن الجديدة من 60 ألف جنيه (حوالي 3330 دولاراً)، فيما يبدأ سعر المقبرة التي تبلغ مساحتها 40 متراً يبدأ من 100 ألف جنيه (حوالي 5555 دولاراً)، بينما يصل سعر المقبرة “الراقية” إلى 500 ألف جنيه (27 ألف دولار)، ويحظى بها بالخصوص رجال الأعمال والسياسيون الكبار ومشاهير الفن، وهي أسعار كبيرة قد توازي شراء شقق في بعض المناطق، بحسب ما أفاد به موقع “الجزيرة نت” في تقرير مطلع العام 2019.
وأما في القرى والمدن التي لا تمتلك ظهيراً صحراوياً، فيلجأ الأهالي لإنشاء مقبرة ذات دورين، وذلك بسبب عدم وجود أراضٍ جديدةٍ صالحة للبناء، فضلاً عن منع الدولة عملية البناء في الأراضي الزراعية، فضلاً عن طينية التربة، ويبلغ متوسط سعر المقبرة الواحدة لهذا النموذج 5 آلاف جنيه (حوالي 270 دولاراً)، رغم أن طولها لا يتجاوز المترين ونصف المتر وعرضها متر واحد ونصف.
لكن بشكلٍ عام، يتحدد سعر المقبرة وفق مقاييس عدة، مثل المنطقة التي تتواجد فيها المقبرة، وجغرافيا هذه المنطقة، سواء أكانت أكثر قرباً من الطرق الرئيسية أم لا، أو يسهل الدخول إليها والخروج منها، بالإضافة إلى تصميمها والشكل الخارجي.
إذاً؛ المقابر في مصر ليست مجانية، كما أن معظمها تكون خاصة تشتريها وتبنيها العائلات والأسر لأفرادها المتوفين، لكن أيضاً تبني الدولة مقابر لكن بمساحات محدودة، كما يخضع عدد منها إلى سلطة القطاع الخاص، والأخيرة يلجأ إليها غالبية المصريين، وخاصة من الطبقة الوسطى، خصوصاً أنه بالإمكان التصرف بحرية في هندستها وبنائها، إذ يكون بإمكان مشتري المقبرة بناء مقابر متعددة الطوابق؛ حيث يُدفن الموتى في أدوار فوق بعضها البعض (بسبب ارتفاع تكلفة المدفن، كما ذكرنا).
بالنسبة للمقابر متعددة الطوابق التي يلجأ لها عدد من المصريين لتوفير إنفاق المزيد من المال على شراء أخرى جديدة واستبدالها بطوابق فوق المقابر المتاحة، فإن لها بعض التحديات والعيوب أيضاً، إذ ترتبط هذه المقابر ببعضها عبر سلم معدني صغير، ما يُحدث صعوبة في الحفاظ على الجثمان من السقوط.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
“أحياناً تقع حوادث للجثامين أثناء نقلها لطابق مرتفع، وهو ما يكون ذا وقع مؤلم جداً على أهلهم” – أحد أصحاب المقابر متعددة الطوابق في مدينة شربين بمحافظة الدقهلية (دلتا مصر) في تصريحٍ للجزيرة نت.
لكن الدولة توفر مقابر بنظام القرعة وبمقابل مادي يمكن تسديده بنظام التقسيط، لمساعدة بعض العائلات الميسورة لشراء مقبرة خاصة بها وقريبة من محل إقامتها ما يُسهل عليها زيارة موتاها، لكن هذه المقابر مبنية بنظام حق الانتفاع، وفقاً للقانون 251 لسنة 1966، وهو الذي يمنع تمليك المقابر، ما يسمح للدولة بإمكانية نقل المدافن بالرفات إلى أي مكان في حال رغبت السلطات في ذلك.
كما أنّ قوائم الانتظار قد تصل لـ 10 سنوات، ولا يحق للأسرة (الزوج والزوجة والأولاد القصر) التقدم لحجز أكثر من مقبرة واحدة، ويحظر تقسيم أو تجزئة المقبرة أو التصرف فيها أو التنازل عنها للغير بأي طريقة.
في المقابل يعاني الكثير من المصريين في توفير المبلغ الكافي لشراء المقابر، ما يدفعهم لدفن ذويهم في مدافن الصدقة التابعة للجمعيات الخيرية.
وبما أننا في معرض الحديث عن المقابر في مصر، فالتسمية هناك تختلف عن غيرها من الدول، إذ يعرف القبر الفردي حيث يدفن الميت بـ”المقبرة” في مصر، بينما يعرف بـ”القبر” في الجزائر والمغرب والعراق والسعودية، حيث تستخدم لفظة “المقبرة” لوصف المكان الذي يضم مجموعة كبيرة من القبور.
مقابر العراق قبل وبعد الغزو، وقوانين قديمة لوقف العشوائية، القبر في العراق ليس بناءً فوق الأرض ومتعدد الطوابق مثل مصر؛ إذ يكون عبارة عن حفرة في التراب تحاط ببناء صغير من الحجارة مرتفع قليلاً عن الأرض، أما فيما يخص مسألة إدارتها بشكلٍ خاص أو من قِبَل الدولة فاختلفت قبل الغزو الأمريكي عن بعده.
إذ كانت الدولة تُسير المقابر بشكلٍ كليٍ ولم تكن هناك مقابر عائلية، وذلك قبل الغزو الأمريكي للعراق في سنة 2003، ولكن بداية من العام 2016، افتتحت مكاتب لمتعهدين بحفر القبور وبنائها، إضافة إلى إمكانية بيع مساحات داخل المقابر تُحاط بسياج وتكون مخصصة لعائلات بعينها، وفق تقرير “العربي الجديد” المنشور في العام نفسه.
لكن انتشرت مقابر عشوائية مع الفوضى التي عمَّت البلاد بعد الغزو، ما دفع بالحكومة في سنة 2010، إلى تفعيل قانون قديم يعود إلى العام 1938 يضع شروطاً لبناء المقابر الخاصة، إذ ينص على إنشاء المقبرة في مكان لا يقل بعده عن أول مدينة عن كيلو متر واحد، وأن تزود بالماء وغرفتين واحدة للحارس وأخرى كمسجد، وألا يزيد طول القبر عن مترين وأن تكون المسافة بين القبر والآخر متراً واحداً فقط، وبشرط أن يتم التأكد أن المقبرة تُقام على أرض غير أثرية أو نفطية أو تابعة للقطاع الخاص، أو على مجرى الأنهار.
كما انتشرت ظاهرة جديدة بالعراق في السنوات الأخيرة وهي كتابة الأشعار على القبور، على غرار “هذا ما جناه عليَّ أبي ولم أجن على أحد”، أو “يا قارئ كتابي ابكِ على شبابي. بالأمس كنت هنا واليوم تحت التراب”، أو “تأكد أنك ستكون بجواري بعد مدة، لذا لا تكرر خطئي”.
الفقير جار الغني في مقابر الجزائر
في الجزائر، لا توجد مقابر تابعة للقطاع الخاص، فكلها حكومية، وهي مفتوحة للجميع لا فرق فيها بين مستوى اجتماعي ومادي، مثل مقبرة “العالية” الواقعة شرق العاصمة، والتي تعتبر الأكبر في البلاد، حيث يدفن فيها ذلك الذي عاش حياته في فقر مدقع، وذلك الصبي المجهول الهوية، بجانب الرياضي أو الفنان أو السياسي الشهير.
لكنْ هناك امتياز وحيد ممنوح لبعض قبور مقبرة “العالية”، وهي تلك الخاصة برؤساء البلاد وقادتها السابقين الذين يُدفنون في مكان مخصص لهم، يُسمى “مربع الشهداء”، حيث توجد قبور “الأمير عبد القادر الجزائري” قائد المقاومة الشعبية لـ 15 عاماً ضد الاحتلال الفرنسي للجزائر، و”عميروش” العقيد في جيش التحرير الوطني، و”سي الحواس” وهو العقيد أحمد بن عبد الرزاق حمودة أحد قادة الثورة الجزائرية، والرئيس الجزائري الراحل عبد العزيز بوتفليقة.. وغيرهم من القادة والسياسيين.
لكن توجد بالجزائر أيضاً بعض المقابر العائلية، ونجدها بالخصوص في المناطق الريفية والجبلية؛ حيث تُفضل العائلات دفن موتاها بقطعة أرض ملك لها وقريبة من مقر سكناها.
وإضافة للحفرة التي يوضع فيها الميت، فإنّ القبر بالجزائر هو عبارة عن بناء صغير جداً من الرخام يرتفع بمعدل 20 سنتيمتراً فقط عن الأرض، وبطول لا يتجاوز المترين والعرض نصف المتر، ويقوم ببنائه حرفيون يتقاضون عليه ما بين 15 ألفاً إلى 30 ألف دينار جزائري (حوالي 100 إلى 200 دولار).
كما يوجد من يكتفي فقط بالحفرة المردومة بالتراب وقطعة من الخراسانة، مع وضع شاهد يوضح هوية المُتوفَّى، أو يحيط تلك الحفرة بمجموعة من الحجارة الصغيرة، فيما تعتبر بعض القبور التي نجدها بـ”مربع الشهداء” بمقبرة “العالية، هي الوحيدة التي يرتفع بها البناء وكأنها نصب تذكاري.
أما بالنسبة لشروط الدفن، فتقتصر على استخراج شهادة الوفاة من البلدية التي يوجد بها مقر مسكن العائلة ثم جلب “تصريح الدفن” من أقرب مقبرة تتوفر على مساحة جاهزة، ثم يتكفل عمال المقبرة بتوفير الحفرة للميت.
في المغرب يحفر القبر بعد الوفاة
مثلما هو الحال في الجزائر، فإنه لا توجد مقابر تابعة للقطاع الخاص بالبلد الجار، المغرب، ولكن عملية الدفن ليست بالمجان، وتختلف تكلفتها بحسب المكان الجغرافي التي تتواجد بها، حضري أو ريفي.
ففي العاصمة الاقتصادية الدار البيضاء على سبيل المثال تتوفر 12 مقبرة، 2 منها فقط تملك مساحات شاغرة لدفن المتوفين الجدد، تقع الأولى بمحيط المدينة وتُسمى “الغفران”، والثانية بمنطقة ريفية وتسمى “الرحمة”.
وبحسب ما نشره الموقع الإلكتروني المغربي “الدار” في العام 2018، فإنّ ذوي المُتوفَّى مُطالبون بدفع 70 درهماً مغربياً (حوالي 7 دولارات) لحفر القبر، لكن بناء قبر “بسيط” يتطلب 200 درهم (20 دولاراً) بمقبرة “الغفران” و 100 درهم (10 دولارات) بمقبرة “الرحمة”. عملية الحفر وبناء القبر ليست مهمة الحكومة بل مهمة مقاولين وشركات خاصة تجري وفق عقود محددة مع الإدارة المسيِّرة للمقبرة.
تعتبر المرثيات (القصائد الحزينة التي تكتب على القبر) وحفر وبناء القبور هي الأغلى في عملية الدفن، إذ تبلغ تكلفة القبر الأساسي 700 درهم (حوالي 70 دولاراً) ، ويمكن أن يصل سعره إلى 10 آلاف درهم (ما يزيد عن ألف دولار)، وأغلب القبور مصنوعة من الرخام بكتابات بالماء الذهبي، بينما أبسطها مصنوع من الطوب الأحمر، والأسمنت المطلي باللون الأبيض.
وتكلف المرثية ما بين 200 و2000 درهم (بين 20 إلى 200 دولار)، وتختلف باختلاف المواد المستخدمة لكل من البناء والكتابة. وقد يتجاوز بعضها 5 آلاف درهم (500 دولار).
ويمكن للعائلات أيضاً شراء، لدى الحكومة، قطع أرضية داخل المقابر تحسباً لدفن ذويها معاً، إذ يتم عرض للبيع حصص بـ6 أو 9 أو 12 قبراً، وللحصول على قطعة تصلح لبناء 6 قبور، يجب دفع مبلغ مالي يُقدر بـ20 ألف درهم (تتجاوز ألفَي دولار) بالإضافة إلى ضريبة 1000 درهم (حوالي 100 دولار)، والالتزام بحفر القبر وبناء السياج مع بوابة حولها، ما قد تصل معه التكلفة إلى أزيد من 25 ألف درهم (تتجاوز 2.5 دولار).
القبور بالسعودية بسيطة.. والدولة تتكفل بغسل الميت
أما في المملكة العربية السعودية، فإنّ القبور بسيطة، حيث يُمنع رفعها عن الأرض بأكثر من شبر واحد (ليس أكثر من 15 سنتيمتراً) ويُمنع أيضاً تزيينها، ويتم الاكتفاء بوضع شاهد عليها للتعرف على هوية الإنسان المدفون.
ويوجد نوعان من القبور بالسعودية، بحسب ما جاء في موقع “المرجع” السعودي وهما: الشق، واللحد.
وفي “الشق” يتم حفر حفرة في أسفل القبر وفي وسطه، تكون قريبة من حجم الميت، ويبنى جانباها بالطوب حتى لا ينضمَّ القبر على الميت، ويوضع الميت في الحفرة على جنبه الأيمن ويكون باستقبال القِبلة، ثم يتم سقف القبر بأحجار أو بلاطات ويكون مرتفعاً عن الميت ولا يمسه، ثم يُهال عليه التراب.
أما في “اللحد” فيتم حفر القبر ثم يتم حفر حفرة في أسفل جدار القبر القريب من القِبلة، ويوضع الميت في تلك الحفرة على جنبه الأيمن ثم تسد الحفرة الجانبية بالطوب، وتستخدم هذه الطريقة إذا كانت الأرض رملية لينة، وبعد الانتهاء يهال التراب والرمل في القبر.
ومقابر السعودية كلها حكومية ولا توجد أي رسوم لدفن الموتى، إذ تتكفل السلطات بتكاليف الدفن وما على ذوي الميت سوى اتخاذ إجراءات إدارية بسيطة بالمستشفى وبالبلدية تنتهي باستخراج وثيقة تقدم لإدارة المقبرة، وحتى غسل الميت تتكفل به المملكة في مكان يُسمى “المغسل”.