التاريخ الكاثوليكي للإمبراطورية الرومانية يسيطر على كثير من الكتاب المهتمين بالشأن الإسلامي في ألمانيا؛ فعند غير واحد منهم تم أسلمة العالم المعروف اليوم بالعالم الإسلامي وفرض العربية عليه، قياسًا على تنصير الإمبراطورية الرومانية جبرًا وبطرق وحشية أحيانًا وما حدث للاتينية، وتجد ريبة من البعض في قضية “جمع القرآن وترتيبه” و”القراءات السبع” متأثرين بالأناجيل الأربعة المسيحية الغير صحيحة، ثم تجدهم بعد ذلك يتساءلون: لماذا لا تتحول اللهجات العربية إلى لغات رسمية كما تحولت اللهجات التي كانت مستخدمة في الإمبراطورية الرومانية إلى لغات مستقلة فظهرت الفرنسية والإسبانية وماتت اللاتينية إلا في بعض استخدام في النصوص القانونية والطبية وبعض العبارات عندهم؟
وهذه فكرة أبعد من أن نناقشها؛ لأن فصحى العربية مركزية جدًا في حياة العرب والمسلمين عمومًا، وترى كثيرًا منهم يريد فصل المؤسسة الدينية عن المؤسسة السياسية (العلمانية) كي نخرج من البؤس الذي نعيش فيه بظنهم، قياسًا على محاربة الكنيسة والتخلص منها والخروج بالتالي من عصور الظلام بفكرهم (التي كانت فترة ازدهار عند المسلمين) إلى عصر النهضة ثم التنوير والحداثة وما بعدها، جهلًا بطبيعة الحضارة الإسلامية (أًو تدليسًا متعمدًا لها) التي على العكس تمامًا ما تخلفت إلا بترك الدين. لذلك يُقال: كارثة أن تتعلم على يد المستشرقين قبل قراءة التاريخ الإسلامي من نصوصه الأصلية والتثقف بمعرفة تاريخ الأمم الأخرى، لأن المستشرق لو صادف عندك عقلًا خاويًا سيعلمك طريقًا بروتستانتيًا.
تأثر الدارسين العرب بمنظور المؤرخين الأوروبيين
في السياق نفسه لاحظت عند دارسي الإسلاميات العرب من جيلي في ألمانيا ضعف مستواهم في التاريخ الإسلامي من ناحية وتاريخ بلادهم قبل الإسلام من ناحية أخرى (حضارات الشرق القديمة البابلية والآرامية والفينيقية والكنعانية والمصرية القديمة والليبية والقرطاجية) وكان بعضهم لا يعرف شيئاً يذكر عن تاريخ أوروبا الإغريقي الروماني الفارسي “اليهودي” وسيُشار في الجزء الأخير من المقال عن سبب وضع اليهودي بين علامتي تنصيص.
وهؤلاء سقطوا في إسقاطات استشراقية كثيرة متأثرة بتاريخ أثينا ومِن بعدها الإمبراطورية الرومانية التي روّمت المسيحية الكاثوليكية والصراع بين الكنيسة والعلماء في العصور الوسطى المظلمة، واللغة اللاتينية وانشطارها لاحقًا إلى لهجات تحولت إلى لغات رسمية هي لغات أغلب دول أوروبا اليوم، والتطور التاريخي منذ عصر النهضة مرورًا بالإصلاح والتنوير فالحداثة وما بعدها كما ذكرت آنفًا.
وكان منطقيًا، بعد ذلك، أن تراهم ينظرون إلى تاريخهم البعيد (القديم) والإسلامي الحديث من نفس منظار الأستاذ المستشرق ولو اختلفت الدرجة أحيانًا؛ فأصبح لدينا “مستشرقون عرب” وخبراء سياسيون ومخبرون محليون، واللفظ لإدوارد سعيد، يقومون بنفس الدور الذي اضطلع به خبراء الاستعمار في الشرق قبل قرنين من الزمان، لكنهم في هذه المرة من أبناء البلد فلهم عند المتلقي، وهذه كارثة، مصداقية أكثر من المستشرقين سيئي السمعة، وإن كان هناك مستشرقون أكثر موضوعية من بعضهم.
فانظر كيف استطاع الطرف الآخر أن يفرض علينا، من بني جلدتنا، ساسة ككليبر واللورد كرومر وسايكس وبيكو، وعلماء مثل إدوارد وليم لين وسلفستر دي ساسي وسنوك هنخرونيه، وعلماء آثار من أمثال هوارد كارتر ولودفيج بورخرت، وصحفيين من نفس الفصيلة!
فهل تحتاج أوروبا، بعد كل هذا، إلى جيوش جرارة تقتحم الأزهر بخيولها وعندها من يقتحمون الأزهر بعقولهم، أو تحتاج إلى مخبرين محليين وعندها هناك خريجو وخريجات المدارس الفرنسية والألمانية يكتب بعضهم على صفحات الفيسبوك بلغةٍ أجنبيةٍ من قلب القاهرة والإسكندرية ما قد يتريث الفرنسي أو الألماني قبل كتابته؟ وهل تحتاج إلى فرنسيين يفرنسون المغرب العربي ولها هناك من أبناء هذه البلاد من يدير مؤسساتها المفَرنِسة مثل الفرنسيين أنفسهم؟ فهل نحتل أنفسنا بأنفسنا مقابل مناصب وأموال يركض نحوها ضعاف النفوس؟
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
تاريخ أوروبا بين اليهودية والإسلام
للإسلام حوالي ٩ قرون في أوروبا، ٨ قرون في الأندلس وقرن منذ فترة الاستعمار والجاليات الشمال إفريقية في فرنسا وإسبانيا مرورًا بالعمال الأتراك في ألمانيا والجاليات المسلمة الأقل عددًا وحتى وصول السوريين إلى ألمانيا في العقد الأخير، وهذا ما يدفع المرء إلى القطع بأن الإسلام ليس جزءًا من أوروبا، أوروبا كلها، بل جزء من الهوية الأوروبية ذاتها.
الآن نجد البعض يؤكد على الأصول المسيحية، وهذه واضحة، اليهودية، وهذه ليست واضحة، للحضارة الأوروبية، مشيرين أحيانًا إلى الأصل التوراتي المؤثر في الثقافة المسيحية، ولا ندري هل كانت هذه الإشارة موجودة قبل الحرب العالمية الثانية، وإلى تأثير الأقليات اليهودية في الثقافة الأوروبية من ناحية أخرى، أم لا.
لقد عاش اليهود في هذه المنطقة من العالم حوالي ١٩ قرنًا متواصلة ذاقوا فيها كل أشكال الاضطهاد المعروفة، ولم يندمجوا ذلك الاندماج الذي يجعلنا نقطع بتأثيرهم في الحياة العامة للناس، ولو سلمنا بذلك فسرعان ما نكتشف أن اضطهادهم قد نال من تأثيرهم الكثير والكثير.
أما من الناحية اللاهوتية فمعروف الخلاف العقدي التاريخي بين أباطرة المسيحية وكهنتها ولاهوتييها وبين اليهود واليهودية بشكل عام، ولقد كان هذا سببًا من أسباب اضطهادهم التي يضاف إليها أسباب اقتصادية واجتماعية قد يكون بعضها مفبركًا. التأثير اليهودي في الثقافة الغربية موجود ولا يمكن إنكاره. لكن السؤال هل يمكن بعد كل هذا أن يتم عزل الإسلام صاحب حضارة الأندلس الزاهرة التي، وباعتراف كثيرين، تمثل أحد الأسس التي قامت عليها النهضة الأوروبية، وإبراز اليهودية إلا لأسباب سياسية؟