قال الشيخ عبد السلام المسراطي القيرواني (توفّي 646 هـ) رحمه الله في كتابه الزهر الأسنى في شرح الأسماء الحسنى (1) ما نصه (وأما قوله سبحانه (الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ) الحج الآية 62 فهما اسمان من أسمائه تعالى ورد بهما النص، قال الله (فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ) غافر الآية 12 وليس علوّه علو جهة ولا اختصاص ببقعة، ولا هو كبير بعظم جثة ولا بنية، بل إنه لم يزل عليا ومن الآفات والنقائص بريا). انتهى
هو الإمام الفقيه عبد السلام بن غالب، أبو محمد المسراطي القيرواني المالكي المعروف بابن غلاب، ولد بمسراطة في ليبيا سنة 576 هـ وتوفي بالقيروان، من مؤلفاته الوجيز في الفقه والزهر الأسنى في شرح الأسماء الحسنى.
(1) مخطوط بالمكتبة الوطنية بتونس تحت رقم 1246.
ولزيادة الفائدة نقول:
قال الإمامُ المُفَسِّرُ فخر الدين الرازِيُّ (ت 604هـ) في تفسيره ما نَصُّه:
قوله تعالى ﴿وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ﴾] [الأَنْعام 61]:
اعْلَمْ أَنَّ هَذَا نَوْعٌ ءاخَرُ مِنَ الدَّلَائِلِ الدَّالَّةِ عَلَى كَمَالِ قُدْرَةِ اللَّه تَعَالَى وَكَمَالِ حِكْمَتِهِ، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّا بَيَّنَّا فِيمَا سَبَقَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنَ هَذِهِ الْآيَةِ الْفَوْقِيَّةَ بِالْمَكَانِ وَالْجِهَةِ بَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهَا الْفَوْقِيَّةَ بِالْقَهْرِ وَالْقُدْرَةِ، كَمَا يُقَالُ أَمْرُ فُلَانٍ فَوْقَ أَمْرِ فُلَانٍ بِمَعْنَى أَنَّهُ أَعْلَى وَأَنْفَذُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾ [الْفَتْحِ 10] وَمِمَّا يُؤَكِّدُ أَنَّ الْمُرَادَ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ ﴿وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ﴾ مُشْعِرٌ بِأَنَّ هَذَا الْقَهْرَ إِنَّمَا حَصَلَ بِسَبَبِ هَذِهِ الْفَوْقِيَّةِ، وَالْفَوْقِيَّةُ الْمُفِيدَةُ لِصِفَةِ الْقَهْرِ هِيَ الْفَوْقِيَّةُ بِالْقُدْرَةِ لَا الْفَوْقِيَّةُ بِالْجِهَةِ، إِذِ الْمَعْلُومُ أَنَّ الْمُرْتَفِعَ فِي الْمَكَانِ قَدْ يَكُونُ مَقْهُورًا. انتهى
قال ابن عَطِيَّة الأندلسيّ (ت 542هـ) في تفسيره عن معنى ءاية ﴿يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ﴾ [النَّحْل 50] ما نَصُّه:
وقوله ﴿مِنْ فَوْقِهِمْ﴾ يَحْتَمِلُ مَعْنَيين:
أحدهما الفوقية التي يوصف بها الله تعالى فهي فوقية القدر والعظمة والقهر والسلطان.
والآخر أنْ يَتَعَلَّق قوله ﴿مِنْ فَوْقِهِمْ﴾ بقوله ﴿يَخافُونَ﴾، أي يَخافون عذابَ رَبِّهِم مِن فَوْقِهم وذلك أنَّ عادةَ عَذابِ الأُمَمِ إِنّما أَتَى مِن جِهَة فَوْقٍ. انتهى
قال ابن عادل الحنبلي (ت 775هـ) في تفسيره ما نَصُّه:
استَدَلَّ المشبهة بقوله تعالى ﴿يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ﴾ على أنه تعالى فوقهم بالذات.
والجواب أن معناه يخافون ربَّهم مِن أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيهم العَذابَ مِن فَوْقِهم، وإذا احتَمَل اللَفْظُ هذا المعنى سَقَطَ اسْتِدْلالُهم، وأيضًا يجب حمل هذه الفوقية على الفوقية بالقدرة، والقهر والغلبة؛ لقوله تعالى ﴿وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ﴾ [الأعراف 127]. انتهى
قالَ أهلُ الحقّ:
ليس الشأنُ في عُلوّ الجهةِ بل الشأنُ في علوّ القدرِ، والفوقية في لغةِ العربِ تأتي على معنيينِ فوقية المكانِ والجهةِ وفوقية القدرِ قال الله تعالى إخبارًا عن فرعون (وإنا فوقهم قاهرون) أي نحنُ فوقَهُم بالقوةِ والسيطرةِ لأنه لا يصحُّ أن يقالَ إن فرعونَ أرادَ بهذا أنه فوقَ رقابِ بني إسرائيلَ إلى جهةِ العلوّ إنما أرادَ أنهُم مقهورونَ لَهُ مغلوبونَ.
فقول الله تعالى اخباراً عن فرعون الكافر (أنا ربكم الأعلى) معناه علو القدر، وكذا قوله (وإنا فوقهم قاهرون) أي فوقية القوة والسيطرة وليس فوقية المكان، فلهذا نص العلماء أن الفوقية والعلو أذا أطلق على الله فالمراد منه علو قدر وفوقية قهر سبحانه وتعالى وليس علو مكان وجهة لأن الله كان قبل الخلق والمكان والجهات بلا مكان كما أجمع كل علماء أهل السنة على ذلك ونص على ذلك ابن حجر العسقلاني في شرحه على صحيح البخاري.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
وسبحان الله والحمد لله رب العالمين.