عناق ووفاق ومناصب قيادية، كلمات تلخص رحلة طويلة جمعت الأزهر الشريف والصوفية المصرية على مر سنوات شهدت وئامًا بين الطرفين.
لوحظ هذا الوئام (المذهب والمنهجي والسياسي أحيانًا) أثناء انتشار رجال الأزهر في كل ربوع المحروسة، تزامنًا مع انتشار أهل الصوفية في كل شبر من قرى ونجوع ومدن مصر طولًا وعرضًا؛ حيث تلاقى المنهج الصوفي الزاهد في الدنيا وأحوالها، مع المنهج الأزهري الذي يعتمد على وسطية الإسلام وأسسه المتينة.
هذا الوفاق بدأ مبكرًا جدًا، في عقيدة الأزهر، الذي وجد رجاله وعلماؤه في قلوب الصوفيين مكانًا معدًا لاستقبال ما يؤمن به الأزهريون من عظمة الاعتدال الإسلامي، ووسطيته، وابتعاده عن الإفراط والتفريط، فحمت الصوفية الأزهر، وصان الأزهر الصوفية، وسار كلاهما جنبًا إلى جنب، ويدًا بيدٍ في سبيل وضع صحيح الإسلام في مكانته بين الناس.
وإزاء هذا التناغم بين الجانبين، لم يكن غريبًا أن يتقلد المناصب القياديَّة الأزهريَّة، وبخاصة في المشيخة، عددٌ لا بأس به من أعلام الفكر الصوفي، وزهاد العصور.
الصوفية المصرية.. سحر خاص
تتمتع الصوفية المصرية بسحر خاص؛ لاعتدالها وعدم إفراطها في الغيبيات والمحظورات التي وقع به الصوفيين أو بشكل أصح مدّعو التصوّف في البلاد الأخرى، الأمر الذي كان له أثرٌ كبيرٌ في اقتناع الكثيرين بها، وبالتالي دخولها كل بيت في قرى ومدن مصر، إذ لا يخلو منزل من صوفي، يعلم الناس كيف يمكن لهم أن يحبوا الله ورسوله وصحابته وآل البيت.
وتشير الإحصاءات إلى أن المجلس الأعلى للطرق الصوفية، يضم 77 طريقة مسجلة لديه، ومعترف بها، تجمع تحت مظلتها أكثر من 6 ملايين مريد.
وتضم القاهرة وحدها 41 طريقة صوفية، للرفاعية والمحمدية الشاذلية، وفي الإسكندرية 4 طرق أشهرها النقشبندية، أما في الدلتا فتوجد الدسوقية، والبدوية، وفي الصعيد هناك القناوية.
وعقب حالة العناق التي عاشها التيار الصوفي، مع الأزهر الشريف، لم يعد الأمر مقصورًا على الفقراء، ومنخفضي التعليم، إذ إن التيار الصوفي بات يستقطب الكثير من الوجهاء والأثرياء، بل وعددًا من أصحاب المناصب الرفيعة في المجتمع المصري.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
ويعد مفتي مصر السابق الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء سابقًا، أبرز الأمثلة على تلك الرابطة القوية التي تصل بين الطرفين بحبال المودة والاحترام المتبادل، حيث أسس “جمعة” منذ أشهر قليلة، الطريقة الصديقية الشاذلية، يتلوه الشيخ الطاهر الحامدي، مؤسس الطريقة العامرية الخلوتية، والأمين العام السابق للدعوة.
وحدة فكرية
المتتبع للمنهج الأزهري، وقرينه الصوفي، يجد أنهما يتمتعان بوحدة فكرية، فكلاهما ينشغل بصون الظاهر عبر سلوك معتدل، وحفظ الباطن عن طريق تهذيب النفس ومداواة عيوبها.
ومن أشهر الطرق الصوفية التي ينتمي إليها علماء أزهريون الطريقة المحمدية الشاذلية، التي أسسها الدكتور محمد زكي الدين إبراهيم، وتتسم برفض البدع والمخالفات.
وترى الدكتورة هدى درويش، أستاذ مقارنة الأديان بجامعة الزقازيق، أن التوافق بين الأزهر والصوفية، يعود إلى وحدة الفكر، وميل الطرفين إلى الوسطية، والاعتدال، وهو ما يتوافر في مناهج الأزهر، وفي عقول أتباع الصوفية، الذين يعدون أحرص الناس على الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم، وصحابته.
وأشارت إلى أن التوجه الصوفي لعلماء وشيوخ الأزهر، يمثل ركيزة أساس في حرب الأزهر للإرهاب الوهابي، والتشدد، مضيفة: «إذا كان التصوف هو الكمال الروحي، في أبرز معانيه، فإن العلم الأزهري هو الإطار الذي يهذب البدن، ويمده بالوعي بأصول الأشياء».
وتابعت: «التصوف يمكن الإنسان من فهم العقيدة الصحيحة، والأزهر يعلم المسلم كيف يمكن أن يسوس حياته ويديرها وفقا لأحكام الشرع الحنيف».
مدارس صوفية
لم يقف دور الأزهر في الصوفية، عند حد التأييد والحب، والانتماء فقط، وإنما امتد إلى نشر الصوفية الحقة، عبر عدد من المدارس التي أنشئت لتعليم أصول الصوفية، ومنها تلك التي أنشئت في عام 736هـ، وأخرى بناها الظاهر بيبرس، وسبقتهما المدرسة التي أسسها صلاح الدين الأيوبي، وولى عليها أعلام العلماء والفقهاء الصالحين.