فتحت مشيخة الأزهر ملف فهم العقائد الإسلامية، في مواجهة صريحة مع الفهم الوهابي للعقيدة، ومحاولة لاستعادة الهيمنة على الواقع الديني، والذي انتشر بين الجمهور خلال السنوات الأخيرة على يد مشايخ الوهابية تحت عناوين براقة مختلفة مثل العقيدة السلفية والعقيدة الصحيحة وعقيدة الفرقة الناجية وغيرها من المصطلحات التي سيطرت على الساحة الدينية.
وأعلنت المشيخة، عن إطلاق مركز أبو الحسن الأشعري مؤسس المدرسة الأشعرية التي ينتمي اليها الأزهر، والتي تتميز بأنها عقيدة العقل والمنطق وإعمال الفكر وليس النقل دونما فهم كما العقيدة السلفية، والتي تسببت في انتشار التطرف.
كما أطلق الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر مؤخرًا كتابًا جديدًا بعنوان “نظرات في فكر الإمام الأشعري”، والذي لاقى إقبالًا كبيرًا من جماهير القراء العربية في معرض الشارقة للكتاب بحسب بيان للأزهر.
كما بدأت المشيخة تنظيم سلسلة من اللقاءات والندوات لطلاب الأزهر لتثبيت عقيدتهم في اذهانهم وابعادهم عن الأفهام الأخرى الشاذة للعقائد.
وفي رده على سؤال: “من هم الأشاعرة؟ ولماذا الأزهر الشريف أشعري؟” قال مركز الأزهر العالمي للفتوى الالكترونية، إن الأشاعرة هم غالب أهل السنة والجماعة فهم يمثلون أكثر من 90% من المسلمين، وعلى مذهب الأشاعرة كان كبار علماء أهل السنة، ومنهم الإمام الأشعري، والإمام الجويني، والإمام الباقلاني، والإمام ابن حجر، والإمام الرازي، والإمام الغزالي، والإمام ابن عساكر، والإمام العز بن عبدالسلام، والإمام النووي، والإمام البيضاوي، والقاضي عياض وغيرهم الكثير.
وتابع أنه “لهذا فمذهب الأزهر الشريف وعلمائه هو المذهب الأشعري، كما أنه مذهب جمع بين الأخذ بالعقل والنقل في فهم وإثبات العقائد، وهو مذهب قائم على تنزيه الله تعالى عن كل ما لا يليق بجلاله سبحانه وتعالى”.
وأكد المركز، أن رمي الأشاعرة بأنهم خارجون عن دائرة أهل السنة والجماعة غلط عظيم وباطل جسيم؛ لما فيه من الطعن في العقائد الإسلامية المرضية والتضليل لجمهرة علماء الأمة عبر العصور، وهم الذين حفظ الله تعالى بهم هذا الدين.
وشدد على أن مثل هذا الكلام لا يُعَوَّل عليه ولا يُلتَفت إليه؛ فلا يزال السادة الأشاعرة هم جمهور العلماء من الأمة، وهم الذين صَدُّوا الشبهات أمام المَلَاحِدَةِ وغيرهم، وهم الذين التزموا بكتاب الله وسنة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عبر التاريخ، ومَنْ كفَّرهم أو فسَّقهم أو شكَّك في عقيدتهم فإنه يُخْشَى عليه في دينه.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
وأكد الدكتور يسري جعفر، أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر بالقاهرة، ونائب رئيس مركز الفكر الأشعري، في محاضرة له مؤخرا للطلبة الوافدين أن هناك أسباب متعددة لاختيار الأزهر المذهب الأشعري، أهمها اتساع المذهب ليشمل الجميع دون تكفير أو إقصاء لأحد حتى المخالفين، وهو ما جعل الأزهر الشريف يختار المذهب الأشعري والطريقة الماتردية اللذان يشكلان مذهب أهل السنة والجماعة.
وعدد “جعفر”، الأسباب التي دفعت الأزهر لاختيار المذهب الأشعري والماتريدي، لمناهجه المختلفة، بالمعاهد الأزهرية، ولكليات العقيدة وأصول الدين.
وقال “جعفر”، إن السبب لاختيار المنهج الأشعري؛ أن أبو الحسن الاشعري تربى في كنف المعتزلة لمدة 30 عامًا، وبعدها ترك المعتزلة وانضم لأهل السنة والجماعة، ليضع قواعد جديدة تحمي مذهبه، مشيرًا إلى أن الله صنع هذا المذهب على عينه لخدمة لهذه الأمة.
وأشار “جعفر” إلى أن من الأسباب الرئيسية أيضًا أن هذا المذهب تتسع دائرته، فالشافعية والحنفية وفضائل الحنابلة، على مذهب الاشاعرة والماتردية وفقهاء الأمة وعلمائها.
وعن السبب الثالث، قال “جعفر”، إن هذا المذهب استمر على مر العصور مع مراعاة الظروف والمتغيرات، لافتًا إلى أن السبب الرابع يعود إلى أن العقيدة الأشعرية، تبدو بسيطة للعوام، وتوافق الفطرة السليمة، فهي تتحدث بلغة بسيطة يفهمها الجميع.
ولفت “جعفر”، إلى أن السبب الخامس، هو أن المذهب الأشعري يجمع بين النقل والعقل، فلا يطغى أحدهما على الآخر، وهو النهج العام لأهل السنة والجماعة، وأكد جعفر أن المركز الأشعري يقوم على محورين؛ الأول علمي يعتمد على الدراسات، والثاني للتعريف بالمذهب للوعاظ وللمتخصصين، ويضم بين أجنحته؛ قسم للتواصل، وقسم للدعوة، وقسم لمتابعة المناهج، وقسم متخصص في الأبحاث، يسعى لانشاء مكتبة بديلة عن المكتبة الوقفية التي حذفت كتب المُتكلمين، مقابل كتب معينة، و هو ما يعتبر خيانة للعلم والعلماء.
وقال عبدالغني هندي، عضو مجمع البحوث الإسلامية، إن جهود الأزهر في نشر الفهم الأشعري للعقيدة أمر جيد ومواجهة حقيقية للتطرف الذي خلقته الأفهام الأخرى، مضيفًا لـ”الوطن”، أن الفهم الأشعري للعقيدة نجت به الأمة قديما من ويلات الخوارج والتكفريين والملاحدة واصحاب الشبهات ونحن في أمس الحاجة إليه لننجو مما نعانيه من ويلات دينية.
وأوضح “هندي”، أن الفكر الشعري يقوم على إعمال العقل في فهم العقيدة والشريعة، لافتًا إلى أن هناك نصوص دينية مثل قوله تعالى: (وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ)، (بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَان)، و(وَجَاءَ رَبُّك)، (الرحمن على العرش استوى)، يقف أمامها المتشددون ولا يفسرونها في موقف غريب، يشعر فيه المؤمن أنه أمام نصوص دينية لغير مسموح تفسيرها وأن الدين به ما لا يمكن تفسيره ولابد فيه من الاتباع الأعمى في مثل هذه المواقف أي بدون إخراج النص عن ظاهره لكي لا يتوهّم أحدهم أن نصوص القرءان متضاربة.
وتابع أن هذا مدخل المتطرفين، حيث يطالبون الشباب بالسمع والطاعة العميانية دونما مناقشة استنادا لذلك الفهم السقيم، أما الأشاعرة فلا يقف أمامهم شيء لأنهم يُعملون العقل في تفسير كل شيء ويلجؤون لتأويل هذه الآيات، وامتد تقديم الأشاعرة للعقل في تفسير كل شيء الى الفقه والأخلاق، فالمنهج الأشعري والذي انبثق منه الأزهر هو مذهب العقل، وليس فيه أي شيء مبهم ولا يعترف بمبدأ السمع الأعمى والطاعة لأحد من البشر مهما كان، وإنما السمع والطاعة يكونون لله ورسوله ثم عقل المؤمن وضميره الذي سيحاسب عليهم بين يدي ربه.