لا شكَّ في أن خلافات روسيا وأوكرانيا الأخيرة أعادت إلى أذهاننا أزمة قديمة جديدة، وهي أزمة “تتار القرم” الذي يرفض سكانه المسلمون الانضمام لروسيا.
من هم سكان تتار القرم المُسلمون، كيف وصلوا إلى ذلك الإقليم، ولماذا قام جوزيف ستالين بتهجيرهم قسراً
من أرضهم؟
من هُم مسلمو تتار القرم؟
تتار القرم هُم مجموعة عرقيّة، تُقيم بإقليم شبه جزيرة القرم الذي سيطرت عليه روسيا من أوكرانيا في عام 2014، ويتحدثون لغتهم المحليّة الخاصة القريبة من اللغة التركية.
يعود أصل تتار القرم إلى قبائل تركيّة قديمة سكنت الساحل الشمالي للبحر الأسود، ويقال إن أجدادهم ينحدرون من جبال القوقاز.
ووفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء التركية TRT، فإن تتار القرم استقروا في شبه جزيرتهم خلال العصر العباسي، فأسسوا جمهورية “تتار القرم” المُسلمة التي أصبحت دولة قوية في القرن الرابع عشر واستطاعت أن تمد نفوذها إلى المناطق المجاورة، حتى إنها فرضت ذات يوم، الجزية على موسكو.
من جهته قال الأستاذ أحمد عبد الوهاب الشرقاوي المُتخصص في التاريخ العثماني: “قام جنكيز خان بتوحيد قبائل التتار، واجتاح بهم طريق الحرير، ودمر دولاً وحضارات؛ وأقام على أنقاضها واحدة من أكبر الإمبراطوريات اتساعاً عرفها التاريخ، ليؤسس في النهاية الدولة المغولية التركية التي عُرفت باسم القبيلة الذهبية، والتي يَعتبر تتار القرم أنفسهم مكونَها الأساسي”.
وأضاف الشرقاوي وفقاً لموقع “إضاءات”: “إن الإسلام دخل إلى القبيلة الذهبية في عهد بركة خان وأصبح الدينَ الرئيسيَّ للدولة في عهد أوزبك خان 1313–1341”.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
وهي الفترة ذاتها التي بدأ فيها الروس يدفعون الجزية لأمراء القرم المُسلمين مقابل عدم اعتدائهم على قوافلهم التجارية.
لاحقاً ضُمَّت القرم إلى الخلافة العثمانية في العام 1441 تحت مسمى “خانية القرم”، ويقصد بـ”الخانية” أو “الخانات” الكيان الذي يحكمه “خان” أو “خاقان”، وهو يكافئ من حيث المفهوم الإمارة أو الإمبراطورية.
فكانت خانية تتارية القرم، الموجودة من 1441 إلى 1783، أطول الخانات التركية عمراً، إلى أن تمكّن الروس من غزو شبه جزيرة القرم إبان حكم كاثرين العظيمة في عام 1783 وضمّها إليهم بعد انتهاكهم معاهدة (كوجوك كايناركا 1774) التي تضمنت عدم تدخل كل من الإمبراطورية الروسية والدولة العثمانية في شؤون خانية القرم.
عمليات الترحيل القسري في عهد ستالين!
مُنحت شبه جزيرة القرم حكماً ذاتياً باعتبارها جمهورية من جمهوريات الاتحاد السوفييتي عقب ثورة أكتوبر/تشرين الأول البلشفية عام 1917، واحتلها النازيون في أوائل عام 1940 قبل أن يُطردوا منها.
ولكن عندما وصل الزعيم السوفييتي السابق جوزيف ستالين إلى الحكم، قام بين ليلة وضحاها وتحديداً بين 2 و18 مايو/أيار 1944، بترحيل الشعب التتري بالكامل باتجاه سيبيريا ووسط آسيا.
ووفقاً لما ذكرته مجلة National Geographic، فقد تم إخطار سكان التتار المسلمين بضرورة إخلاء منازلهم ومنحهم مدة 30 دقيقة فقط للبدء بالخروج.
مات ما يقرب من نصف المنفيِّين من الرجال والنساء والأطفال الذين تم تحميلهم على عربات الماشية والبالغ عددهم 200 ألف، في الطريق أو بعد وقت قصير من وصولهم إلى جبال الأورال وسيبيريا وآسيا الوسطى، وأودى الترحيل بحياة من ثلث إلى نصف سكان تتار القرم في ذلك الوقت.
أما نفيهم من منازلهم فكان عقاباً لهم على تعاونهم المزعوم مع ألمانيا النازية التي احتلت شبه جزيرة القرم في الحرب العالمية الثانية.
رفعت تشوباروف، رئيس مجلس شعب تتار القرم، أكد لـNational Geographic، أن والدته كانت تبلغ من العمر 11 عاماً ووالده 13 عاماً، عندما تم ترحيلهما من قريتهما آي سيريز باتجاه أوزبكستان في عام 1944.
وقال: “بعدها كبرا وتزوَّجا في أوزبكستان وأنجوبني، كانا يقولان لي إنه يتعيَّن علينا بذل كل ما في وسعنا للعودة إلى وطننا، وأن ندرس بجد وأن نعمل بجد، وأن نوفر المال في يوم من الأيام للعودة وشراء منزل بالقرم”.
وفي عام 1968، كانت عائلته واحدة من 300 عائلة فقط سُمح لهم بالعودة؛ حتى يتمكن السوفييت من إخبار العالم بأنهم سمحوا لهم بالعودة، ولكن الأمر كان لأغراض دعائية، وفقاً لرفعت تشوباروف.
ويُنظر اليوم إلى يوم ترحيل تتار القرم على أنه رمز لاضطهاد هذه الأقلية العرقية، حتى إن البرلمان الأوكراني أعلن في عام 2015، اعترافه بيوم 18 مايو/أيار على أنه “يوم إحياء ذكرى ضحايا إبادة تتار القرم الجماعية”.
إهداء القرم إلى أوكرانيا وعودة تتار القرم إلى أراضيهم!
ظلت القرم جزءاً من الاتحاد السوفييتي حتى عام 1954 عندما قام الزعيم السوفييتي نيكيتا خروتشوف بـ”إهدائها” إلى جمهورية أوكرانيا السوفييتية آنذاك؛ “من أجل تعزيز الوحدة بين الروس والأوكرانيين”.
ولكن لم يبدأ التتار بالعودة الى موطنهم الأصلي في القرم إلى حين انهيار الاتحاد السوفييتي في عام 1991 وزواله، وعندما عادوا كان عددهم يناهز ربع مليون فقط، فوجدوا أنفسهم أقلية في دولة مُستقلة جديدة هي أوكرانيا، حيث واجهوا نسبة بطالة عالية وظروف سكن رديئة.
كما فوجئ التتار أيضاً عند عودتهم بأن وطنهم قد أُعيد إسكانه بالكامل من قِبل الروس، مع ذلك التزموا بإعادة بناء وإحياء تراث التتار في القرم، وفقاً لما ذكرته مجلة Foreign Policy الأمريكية.
وعقب إعلان استقلال أوكرانيا، سعى سياسيون روس في القرم إلى توثيق علاقات شبه الجزيرة مع روسيا وإلى تثبيت سيادتها من خلال سلسلة من الخطوات وصفتها الحكومة الأوكرانية بأنها منافية للدستور الأوكراني، وفقاً لما ذكرته شبكة BBC البريطانية.
ونص الدستور الأوكراني الذي سُنَّ في عام 1996، على أن القرم لها وضع الجمهورية ذاتية الحكم، ولكنه نص أيضاً على أن القوانين التي تُسَن في القرم يجب أن تتماشى مع القوانين الأوكرانية.
احتلال روسيا للقرم في 2014
في 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2013، بدأت الاحتجاجات الشعبية التي سميت بـ”الميدان الأوروبي” ضد الرئيس الموالي لروسيا فيكتور يانوكوفيتش، بسبب تأجيله المستمر لاتفاقية الشراكة بين أوكرانيا والاتحاد الأوروبي.
اندلعت العديد من الاحتجاجات في مُعظم مناطق أوكرانيا، وانتهت بالإطاحة بالرئيس من منصبه في فبراير/شباط 2014.
وبعد الإطاحة بالرئيس بدأت مظاهرات موالية للروس بالاندلاع في بعض المناطق، وجاءت هذه المظاهرات بعد انتهاء حركة الميدان الأوروبي، بينما وصفت وسائل الإعلام الروسية تلك المظاهرات بأنها “الربيع الروسي”.
في الوقت ذاته، غزت القوات الروسية شبه جزيرة القرم، وضمت بشكل غير قانوني، شبه الجزيرة من أوكرانيا.
أول ما فعله الروس بعد احتلال شبه الجزيرة هو مضايقة التتار المسلمين الذين كانوا من ضمن المشاركين في احتجاجات عزل الرئيس الأوكراني الموالي لروسيا.
قاموا بإجراء استفتاء بشأن انضمام جمهورية الحكم الذاتي في القرم من أوكرانيا إلى روسيا الاتحادية وتحويلها إلى جمهورية القرم.
وبما أنّ أكثر من 50% من سكان القرم من أصل روسي كان ستالين قد وطّنهم بدلاً من التتار، جاء الاستفتاء لصالح الانضمام إلى روسيا، وهو مالم تعترف به أي دولة على مستوى رسمي حتى الآن.
ووفقاً لآخر إحصاء سكاني أجرته أوكرانيا وأجري في 2001، فإن 58% من سكان القرم روس، و24.4% أوكرانيون و12.1% تتريون قرميون.
جنود من “الجيش الخاص” لبوتين “رفضوا زجهم بالقتال” في أوكرانيا.. الغارديان: موسكو عاقبتهم
أظهرت وثائق المحكمة أنَّ أكثر من 100 من رجال الحرس الوطني الروسي طُرِدوا لرفضهم القتال في أوكرانيا، ما يُعطي إشارةً إلى وجود معارضة بين بعض أجزاء قوات الأمن بشأن هجوم موسكو على أوكرانيا.
صحيفة The Guardian البريطانية قالت إن الوثائق كشفت عن قضايا لـ115 من أفراد الحرس الوطني، وهي قوة تُعرف أيضاً باسم “روسغفارديا”، ويُشَار إليهم باسم “الجيش الخاص” لفلاديمير بوتين، رفعوا دعوى للطعن في إقالتهم السابقة، لكن المحكمة رفضت النظر فيها.
ووفقاً لقرار المحكمة، الذي نُشِر على موقعها على الإنترنت، رُفِضَت الدعوى بعدما قرر القاضي أنَّ طرد الجنود مشروع بسبب “رفضهم أداء مهمة رسمية” للقتال في أوكرانيا، وعادوا بدلاً
من ذلك إلى مركز العمل.
صفقات سرية لأمريكا مع شركات أقمار صناعية.. دفعت ملايين الدولارات ثمناً لصور ترصد تحركات عسكرية لروسيا
جنّدت إحدى أكبر وكالات الاستخبارات الأمريكية ثلاث شركات تجارية للأقمار الصناعية، للمساعدة في التجسس على الأنشطة العسكرية الروسية في أوكرانيا، وفقاً لما نشرته صحيفة The Times البريطانية.
الصحيفة البريطانية قالت إن مكتب الاستطلاع الوطني، الذي يمتلك ما لا يقل عن 50 من أقمار جمع المعلومات الاستخبارية الخاصة به، وقّع صفقة بمليارات الدولارات مع الشركات التي كانت تقود المجال في فضح الإجراءات الروسية في أوكرانيا، بما في ذلك نهب صادرات الحبوب الحيوية.
وأسهمت الصور الآتية من مكتب الاستطلاع الوطني والأقمار الصناعية التجارية بدور مهم في مساعدة الأوكرانيين في التخطيط لهجمات مضادة ضد قوات الروس ومدرعاتهم، والكشف للعالم عن الإجراءات التي اتخذتها القوات الروسية منذ 24 فبراير/شباط.
نهاية كييف واقتراب حروب الذكاء الاصطناعي.. متاهات الحرب الروسية على أوكرانيا
متى تضع الحرب الدائرة في وسط شرق أوروبا منذ 24 فبراير/شباط 2022 أوزارها؟ سؤال يطرحه الكثيرون في مختلف أنحاء العالم لأسباب عديدة، لعل أهمها للأغلبية هو أن هذا النزاع الدائر بين الغرب بقيادة الولايات المتحدة من جهة وروسيا وأنصارها من جهة أخرى على أرض أوكرانيا يؤثر بشكل غير مسبوق اقتصادياً وسياسياً وأمنياً على جل سكان المعمورة، ويؤسس لنظام عالمي جديد يختلف عن ذلك الذي قام بعد انهيار الاتحاد السوفييتي بداية تسعينيات القرن الماضي حين أصبحت الولايات المتحدة القوة المهيمنة.
إجابات متباينة تحاول أن تقدم رداً على هذا التساؤل، هناك من يتوقع أن تستمر هذه المواجهة لأشهر طويلة إن لم تكن لسنوات على أساس أن الغرب -واشنطن ولندن على وجه الخصوص- يريدها عملية استنزاف لروسيا كالتي واجهها الكرملين في ظل حكم السوفييت في حرب أفغانستان ما بين 24 ديسمبر/كانون الأول 1979 – 15 فبراير/شباط 1989 وكانت أحد عوامل تفككه.
ويذهب عدد من أنصار هذا السيناريو إلى القول إنه بفضل سخاء واشنطن والدول الأعضاء بحلف الناتو مادياً وعسكرياً ستنتصر كييف عسكرياً على روسيا، وسيسقط النظام في موسكو وتتفكك روسيا الاتحادية إلى دويلات صغيرة ويسود النظام الأمريكي عالمياً لعقود أو ربما حتى لقرون قادمة. ويرفض أو يهمش هؤلاء الحديث عن أي دور أو تأثير للصين في هذه المواجهة.
آخرون يشيرون إلى أن سيناريو هزيمة موسكو وهم يعيشه الغرب؛ حيث إنه سقط عن قصد أو ربما بدونه في فخ إنكاره للواقع وتصديق حملته الدعائية عن تعثر العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا. ويضيف هؤلاء أن التكتيكات التي اتبعتها القيادة الروسية منذ اليوم الأول الذي شرع فيه في الهجوم الكبير ساهمت في تضليل واشنطن ولندن وبعض أعضاء الناتو بشأن أهداف الكرملين الأساسية.
لمحاولة الفهم بين هذين التحليلين هناك معطيات يمكن أن نرسم على أساسها عملية استكشاف للمستقبل.
استخدمت روسيا ما بين 150 و180 ألف عسكري في العملية الخاصة في أوكرانيا، أقل من نصف هؤلاء مجموعات قتالية، أما البقية -وكما في شأن كل الحروب وغالبية الجيوش- وحدات نقل ودعم وتموين وتطبيب، ووفرت للقوة 75 طائرة مقاتلة فقط حسب تقديرات البنتاغون الأمريكي.
يوم 24 فبراير، اندفعت القوات الروسية بسرعة مشابهة لما يسمى تكتيك “الحرب الصاعقة”، وتقدمت لمسافات كبيرة وراء الحدود، حتى أن الأجهزة الأمريكية توقعت، وفي تصريحات علنية، أن تسقط العاصمة الأوكرانية كييف خلال أسبوع، أي بداية شهر مارس/آذار، هذا لم يحدث، وتباطأ التقدم الروسي بل توقف على بعض الجبهات. علَّل البنتاغون في البداية ذلك بتدني الروح المعنوية للقوات الروسية وسوء القيادة وفوضى خطوط الدعم والمواصلات وفساد الأسلحة، لاحقاً فسر الأمر غربياً بأنه ناتج عن شراسة واستبسال المقاومة الأوكرانية.
بعد توقف التقدم الروسي نحو كييف، وسحب القوات لمسافات بعيدة عنها، نقلت موسكو ثقلها العسكري نحو الجنوب على جبهتي جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك اللتين تشكلتا سنة 2014 بعد حرب أهلية مع كييف، ولكن لم تسيطر قواتهما سوى على ثلث مساحة منطقتهما.
طوال 90 يوماً التي تتممها المواجهة يوم الثلاثاء 25 مايو/أيار، لم تتخلَّ القوات الروسية عن أسلوب القضم التدريجي لأراضي الخصم، والعمل على استنزاف القوات الأوكرانية والمتحالفين معها، دون المخاطرة بدخول مواجهات مكلفة بشرياً ومادياً.
في واشنطن، ذكرت قيادات البنتاغون أن موسكو تطبق نفس الأساليب التي اتبعتها مع الجيش السوري في الحرب شبه الدولية الدائرة على أرض بلاد الشام منذ منتصف مارس/آذار 2011 والتي مكنت الأسد من استعادة 70% من أراضي البلد.
على الأرض وحسب تقديرات عسكرية ألمانية، تم تدمير أكثر من 72 % من البنى التحتية العسكرية الأوكرانية، ولم يعد هناك تقريباً وجود لقوة جوية في يد كييف، وخسرت القوات البرية 64 % من مدرعاتها ووسائل نقلها وغدت تعاني من نقص شديد في الوقود والقوى البشرية.
في الجنوب، وعلى ضفاف البحر الأسود تستكمل القوات الروسية السيطرة على أراضي جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك، وتكاد تكمل الطريق نحو ميناء أوديسا، آخر منافذ أوكرانيا على البحر. على الخارطة التي وضعتها وزارة الحربية البريطانية، الأكثر تحمساً في مساندة كييف، تسيطر روسيا على شريط عريض من الأراضي من الشمال حتى الجنوب والغرب.
في الغرب، يعترف السياسيون بخجل بأن حربهم الاقتصادية على روسيا لم تثمر على الأقل حتى الآن، ولم ينجحوا في وقف شراء الغاز أو النفط الروسي، أو إيجاد بدائل له، يضاف إلى ذلك حاجتهم إلى المعادن الاستراتيجية الروسية من اليورانيوم والتنغستين والبلاديوم وغيرها.
النظام المالي العالمي، وبسبب الحرب وعقوباتها، يتأرجح على حافة الهاوية، والتضخم ينخر الاقتصاديات القوية أكثر من الضعيفة، وأسواق الأسهم تخسر آلاف ملايير الدولارت في أيام قليلة، والأمن الغذائي العالمي مهدد.
تركتها في البداية والآن تدمرها! لماذا تقصف روسيا شبكة السكك الحديدية في أوكرانيا بعد شهرين من الحرب؟
رغم مرور أكثر من 70 يوماً على بدء الحرب الروسية على أوكرانيا، فإن موسكو تجنبت قصف السكك الحديدية الأوكرانية واعتبارها طرفاً في الحرب، إلا أنه خلال الأيام الماضية شن الجيش الروسي عدداً من الهجمات على شبكة السكك الحديدية؛ مما أثار التساؤل عن الهدف من اللجوء إلى هذه الخطوة الآن.
وشنّ الجيش الروسي سلسلة من الهجمات على شبكة السكك الحديدية الأوكرانية، التي كانت تلعب دوراً حيوياً في نقل الأسلحة الغربية إلى القوات الأوكرانية، وإجلاء اللاجئين، وتصدير الطعام.
إذ قال مسؤولٌ روسي إن الغرض كان تعطيلَ شحنات الأسلحة الغربية. بينما يقول الخبراء إن السكك الحديدية لم تكن على قائمة الأهداف في بداية الهجوم، لأن المخططين الروس أرادوا استخدامها لنقل جنودهم وأسلحتهم عبر الأراضي التي جرت السيطرة عليها. ويبدو أن الهجمات الأخيرة كانت تسعى لإلحاق الضرر بتلك الشبكة وليس تدميرها، بحسب تقرير لصحيفة Washington Post الأمريكية.
لماذا تعتبر السكك الحديدية مهمةً في أوكرانيا؟
تتمتع أوكرانيا بشبكة سكك حديدية ضخمة تبيّن أنها لا تقدر بثمن من وجهة النظر العسكرية، خاصةً في ما يتعلق بتوريد شحنات الأسلحة الغربية الضرورية. كما ساعدت أيضاً في النزوح الجماعي للاجئين بعيداً عن مرمى القصف الجوي والتقدم البري الروسي.
ولا شك في أنَّ تدفق الأسلحة الغربية إلى أوكرانيا قد ساعد قواتها على تخفيف وطأة الهجوم الروسي الأوّلي. كما بدا من المؤكد أيضاً أنها لعبت دوراً محورياً في معركة السيطرة على دونباس شرق البلاد، والتي تضعها موسكو نصب أعينها الآن بعد الفشل في السيطرة على العاصمة كييف.
رغم تحالفها مع روسيا.. لماذا وضعت الحرب في أوكرانيا الصين في “مأزق استراتيجي” سياسياً واقتصادياً؟
أسفرت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا عن “مأزق استراتيجي” لدى الصين. فمن ناحية، عطّل الصراع التجارة الصينية التي تقدر قيمتها بمليارات الدولارات، وزاد التوترات في شرق آسيا، وعمّق الاستقطاب السياسي داخل الصين من خلال تقسيم الناس إلى معسكرين مؤيدين ومعارضين لروسيا. من ناحية أخرى، تلوم الصين الولايات المتحدة في استفزاز روسيا بدعمها لتوسيع الناتو وتخشى أن تسعى واشنطن لإطالة أمد الصراع في أوكرانيا من أجل إعاقة روسيا. ولا ترى بكين الكثير من المكاسب في الانضمام إلى الجوقة الدولية التي تدين موسكو.
الحرب الروسية على أوكرانيا ومعضلة الصين السياسية والاقتصادية
بغض النظر عمّا تقوله الصين أو تفعله رداً على قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شن هجوم في أوكرانيا، فمن غير المرجح أن تخفف واشنطن من استراتيجية الاحتواء تجاه بكين كما تقول مجلة Foreign Affairs الأمريكية.
وباعتبارها الجار الأكبر والأقدر عسكرياً للصين، فإنَّ روسيا ليست قوة ترغب بكين في استعدائها؛ لذلك سعى صانعو السياسة الصينيون إلى تجنب استفزاز أي من القوتين المتنافستين بلا داعٍ؛ من خلال الامتناع عن التصويت لإدانة روسيا في الجمعية العامة للأمم المتحدة واختيار بياناتها الرسمية حول العملية العسكرية بعناية.
لكن استراتيجية التوازن هذه لا تخلو من التكاليف. فقد أدى رفض إدانة روسيا إلى توتر علاقات الصين مع بعض جيرانها ونأى بكين عن العديد من الدول النامية التي اصطفت ضد العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا. إضافة إلى ذلك، تكبدت بكين تكاليف اقتصادية ناجمة عن الهجوم الروسي يمكن أن تستمر لفترة طويلة في المستقبل. ومع ذلك، من أجل تقليل خسائرها الاستراتيجية إلى الحد الأدنى، من المرجح أن تلتزم الصين بهذا المسار الأوسط حتى تنتهي الحرب في أوكرانيا.
فقدان الثقة بالأمريكيين
لكن على الرغم من الآثار السلبية لهذه العملية العسكرية على الصين، بكين ليست مستعدة لقبول نهج واشنطن تجاه الصراع. منذ بداية الصراع، جادلت الحكومة الصينية بأنَّ الولايات المتحدة استفزت روسيا من خلال الضغط من أجل توسع الناتو باتجاه الشرق. وهي ترى الآن أنَّ واشنطن تُصعِّد العملية العسكرية عمداً من أجل إدامتها، وبالتالي إضعاف كل من روسيا والصين. في مكالمة افتراضية في 5 مارس/آذار، قال وزير الخارجية الصيني وانغ يي لنظيره الأمريكي أنتوني بلينكن إنَّ بكين تعارض أية تحركات “تصب الزيت إلى النار” في أوكرانيا. وكرر القادة والصحفيون الصينيون نفس العبارة منذ ذلك الحين؛ مما يؤكد عدم ثقة بكين في نوايا واشنطن. على سبيل المثال، في 30 مارس/آذار، نشرت صحيفة People’s Daily التي تديرها الدولة افتتاحية تقول إنَّ الولايات المتحدة “تصب الزيت إلى النار؛ مما يخلق عقبات أكبر أمام الحل السياسي لهذه الأزمة”.
ولا تعتقد الصين أيضاً أنَّ السعي وراء أرضية مشتركة مع واشنطن بشأن العملية العسكرية في أوكرانيا سيؤدي إلى تحسين العلاقات الصينية الأمريكية الأوسع نطاقاً بشكل هادف. حتى لو انضمت بكين إلى الإدانة الدولية لروسيا، فلن تخفف الولايات المتحدة من سياسة الاحتواء التي تنتهجها ضد الصين.
لا يرى القادة الصينيون أي سبب للاعتقاد بأنَّ واشنطن ستغير هذه السياسة، التي تمثل لها أولوية، بأية طريقة حتى لو نأت بكين بنفسها عن موسكو. من وجهة نظرهم، فإن إدانة روسيا علناً والوقوف إلى جانب أولئك الذين يفرضون عقوبات عليها لن يؤدي إلا إلى فتح الباب أمام الولايات المتحدة لفرض عقوبات ثانوية على الصين نفسها. في 3 فبراير/شباط، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس للصحفيين: “لدينا مجموعة من الأدوات التي يمكننا نشرها إذا رأينا شركات أجنبية، بما في ذلك تلك الموجودة في الصين، تبذل قصارى جهدها لردم إجراءات مراقبة الصادرات الأمريكية، وتجنبها، والالتفاف حولها”.
باعتبارها ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم، تعتزم الصين الاضطلاع بدور مهم في تشكيل المعايير الاقتصادية العالمية. لكن ليس لديها طموح للعب دور قيادي في شؤون الأمن العالمي، خاصة في مسائل الصراعات العسكرية، بسبب التفاوت العسكري الهائل بينها وبين الولايات المتحدة. ولا يزال تشكيل بيئة سلمية مواتية للتنمية الاقتصادية في الصين هدفاً دبلوماسياً مهماً. وطالما أنَّ الولايات المتحدة لا تقدم دعماً عسكرياً لإعلان تايوان الاستقلال القانوني، فمن غير المرجح أن تنحرف الصين عن مسار التنمية السلمية هذا.