الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى ءاله وصحبه، أما بعـد
فإن حرمة الميت المسلم كحرمته حيًا، والأصل فيه الكتاب والسنة. أما الكتاب فقد كرم الله الإنسان المسلم حيًا وميتًا في قوله عز وجل [وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي ءادَمَ] {الإسراء:70} وهذا نص مطلق يشمل الحي والميت على السواء.
وقوله جل ذكره [ أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا] {المرسلات: 25 26}. والمراد أن الأرض تضم الأحياء على ظهرها والأموات في بطنها. قال القرطبي: (ليسكن فيها حيا، ويدفن فيها ميتا). اهـ
وأما السنة فقد ورد في الحديث الشريف (كسر عظم المؤمن ميتا ككسره حيا) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه وصححه ابن حبان.
قال ابن حجر في الفتح: يستفاد منه أن حرمة المؤمن بعد موته باقية كما كانت في حياته.
وأما عن أمر الدفن في الشريعة الإسلامية، فالأصل أنه لا يدفن أكثر من ميت في القبر الواحد لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدفن كل ميت في قبر وعلى هذا استمر فعل الصحابة ومن بعدهم إلا للضرورة.
قال الفقهاء: أقل القبر المحصل للواجب حفرة تمنع بعد ردمها الرائحة أي أن تظهر منه فتؤذي الحي وتمنع السبع عن نبشها لأكل الميت، إذ حكمة الدفن صونه عن انتهاك جسمه وانتشار ريحه المستلزم للتأذي بها واستقذار جيفته فلا بد من حفرة تمنع ذينك.
ويندب أن يوسع بأن يزاد في عرضه وطوله ويعمق وهو الزيادة في النـزول قدر قامة وبسطة وهما أربعة أذرع ونصف لخبر أنه صلى الله عليه وسلم قال في قتلى أحد (احْفِرُوا وَأوْسِعُوا وأَعْمِقُوا) رواه أبو داود.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
وسنبين حكم دفن اثنين معا في قبر، وحكم أن يدفن واحد ثم ينبش قبره ويُدخَل عليه ءاخر فيدفن معه على حسب المقرر في الشريعة الإسلامية.
المشهور عند المالكية أنه لا يجوز جمع ميتين بقبر واحد اختيارا من غير ضرورة.
فإن احتيج إلى ذلك ككثرة الموتى أو ضيق مكان، أو تعذر حافر، أو نحو ذلك ،جاز في وقت أو في أوقات، كأن تفتح المقبرة بعد الدفن فيها لدفن ميت ءاخر.
في مذهب الإمام مالك يحرم أن ينبش القبر ما دام الميت أو شيء من عظامه المحسوسة في القبر، فإن تحقق أو ظن أنه لم يبق شيء محسوس من الميت فيجوز نبشه للدفن فيه فقط ، وقيد الجزء بالمحسوس احترازا عن عجب الذنب فدوامه به لا يحرم نبشه فهو كالعدم لأنه لا يحس في المدخل ولا يجوز لم عظام الميت القديم ولا تكسيرها.
وقالوا إن القبر حبس، والمراد بذلك أي القبر حبس على الدفن بمجرد وضع الميت فيه، بقي أو فني لا يتصرف فيه بغير الدفن، فإن فني فيجوز حينئذٍ دفن غيره فيه فإن بقي فيه شيء من عظامه فالحرمة باقية لجميعه، ولا يجوز أن يحفر عنه ولا يدفن معه غيره ولا يكشف عنه.
انظر منح الجليل ومواهب الجليل والمدخل.
وأما في حال الضرورة فيجوز والضرورة يقدرها أهل العلم، وقد دل على ذلك ما رواه البخاري عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ ( كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ثُمَّ يَقُولُ أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْءانِ فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إِلَى أَحَدِهِمَا قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ وَقَالَ أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَمَرَ بِدَفْنِهِمْ فِي دِمَائِهِمْ وَلَمْ يُغَسَّلُوا وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ ).
وروى النسائي واللفظ له والترمذي وأبو داود عَنْ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ : ( شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ الْحَفْرُ عَلَيْنَا لِكُلِّ إِنْسَانٍ شَدِيدٌ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : احْفِرُوا وَأَعْمِقُوا وَأَحْسِنُوا وَادْفِنُوا الاثْنَيْنِ وَالثَّلاثَةَ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ.
قَالُوا : فَمَنْ نُقَدِّمُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : قَدِّمُوا أَكْثَرَهُمْ قُرْءانًا قَالَ فَكَانَ أَبِي ثَالِثَ ثَلاثَةٍ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ.
والحاصل أنه لا يجوز أن يدفن أكثر من واحد في قبر واحد، سواء دفنوا في وقت واحد أو في أوقات مختلفة على دفعات، قبل بلى الجسد، وعليه.