في نفس عام فتح الأندلس عام 711م، فُتحت “أندلس” أخرى في أقصى شرق الدولة الإسلامية آنذاك، حيث قاد محمد بن القاسم الثقفي، في عهد الخليفة الوليد بن عبدالملك جيشَه نحو بلاد السند (باكستان)، التي استطاع أن يهزم ملِكَها “داهر”، والتي انتهت بفتح بلاد السند كلها وجنوب البنجاب، وعمره آنذاك 17 عاماً فقط! وظلت هذه البلاد تابعة للخلافة الأموية، وعن طريقها انتشر الإسلام رويداً رويداً في المناطق الهندية المجاورة. للقراءة أكثر حول محمد بن القاسم، يمكنك الاطِّلاع على هذه المادة.
وفي زمن الخلافة العباسية، في حوالي عام 1000، أسّس محمود بن سبكتكين -المعروف بمحمود الغزنوي- الدولة الغزنوية، واعترف الخليفة العباسي “القادر” بمحمود الغزنوي والياً، ولقّبه بـ”أمين الملك”.
في خضم هذا الانقسام والتشرذم أرسل علاء الدين لودي -عم إبراهيم لودي- ودولت خان لودي حاكم البنجاب يستنجدان بابر لتخليص الهند من حكم إبراهيم لها، فلم يجد بابر أفضل من هذه الفرصة لفتح الهند، حيث كان قد استتب حكمه وقويت شوكته في أفغانستان، في الوقت التي كانت فيه الهند ضعيفة ومفككة.
وهكذا خرج بابر بحملته الثانية نحو الهند في عام 1524، وعمره آنذاك حوالي 40 عاماً. إلا أنه وجد دولت خان لودي قد تراجع عن دعوته له وانضم إلى إبراهيم لودي من جديد، فقفل بابر راجعاً إلى كابل.
وفي سنة 1525 هاجم بابر دولت خان واستولى على إقليم البنجاب، ثم تقدَّم نحو عاصمة الهند دلهي، عند ذلك جمع إبراهيم لودي جيوشه، وخرج لملاقاة بابر، وفي سهل بانيبات في شهر أبريل/نيسان عام 1526 التقى الجيشان في معركةٍ هائلة.
وبينما كان عدد جيش ظهير الدين بابر لا يتجاوز 12 ألف جندي، كان جيش إبراهيم لودي قد بلغ 100 ألف وفق بعض المؤرخين، إلا أن النصر سرعان ما كان حليفاً لبابر، إذ كان بابر يمتلك فرقة مدفعية مميزة حسمت الصراع سريعاً.
نتيجةً لهذا النصر الكبير استولى بابر على العاصمة دلهي، ورحَّب به أهل العاصمة باعتباره “إمبراطور الهند”. كما يصف لنا جمال الدين الشيال في كتابه. وفي يوم الجمعة الموافق 22 أبريل/نيسان من عام 1526، خُطب باسمه على المنبر في المسجد الجامع في العاصمة دلهي، وهكذا وضعت معركة بانيبات الأولى حداً لحكم الأفغان في الهند، وإيذاناً بالحكم المغولي لها.
موقعة خانواه.. توطيد حكم ظهير الدين بابر في الهند
بعد انتصار بابر الحاسم في معركة بانيبات الأولى لم يخضع الأمراء الأفغان (بقايا الدولة السابقة) له بالكامل، إذ ظل بعضهم يناوئون سلطانه، كما كان المناخ الحار في الهند عقبةً أمام ظهير الدين بابر، فقد بدأ الكثير من أتباعه يتململون ويلتمسون العودة لوطنهم في كابل، وذلك بسبب عدم تحملهم مناخ الهند الحار.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
لكنّ كلّ ذلك لم يُضعف ظهير الدين، إذ كان هدفه من الهند واضحاً، فهو لم يضمها لملكه لتكون ملحقاً وامتداداً لمملكته، بل فتحها ليجعلها مقرّه، ولهذا ألقى في الجند خطاباً حماسياً يشجّعهم على البقاء في الهند، وأعلن أنه قد عزم عزماً أكيداً على البقاء فيها.
كان لهذا الخطاب أثره؛ فتوقَّف جند وقادة بابر عن طلب العودة إلى أوطانهم، كما كان لهذا الخطاب نتيجة أكبر، وهي علم الأفغان بأنّ بابر سيُؤكد حكمه في الهند ما يجعله أكبر حاكم في هذه المنطقة كلها، ولهذا ما لبثوا أن وضعوا أنفسهم تحت خدمته.
إخماد الثورات واتساع إمبراطورية المغول المسلمين
تجمَّعت فلول الراجبوت تحت قيادة ماديني راو مرةً أخرى للثأر من ظهير الدين بابر، ولاستعادة سلطانهم، وقد حاول بابر في أول الأمر أن يستميل ماديني إليه بالطرق السلمية، فعرض أن يمنحه إقطاعاً تحت حكمه فرفض ماديني العرض، فخرج بابر لقتاله في الوقت الذي وصلته أخبار أن جيشه قد هُزم وانسحب أمام قوات الأفغان من لكناو، منتهزين فرصة انشغال بابر بمحاربة ماديني.
التزم بابر الصبر ولم تزعزعه هذه الأخبار، واستكمل خطته بتشديد الحصار على ماديني حتى هزمه، وانهار حلف الراجبوت الأخير في الهند، وهنا عمل بابر على إخضاع الأفغان، واستطاع إخماد الثائرين، إلا أنهم عادوا تحت قيادة محمود لودي أخي إبراهيم (السلطان الذي هزمه بابر أولاً) للثورة على حكم بابر؛ فأسرع بابر إليهم، وما إن اقترب منهم حتى هربوا. ثمّ تلقى بابر أنباءً تفيد بإذعان وخضوع أمراء الأفغان خضوعاً تاماً تحت سلطانه فتوقف عن مهاجمتهم.
وفي طريقه عائداً إلى الهند عقد بابر معاهدةً مع نصرت شاه حاكم إقليم البنغال تنصّ على ألا يحاول واحد منهما الإغارة على مُلك الآخر.
لكن لم يلتزم نصرت شاه بالمعاهدة واستولى على ولاية ساسرام، ولم يكتفِ بذلك، بل آوى الأمير الأفغاني الهارب محمود لودي، وبذلك هاجم بابر إقليم البنغال وضمّها لحكمه.
كان لكل هذه الانتصارات التي أحرزها ظهير الدين بابر دوي كبير، فهو أولاً هزم الأفغان وأخضع بقاياهم، هذا إلى جانب تحطيم سلطان الراجبوت في الهند وإنهائه، ما جعل ظهير الدين في نهاية الأمر سيداً مطلقاً للأجزاء الشمالية من الهند، كما جعله واضع أساس الإمبراطورية المغولية المسلمة في الهند.
أصبحت مملكة بابر تضمّ إلى جانب كابل: أقاليم البنجاب والبنغال، وبهار، وأود، وجزءاً كبيراً من راجبوتانا. وكانت إمبراطوريته تمتد من جبال الهملايا في الشمال إلى جواليور في الجنوب، ومن البنجاب في الغرب إلى حدود البنغال في الشرق، وكان في خطة بابر الاستيلاء على كامل الهند، إلا أن الموت قد وصله قبل تحقيق كامل حلمه، لكنّ أحلامه لن تلبث أن تحقّقت على يد سلالته، التي أحكمت قبضتها على الهند وما حولها طيلة 3 قرون من الزمن.
في صيف عام 1530 شديد الحرارة، سقط همايون بن بابر مريضاً معتلاً من شدة الحرارة. أخذ والده يتضرع إلى الله أن ينقل إليه هو المرض بدلاً عن ابنه، وينقل لنا الدكتور جمال الدين الشيال في كتابه “تاريخ دولة أباطرة المغول الإسلامية في الهند” روايةً تحكي أن ظهير الدين بابر قد صاح في أحد الأيام وهو يقول “لقد حملته عنه” أي حمل المرض عن ابنه.
أصيب بابر منذ ذلك الوقت بالوهن والضعف، واعتلّت صحته حتى وافته المنية عام 1530، وعمره 47 عاماً فقط، في الوقت الذي أخذ همايون ابنه يتماثل للشفاء، ويصبح الحاكم التالي للهند من السلالة المغولية الإسلامية.