الحمدُ لله ربِّ العالمين والصلاةُ والسلامُ على سيّدنا محمّدٍ الصادقِ الوعدِ الأمينِ وعلى إخوانِهِ النبيّينَ والمرسلينَ ورضيَ اللهُ عن أمهاتِ المؤمنينَ وآلِ البيتِ الطاهرينَ وعنِ الخلفاءِ الراشدينَ أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ وعن الأئمةِ المهتدينَ أبي حنيفةَ ومالكٍ والشافعيِّ وأحمدَ وعن الأولياءِ والصالحينَ.
حكم الجلوس للتعزية
الجواب أنه مما تعارف عليه المسلمون وجرى به العمل على مرّ العصور جلوس المسلمين في التعزية لمواساة أهل الميت بمصيبتهم والترويح عنهم، ولا يُتسثنى من ذلك النساء كما جاء عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أَنَّهَا كَانَت إِذَا مَاتَ المَيِّتُ مِنْ أَهلِهَا فَاجتَمَعَ لِذَلِكَ النِّسَاءُ ثُمَّ تَفَرَّقنَ إِلاَّ أَهلَهَا وَخَاصَّتَهَا، أَمَرَت بِبُرمَةٍ مِن تَلبِينَةٍ فَطُبِخَت ثُمَّ صُنِعَ ثَرِيدٌ فَصُبَّتِ التَّلبِينَةُ عَلَيهَا ثُمَّ قَالَت (كُلنَ مِنهَا) وهو في صحيح البخاري، فلينظر إلى قوله (فاجتمع لذلك النساء) أي اجتمعن للتعزية بسبب موت الميت، ثم لينظر إلى إطعام عائشة رضي الله عنها الطعام وهذا لا مانع منه فهو داخل في حديث (أطعم الطعام) وهو في مسند الإمام أحمد الذي هو نفسه رخّص في الجلوس للتعزية وهو نفسه رضي الله عنه عزّى وجلس للتعزية، كما ذكر المرداوي الحنبلي في كتاب الإنصاف حيث نقل عن الخلال قال سهّل الإمام أحمد في الجلوس إليهم (أي في التعزية) في غير موضع، أي في عدة مواضع وليس مرة واحدة فقط.
فحديث عائشة رضي الله عنها يؤيد ما ذهب إليه الإمام أحمد، وفي حديثها دلالة واضحة على أن الصحابة والتابعين كانوا لا يرون في الاجتماع بأساً سواء اجتماع أهل الميت أو اجتماع غيرهم معهم.
وهذا هو المنقول عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه كما رواه الحافظان ابن أبي شيبة والصنعاني في مصنفيهما الأول في الجزء 3 ص 290، والثاني في الجزء 3 ص 554، أنه لَمَّا مَاتَ خَالِدُ بنُ الوَلِيدِ اجتَمَعَن نِسوَةُ بَنِي المُغِيرَةِ يَبكِينَ عَلَيهِ، فَقِيلَ لِعُمَرَ أَرسِل إلَيهِنَّ فَانهَهُنَّ (من النهي)، لاَ يَبلُغُك عَنهُنَّ شَيءٌ تَكرَهُهُ، فَقَالَ عُمَرُ (وَمَا عَلَيهِنَّ (أي لا بأس) أَن يُهرِقنَ مِن دُمُوعِهِنَّ عَلَى أَبِي سُلَيمَانَ (كنية سيدنا خالد) مَا لَم يَكُن نَقعٌ أَو لَقلَقَةٌ)، أي ما لم يرفعن أصواتهن أو يضعن التراب على رؤوسهن، يريد النهي عن الندب والنياحة وسائر عادات الجاهلية.
وهذا هو قول البخاري رحمه الله في صحيحه من جواز الاجتماع للتعزية بالميت قال وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ (دَعهُنَّ يَبكِينَ عَلَى أَبِي سُلَيمَانَ مَا لَم يَكُن نَقعٌ أَو لَقلَقَةٌ)، قال البخاري وَالنَّقْعُ التُّرَابُ عَلَى الرَّأْسِ وَاللَّقْلَقَةُ الصَّوْتُ.
وأما ما رواه ابن ماجه من حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه أنه قال (كنا نعدّ الاجتماع إلى أهل الميت وصنيعة الطعام بعد دفنه من النياحة) فهذا الحديث لا تعلق له بالتعزية، هذا الحديث فيه نهي عن صنع الطعام من أهل الميت لإطعام الزائرين على وجه مخصوص.
أما أصل التعزية فليس مورد هذا الحديث وهو محمول عما إذا هيأوه للنائحات والنادبات أو للفخر كعادة الجاهلية الذين لا يؤمنون بالآخرة إنما مرادهم الفخر، أما أهل الميت إن قدّموا للزائر شيئًا فلا يتناوله الحديث كما قدمنا في حديث عائشة، لأن إكرام الضيف مطلوب شرعًا.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
وفي معجم الطبراني الكبير ما يؤيد ذلك أن جَرِيراً قال يُعَدِّدُونَ الْمَيِّتَ، أَو قَالَ أَهْلَ الْمَيِّتِ بَعْدَ مَا يُدْفَنُ؟ (شَكَّ الراوي) قال قُلْتُ نَعَمْ، قَالَ كُنَّا نَعُدُّهَا النِّيَاحَةَ.
وفي صحيح البخاري مما يؤيد ما تقدم ذكره من كلام الفقهاء أهل العلم قوله (البخاري) رحمه الله، باب من جلس عند المصيبة يُعرف فيه الحزن، قال ابن حجر في شرح حديث عاشة في الباب وفي هذا الحديث من الفوائد أيضاً، جواز الجلوس للعزاء بسكينة ووقار. اهـ
فتبيّن بعد الذي تقدّم أن التحريم الذي يقول به بعض المبتدعة هو في غير محله وهو مناقض لما كان عليه السلف رضي الله عنهم في ذلك، والحمد لله ربّ العالمين.