كتبت إيمي كدي الأستاذة بجامعة هارفارد في كتابها الجديد (الحضور) عن صفتين تبحث عنهما في أول لقاء مع أي شخص وهما الثقة والاحترام. إيمي ربما لم تأتِ بجديد من حيث أهمية الصفتين ولكن الجلي في الأمر أنها أكدت معنيَين افتقدهما كثير من الناس في تعاملاتهم. أما الحب من أول نظرة فقد ألقت به في سلة المهملات فالاحترام لديها جدير بملازمة الثقة لتأسيس علاقة مثمرة وطويلة الأجل. ربما اخترت هذه المقدمة لأبث في اقتراب ذكرى مولد الرسول العطرة مشاعر فكرية أكثر منها مشاعر عاطفية. فالذين أحبوا رسول الله.. أحبوه لأسباب اختلفت مشاربها ولكنها قادتهم أخيراً لاتباعه والانقياد لدينه
المدوَّنة لا تتسع لذكر ما قاله كثيرون في حق رسول الله من تقدير واحترام ولكن يبقى السؤال (لماذا لم يترجَم هذا الاحترام إلى اتباع؟) لا تظنوا أني أتحدث عن غير المسلمين وحدهم.. فمن المسلمين من لا يتبع الرسول إلا قولاً. فتجد أعمالهم تُناقض أبسط قواعد الدين. لا أتحدث عن الذنوب فكلنا نقع فيها ولكن أتحدث عما يناقض فطرة الإنسان
لا يسعك وأنت تقرأ سيرته -عليه الصلاة والسلام- إلا أن تقف مشدوهاً أمام تفاصيل تقودك من الاحترام إلى الحب وهذا هو مربط الفرس. ففي محبته للناس كان -عليه الصلاة والسلام- إذا أراد أن يكْرم أحداً بسط إليه رداءه يجلس عليه. يقول عطاء بن يسار (جاءت حليمة بنت الحارث مرضعة النبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام إليها وبسط لها رداءه فجلست عليه). وجاءه وفد جيزان يعلنون إسلامهم فاختص عبد الجد بن ربيعة الحكمي بأمر لم ينل شرفَه أيُّ وفد من الوفود حيث بسط له -عليه الصلاة والسلام- رداءه الشريف ليجلس عليه مقرِّباً هذا الشيخ إليه ومرحِّباً به
وكان في تواضعه -صلى الله عليه وسلم- أنه خضع أول ما خضع لله تعالى. روى ابن عباس قال: بينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومعه جبريل -عليه السلام- يناجيه؛ إذ انشق أفق السماء، فأقبل جبريل يدنو من الأرض ويتمايل، فإذا ملك (هو إسرافيل) قد مثل بين يدي النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال (إن ربك يقرأ عليك السلام ويقول لك إن شئت نبيّاً ملكاً.. وإن شئت نبيّاً عبداً) فأشار جبريل إليّ بيده أن تواضع.. فعرفت أنه لي ناصح، فقلت (نبيّاً عبداً)ا
وقد وصف أبو مسعود -رضي الله عنه- تواضع النبي -صلى الله عليه وسلم- قال (أتى النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- رجلٌ فكلّمه فجعل ترعُد فرائصُهُ فقال له (هوِّن عليك نفسك فإني لستُ بِمَلِكٍ.. إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد). ويقول صلى الله عليه وسلم (إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه فإن لم يجلسه معه فليناوله لقمة أو لقمتين أو أكلة أو أكلتين فإنه ولي حره وعلاجه)ا
نحن هنا بصدد نبي لا يقرأ عنه غريب إلا وقد تجلى في فكره خُلق رفيع وهو الاحترام الذي ذكرته إيمي كدي في المقدمة الفائتة. فإذا أضفت إليه ثقتك بما جاء به (وهذا تجده في القرآن) فلا تملك إلا أن تحبه. أما الإيمان به وبرسالته (فإن الله تعالى يصطفي من يشاء من خَلقه لما يشاء من أمره)، فصلاة كريمة وسلاماً مفضلاً على الرحمة المهداة والأسوة الحسنة في ذكرى مولده. اللهم بلغنا حبك وحب نبيك باتباعه والاقتداء بخلقه صلى الله عليه وسلم
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website