ما حكم الدعاء الفرادي أو الجماعي خلف الصلوات كأن يدعو الإمام والآخرون يؤمنون؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد، فإن الدعاء عقب الصلوات المكتوبة مرغب فيه شرعا من قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد روى الترمذي عن أبي أمامة رضي الله عنه قال (قيل يا رسول الله أي الدعاء أسمع؟ قال جوف الليل الأخير ودبر الصلاة المكتوبة)، ومعنى أي الدعاء أسمع أي أقرب للإجابة، ومعنى دبر الصلاة المكتوبة أي بعد الصلاة المكتوبة.
وقد أخرج الطبري من رواية جعفر بن محمد الصادق قال (الدعاء بعد المكتوبة أفضل من الدعاء بعد النافلة كفضل المكتوبة على النافلة) ذكر ذلك ابن حجر العسقلاني في الفتح وسكت عنه في أثناء شرحه لكتاب الدعوات في صحيح البخاري باب الدعاء بعد الصلاة ومما قاله رحمه الله ابن حجر في شرحه لهذا الباب أي المكتوبة وفي هذه الترجمة رد على من زعم أن الدعاء بعد الصلاة لا يشرع. انتهى كلامه رحمه الله
وتسمية البخاري رحمه الله لهذا الباب بهذا الاسم يدل على مشروعية الدعاء بعد الصلاة وقد أرشد كثير من العلماء إلى استحباب الدعاء بعد الصلاة المكتوبة في مصنفاتهم منهم الذين سبق ذكرهم وهم البخاري في جامعه وابن حجر في شرحه لصحيح البخاري والإمام ابن الجزري الدمشقي في كتابه عدة الحصن الحصين من كلام سيد المرسلين ومنهم الإمام النووي في كتابه الأذكار وكتابه المجموع شرح المهذب وقد قال فيه فرع قد ذكرنا استحباب الذكر والدعاء للإمام والمأموم والمنفرد وهو مستحب عقب كل الصلوات بلا خلاف.
فتأملوا رحمكم الله في قوله بلا خلاف.
ومن العلماء الذين نصوا على استحباب الدعاء بعد الصلاة الفقيه الحنبلي منصور البهوتي في كتابه كشاف القناع على متن الإقناع وابن قدامه المقدسي الحنبلي في كتابه المغني ومنهم الإمام الونشريسي في كتابه المعيار وهو من علماء المالكية وغيرهم كثير، هذا فيما يخص الدعاء على العموم.
أما بالنسبة للدعاء على وجه الخصوص فقد وردت كثير من الأحاديث النبوية الصحيحة التي ترغب في أدعية مخصوصة بعد الصلاة المكتوبة، منها على سبيل المثال ما رواه البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من الصلاة قال لا اله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شي قدير اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد.
ومنها ما رواه البخاري عن سعد بن وقاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ من دبر الصلاة بهؤلاء الكلمات (اللهم إني أعوذ بك من فتنة الدنيا وأعوذ بك من عذاب القبر).
ومنها ما رواه أبو داود والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم عن معاذ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيده وقال يا معاذ والله إني لأحبك ثم قال أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة تقول (اللهم اعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك).
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
وهذه الأدعية الواردة في هذه الأحاديث تستحب عقب كل صلاة مكتوبة من الصلوات الخمس كما يستحب عقب صلاة المغرب وعقب صلاة الصبح خاصة أن يضيف المصلي لما سبق الآتي، روى أبو داود عن مسلم بن الحارث رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أسرَّ إليه فقال إذا انصرفت من صلاة المغرب فقل (اللهم أجرني من النار سبع مرات فإنك إن قلت ذلك ثم مت من ليلتك كتب لك جوار منها وإذا صليت الصبح فقل كذلك فإنك إن مت من يومك كتب لك جوار منها).
وروى البخاري عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُمِّ سُلَيْمٍ فَأَتَتْهُ بِتَمْرٍ وَسَمْنٍ قَالَ أَعِيدُوا سَمْنَكُمْ فِي سِقَائِهِ وَتَمْرَكُمْ فِي وِعَائِهِ فَإِنِّي صَائِمٌ ثُمَّ قَامَ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنْ الْبَيْتِ فَصَلَّى غَيْرَ الْمَكْتُوبَةِ فَدَعَا لأُمِّ سُلَيْمٍ وَأَهْلِ بَيْتِهَا. الحديث.
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري شرح صحيح البخاري وفيه مشروعية الدعاء عقب الصلاة.
وروى البخاري عن عمرو بن ميمون الأودي قال كان سعد يعلم بنيه هؤلاء الكلمات، كما يعلم المعلم الغلمان الكتابة، ويقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ منهن دبر الصلاة (اللهم إني أعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا، وأعوذ بك من عذاب القبر)، فحدثت به مصعبا فصدقه. اهـ
وروى النسائي عن مسلم ابن أبي بكرة أنه كان سمع والده يقول في دبر الصلاة اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر، وعذاب القبر، فجعلت أدعو بهن فقال يا بني إنى علمت هؤلاء الكلمات؟ قلت يا أبتي سمعتك تدعو بهن في دبر الصلاة فأخذتهن عنك، قال فالزمهن يا بني، فإن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو بهن في دبر الصلاة.
بقيت مسألتان تتعلقان بهذا الموضوع:
المسألة الأولى متعلقة برفع اليدين في الدعاء.
فنقول بخصوصها وقد ورد في السنة كثير من الأحاديث ترغب في ذلك منها قوله صلى الله عليه وسلم كما في سنن أبي داود (إذا سألتم الله فاسألوه ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهورها) وفي رواية للطبراني بسند رجاله ثقات (سلوا الله ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهورها) وروى بعض أصحاب السنن وأحمد بسند صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إن ربكم تبارك وتعالى حَيِيٌّ كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا) (أي خاليتين) وهذا النص من أعظم المرغبات في الدعاء ورفع اليدين فيه (هذا في العموم).
أما بخصوص رفع اليدين بعد الصلاة تحديدا فقد روى الطبراني بسند قال عنه الهيثمي في مجمع الزائد رجاله ثقات إن محمد بن أبي يحيى قال رأيت عبد الله بن الزبير رأى رجلا رافعا يديه قبل أن يفرغ من الصلاة فلما فرغ من الصلاة قال له إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يرفع يديه حتى يفرغ من الصلاة.
وجاء في العتبية أن مالكا سئل عن رفع اليدين في الدعاء بعد الصلاة فقال يرفعهما ولكن لا يبالغ.
قال ابن رشد أجازه مالك رحمه الله في هذه الرواية برفع اليدين في الدعاء عند خاتمة الصلاة هو نحو قوله في المدونة ذكر ذلك صاحب المعيار.
المسألة الثانية تتعلق بالدعاء جماعة بعد الصلوات.
فممن قال بالجواز المطلق منصور البهوتي الحنبلي كما في كتابه كشاف القناع ووردت فتاوى لبعض علماء المالكية كذلك ذكرها الإمام الونشريسي في كتابه المعيار ولا سيما إذا أراد الإمام تعليم المأمومين بأن الدعاء مشروع بعد الصلاة فيجهر بذلك ويبسط يديه كما قال الشافعي في كتابه الأم، ونستأنس لذلك بما ورد عن الصحابي الجليل حبيب بن مسلمة الفهري، وكان مجاب الدعوة قال سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول (لا يجتمع ملأ، فيدعو بعضهم، ويؤمن البعض، إلا أجابهم الله) رواه الحاكم.
وقد ورد في السنة ما يدل على الجهر بالذكر عقب الصلاة فروى البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال ابن عباس رضي الله عنهما كُنْتُ أَعْلَمُ إِذَا انْصَرَفُوا بِذَلِكَ إِذَا سَمِعْتُهُ، وفي لفظ كُنْتُ أَعْرِفُ انْقِضَاءَ صَلاَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم بِالتَّكْبِيرِ.
وروى النسائي في سننه من حديث أُبَيِّ بن كعب وعبد الرحمن بن أَبْزَى رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقرأ في الوتر بـ سبح اسم ربك الأعلى وقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد ، فإذا سلّم قال (سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ) ثلاثَ مرات، زاد عبد الرحمن في حديثه يرفع بها صوته، وفي رواية يرفع صوته بالثالثة.
وقد قال صاحب مراقي الفلاح في أمر الإسرار بالذكر والدعاء والجهر بهما (إن ذلك يختلف بحسب الأشخاص والأحوال والأوقات والأغراض فمتى خاف الرياء أو تأذى به أحد كان الإسرار أفضل ومتى فُقِد ما ذُكِر كان الجهر أفضل). اهـ
ونقول:
فمن شاء جهر ومن شاء أسر وهذا جائز وهذا جائز وليتق الله الذين يفتون بغير علم ويحرمون ما أحل الله لأنهم بذلك يفترون على الله وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الكذب وكفى به إثما مبينا.
والحمد لله أولا وآخرا وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما.