شرح صِفَة الْبَصَر للهِ تعالى
يَجِبُ لِلَّهِ تَعَالَى عَقْلًا الْبَصَرُ أَيِ الرُّؤْيَةُ، فَهُوَ يَرَى بِرُؤْيَةٍ أَزَلِيَّةٍ أَبَدِيَّةٍ الْمَرْئِيَّاتِ جَمِيعَهَا وَيَرَى ذَاتَهُ بِغَيْرِ حَدَقَةٍ وَجَارِحَةٍ لِأَنَّ الْحَوَاسَّ مِنْ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ. وَالدَّلِيلُ عَلَى ثُبُوتِ الْبَصَرِ لَهُ عَقْلًا أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ بَصِيرًا رَائِيًا لَكَانَ أَعْمَى، وَالْعَمَى أَيْ عَدَمُ الرُّؤْيَةِ نَقْصٌ عَلَى اللَّهِ، وَالنَّقْصُ عَلَيْهِ مُسْتَحِيلٌ.
وَدَلِيلُ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ السَّمْعِيُّ الآيَاتُ وَالأَحَادِيثُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [سُورَةَ الشُّورَى 11]، وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَعْدَادِ أَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى (السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) وَهُوَ فِي حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ.
والْبَصَرُ صِفَةٌ أَزَلِيَّةٌ أَبَدِيَّةٌ مُتَعَلِّقٌ بِالْمُبْصَرَاتِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَصَرُهُ لَيْسَ مُخْتَصًّا بِالْجَوَاهِرِ وَمَا يَقُومُ بِالْجَوَاهِرِ مِنَ الْمَرْئِيَّاتِ بَلِ اللَّهُ يَرَى كُلَّ مَوْجُودٍ بِلا اسْتِثْنَاءٍ، وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الْمُعْتَمَدُ، وَكِلا الرَّأْيَيْنِ لَيْسَ فِيهِ ضَرَرٌ، فَهُوَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَرَى نَفْسَهُ الأَزَلِيَّ وَيَرَى الْحَادِثَاتِ بِرُؤْيَتِهِ الأَزَلِيَّةِ.
تَنْبِيهٌ:
لا يُقَالُ إِنَّهُ تَعَالَى رَأَى الْعَالَمَ فِي الأَزَلِ، لِأَنَّا لَوْ قُلْنَا إِنَّهُ رَأَى الْعَالَمَ فِي الأَزَلِ لَاقْتَضَى وُجُودَ الْعَالَمِ فِي الأَزَلِ وَهُوَ مُحَالٌ، وَبَعْدَ وُجُودِ الْعَالَمِ نَقُولُ بِأَنَّهُ رَأَى الْعَالَمَ بِرُؤْيَتِهِ الأَزَلِيَّةِ مَعَ حُدُوثِ الْعَالَمِ، وَهَذَا التَّغَيُّرُ وَقَعَ فِي الْمُضَافِ إِلَيْهِ لا فِي الْمُضَافِ.
فَإِنْ قِيلَ إِذَا جَازَ أَنْ يَكُونَ الْعَالَمُ مَعْلُومًا لِلَّهِ تَعَالَى فِي الأَزَلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا فَلِمَ لا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَرْئِيًّا لَهُ فِي الأَزَلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا، فَالْجَوَابُ أَنَّ قِيَاسَ الرُّؤْيَةِ عَلَى الْعِلْمِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ لِأَنَّ الْعِلْمَ يَتَعَلَّقُ بِالْمَعْدُومِ وَالْمَوْجُودِ أَمَّا الرُّؤْيَةُ فَلا تَتَعَلَّقُ إِلَّا بِالْمَوْجُودِ وَكَمَا أَنَّ الْمَعْدُومَ لَيْسَ بِمَرْئِيٍّ فَكَذَلِكَ لَيْسَ بِشَىْءٍ.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website