الأنبياء يتصفون بالأمانة فينتفي عنهم التلبس بالكفر قبل النبوة وبعدها، الأنبياء لهم العصمة من الكفر والكبائر وحتى الصغائر التي فيها خِسة، الله تبارك وتعالى حفظهم من صغرهم، لا يكونوا في حال الكفر بالمرة، لا قبل نزول الوحي ولا بعد نزول الوحي، فإذا قال لك قائل كيف يكون النبي مؤمناً قبل نزول الوحي؟ فالجواب أن الله تبارك وتعالى يلهمه الإيمان إلهاماً في قلبه من غير أن ينزل عليه الوحي، فيكون عند النبي من أول نشأته فهمه الإيمان والتصديق أن الله تبارك وتعالى موجودٌ لا يشبه الموجودات، وهو خالق كل شيء، وأما ما ورد في أمر إبراهيم في القرءان الكريم أنه قال {قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ} [الانبياء:63] لما سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام حطّم الأصنام وسألوه من حطّم الأصنام قال هذه المقالة.
فليس معنى ذلك أن إبراهيم عليه السلام وقع في الكذب، لا إنما هذا في الحقيقة صدق بحسب الظاهر للناس الذين لا يعرفون مراد إبراهيم عليه السلام، قد يظنون أنه وقع في الكذب! فالكذب مستحيل على الأنبياء، ومعنى كلامه هذا أن قومه عظَّموا الصنم الكبير وصاروا يُحسِّنون صورته ويجملونه ، ويزينونه،الأمر الذي دفع سيدنا إبراهيم لتحطيمَ الأصنام الصغار والكبار فأسند الفعل إلى الكبير من باب الإسناد المجازي، تمثيل لذلك في بعض الأحيان يحصل في البيت أن يكسر أحد الأشخاص شيئا في البيت بسبب خلاف حدث بينه وبين أخيه فيأتي الوالد مثلا يقول من كسر هذا؟!
فيقول الذي كسره أخي (على أي معنى هنا؟!)
على معنى (بسبب أخي حصل انكسار هذا الشيء.)
العوام تستخدم مثل هذا اللفظ بهذا المعنى، يقول له أخي كسره، ليس معناه أن أخي هو الذي أمسك به وحطَّمه بل معناه بسبب أعمال أخي اغتظتُ وتوصلتُ لفعل كذا وكذا .. فيكون في قول إبراهيم {قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ} [الانبياء:63] إسناد الفعل إلى الكبير من باب الإسناد المجازي، وهو في الحقيقة صدقٌ، وليس بكذب، وخالف في هذا كثير من الناس الذين لا يعرفون معاني القرءان، ويفسرون القرءان على هواهم فيضلون والعياذ بالله تعالى، لا يجوز للإنسان أن يفسر القرءان على ما يرى هو بهواه، حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال [من قال في القرءان برأيه ألجمه الله بلجامٍ من نار يوم القيامة].
أما قول إبراهيم عن الكوكب حين رءاه {هَذَا رَبِّي} [الأنعام: من الآية76] هذا ليس على معنى إثبات الربوبية للكوكب إنما إبراهيم عليه السلام أراد أن يُفهِم قومه أن هذا الكوكب الذي يعبدونه، لا يصلح أن يكون إلهاً، حين ظهر الكوكب قال لهم {هَذَا رَبِّي} يعني على معنى هذا الذي تزعمون أنه ربي!!، ثم لما أَفلَ –أي غاب- قال لا أحب الآفلين، لأن هذا الذي غادر وغاب شيء مخلوق، لا يصلح أن يكون إلهاً، فكيف تعبدونه؟! ثم لما ظهرَ القمر قال كذلك ليبين لهم أن القمر لا يصلح أن يكون إلهاً، ولما ظهرت الشمس أيضا، قال لهم مثل هذا الكلام ليبين لهم أن الشمس لا تصلح للألوهية، فلا يجوز أن يُعتقد أن إبراهيم عليه السلام عَبَدَ الكوكب، أو عبد القمر، أو عبد الشمس والعياذ بالله تعالى من مثل هذا الاعتقاد، وقد خالف في هذا سيد قطب في كتابه الذي يُسمى “التصوير الفني في القرءان” فقال إن إبراهيم لما رأى الكوكب ظنه إلهاً له، ولما رأى القمر كذلك ظنه إلهاً له، ولما رأى الشمس، قال سيد قطب [ظنها ولا شك إلهاً له] والعياذ بالله، وهذا الكلام مخالفٌ لقول الله تبارك وتعالى في حق إبراهيم {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ} [الانبياء:51] يعني أن إبراهيم كان مهتديا من صغره يكون على الهدى، لا يعبد سوى الله تبارك وتعالى، إنما هذا الكلام الذي حصل من إبراهيم أراد أن يُفهِم قومه أن الكوكب والقمر والشمس كل ذلك لا يصلح للألوهية، ولا يجوز أن نعبدهم من دون الله.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website