لم تكن ظاهرة الإسلاموفوبيا نتاج جهل أو خوف عابر بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر. ولم تنشأ نتيجة صِدام حضارات كما يُروَّج. بل كانت صناعة مُهيكلة، ممولة، وموجَّهة، تقف وراءها شبكات متكاملة من مراكز أبحاث، ووسائل إعلام، وساسة، ومموّلين، هدفهم: شيطنة الإسلام وترويع المسلمين.
في هذا المقال، نكشف كيف تحوّلت الإسلاموفوبيا من خطاب هامشي إلى منظومة استراتيجية تستثمر في التحريض، وتستثمر في الكراهية، وتؤسس لبنية قانونية وأمنية وإعلامية تحاصر المسلمين في أوطانهم ومهاجرهم.
أولًا: صناعة الخوف — كيف بدأ كل شيء؟
عقب هجمات 11 سبتمبر، وجدت الحكومات الغربية في شيطنة الإسلام أسرع وسيلة لتبرير تدخلاتها العسكرية في العالم الإسلامي. فكان لا بد من خلق عدو داخلي وخارجي موحَّد: “الإرهاب الإسلامي”.
هنا بدأت مراكز الدراسات بإنتاج تقارير مكثفة عن “الشريعة الزاحفة”، و”الأسلمة التدريجية”، و”التهديد الديموغرافي للمسلمين”. وامتلأت وسائل الإعلام بصور النساء المحجّبات والرجال ذوي اللحى المرتبطة بالقنابل والعنف. أما السينما الغربية، فقد ثبّتت هذه الصورة في الوعي العام.
ثانيًا: شبكة الإسلاموفوبيا — بالأسماء والتمويل
تشير تقارير صادرة عن مركز التقدم الأمريكي ومجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (CAIR) إلى أن ما يزيد عن 200 مليون دولار تم ضخها ما بين 2001 و2012 لتمويل صناعة الإسلاموفوبيا. ومن أبرز الجهات الفاعلة:
- مركز “منتدى الشرق الأوسط” بقيادة دانيال بايبس
- موقع “جهاد ووتش” بإدارة روبرت سبنسر
- مؤسسة “كلاريون بروجيكت” و”Gatestone Institute”
- سياسيون بارزون مثل غيرت فيلدرز (هولندا)، تومي روبنسون (بريطانيا)، وأعضاء في حزب One Nation الأسترالي
هذه الشبكات تتقاطع في خطاب واحد: الإسلام خطر وجودي، والمسلم لا يُؤمَن جانبه.
ثالثًا: حين تتحول الكراهية إلى تشريعات
لم تتوقف الإسلاموفوبيا عند الخطاب الإعلامي، بل تم أسلمتها في السياسات العامة:
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
- برنامج “بريفنت” في بريطانيا: يُشجّع المعلمين والأطباء على الإبلاغ عن أي سلوك قد يدل على “تطرف”، وغالبًا ما يستهدف الأطفال المسلمين.
- قوانين منع الحجاب في فرنسا: تحت شعار العلمانية، تُجرَّم المسلمات في المدارس والوظائف.
- قوانين مكافحة الإرهاب في أستراليا: تُوسّع صلاحيات المراقبة والاحتجاز بشكل غير مسبوق.
- قرار ترامب بحظر دخول المسلمين: نموذج فجّ لتوظيف الإسلاموفوبيا في السياسات العليا.
رابعًا: الإعلام شريك في الجريمة
أدت الصحف والقنوات التلفزيونية دورًا جوهريًا في ترسيخ الكراهية:
- لا تُذكر كلمة “الإرهاب” إلا وتُسبق بـ”الإسلامي”.
- تُستدعى الأصوات المسلمة في المقابلات فقط للتبرير أو الإدانة، وليس للشرح أو التمثيل.
- تُغفل تمامًا صور المسلمين في ميادين العطاء والخدمة والتعليم.
خامسًا: صناعة مربحة… الكراهية تدرُّ المال
الإسلاموفوبيا ليست فقط خطابًا، بل اقتصادًا:
- سياسيون يبنون حملاتهم على التخويف من الإسلام.
- شركات أمنية تبيع تكنولوجيا مراقبة موجهة للمجتمعات المسلمة.
- منظمات تتلقى تمويلًا ضخمًا لـ”مكافحة التطرف” وتوظف خبراء مزيفين.
الكراهية باتت مهنة.
سادسًا: من يقاوم؟
رغم الهجمة، هناك مقاومة تنمو بثبات:
- منظمات قانونية تُقاضي السياسات التمييزية.
- منصات إعلامية مسلمة تستعيد السردية.
- تحالفات حقوقية بين مسلمين ومسيحيين ويهود ضد العنصرية.
- جيل شاب من المسلمين يدخل الإعلام والسياسة والقانون ليواجه من الداخل.
الخاتمة:
الإسلاموفوبيا لم تكن لحظة انفجار، بل مشروع متكامل. بُنِيت على الأكاذيب، ورُوِّجت عبر الإعلام، وسُنّت عبر القوانين، وتُموِّل عبر مؤسسات ضخمة.
والمواجهة لا تكون بالاعتذار، بل بكشف المنظومة، ورفض السردية، وبناء القوة.
فهذا لم يكن يومًا عن كون المسلمين خطرًا، بل عن كونهم عصيّين على الهيمنة.