لا يوجد تاريخ محدد لمولد عز الدين أيدمر علي الجلدكي المصري، أو لوفاته، وإن ذكر مجموعة من المراجع أنه توفي عام 1342م، ويجمع علماء التاريخ أنه ينتمي إلى مصر، لذا لقبوه بالمصري، والبعض يرجح انتماءه إلى قرية جلدك بالقرب من مشهد الرضا في خراسان. ولا تتوافر معلومات عن نسبه، وهو عموماً من علماء القرن الثامن الهجري.
مع بداية القرن الخامس الميلادي كان العالم يعيش في ظلمات من الجهل والتخلف، فمع وهن الإمبراطورية الرومانية وتفتتها، بدأت العصور الوسطى المظلمة التى اتسمت باضمحلال العلوم وانتشار الخرافة والمتوارثات الشعبية الأسطورية. وفي خضم هذا السواد الحالك لاح في الأفق نور يبدد ظلام الجهل لتبزغ شمس الحضارة الإسلامية، حيث كان المسلمون يعيشون حياة الازدهار والرقي، وشهدت القرون الوسطى تقدماً فريداً في كل العلوم والمجالات، خاصة الفلك والطب والفلسفة، وغدت بلاد المسلمين مقصد العلماء وطلاب العلم، حيث العدل والحرية اللذان مهدا الطريق أمام العلماء للبحث والمعرفة ووضع أسس المنهج العلمي الذي يعتمد على التجربة والمشاهدة والاستنتاج وإعمال العقل ليظهر جيل جديد من العلماء الذين وضعوا اللبنات الأولى للتطور العملي الحديث.
تذكر المراجع أن عز الدين الجلدكي كان محباً للعلم، تحصيلاً ونشراً، يفتح بيته لطلاب العلم، وصدره لمن يستوضحه في مسائل الكيمياء أو فروع أخرى من المعرفة. كما أنه كان واسع الاطلاع، حتى إنه لم يترك كتاباً في الكيمياء إلّا واطلع عليه، بل وعلّق عليه. وهو عالم مسلم لم يبخل على الناس. وقد اطّلع الجلدكي على كل ما وصلت إليه يداه من كتب مؤلفات الكيمياء، قراءة نقدية، وكان مبهوراً بجابر بن حيان، وجمع 42 من مؤلفاته، ودرسها وناقشها. كما قرأ الرازي وغيره من علماء الإسلام. وكان الجلدكي أيضا مغرماً بالعلوم الطبيعية والنبات إلى جانب عشقه للكيمياء.ويذكر مانو شهر تسليمي في رسالته للحصول على الدكتوراه من جامعة لندن عام 1954 أن الجلدكي قضى في رحلاته العلمية سبعة عشر عاماً، وأنه أول من عرف مدرسة أبي تيج الكيميائية التي يتزعمها الكيميائي الطبيب ذو النون المصري إذ اشتهرت مدينة أبو تيج في مصر بمناخها العلمي والصناعي. ووضع الجلدكي اللبنة الأساسية لابتكار قانون النسب الثابتة في الاتحاد الكيميائي، وشرحه شرحاً مفصلاً اعتمد عليه كل من كبلر، وجاليليو، ونيوتن، في دراستهم، وهو القانون الذي ادعاه لنفسه جوزيف برواست بعد الجلدكي بخمسة قرون. وطوّر الجلدكي طريقة كيميائية لفصل الذهب عن الفضة بواسطة حمض النتريك، وهي طريقة تستعمل حتى اليوم. وأعطى وصفاً مفصلاً لطريقة الوقاية والاحتياطات اللازمة من خطر استنشاق الغازات الناتجة عن التفاعلات الكيميائية، فهو بذلك أول من فكر في ابتكار واستخدام الكمامات في معامل الكيمياء عبر التاريخ.
ودرس القلويات والأحماض بشكل عميق مكّنه من تقديم بعض التحسينات على طريقة صناعة الصابون التي كانت معروفة آنذاك، وذلك لأهميته في التنظيف. وينسب إليه أيضاً أنه أول من اخترع مساحيق الغسل، التي تحافظ على الثياب مع تنظيفها بسهولة، وشرح طريقة التقطير التي تستعمل حالياً. وهو أول من قال إن المادة تعطي لوناً خاصاً بها عند احتراقها. وبحث في مجالات مختلفة إضافة إلى الكيمياء والنبات مثل المكيانيكا، وعلم الصوت، والتموج الهوائي والمائي.
ووضع تعليقات وشروحاً وتصحيحات لكثير من كتب الكيمياء التي ألّفها من سبقه من علماء الغرب، وأكثر في هذا إلى حد اتهمه الدكتور مانوشهر تسلمي في 1954م بأنه ناقل لعلوم غيره، شارح لها، كما يشرح الفقيه مذاهب غيره. وذكر د. عزة مريدن عميد كلية الطب جامعة دمشق في محاضرة له بتاريخ 25 إبريل/ نيسان 1961 أن الجلدكي كان على علم بالتركيب الإلكتروني للذرة، إذ شبّهها بالمجموعة الشمسية في شعر له.
وضع الجلدكي الكثير من الكتب العلمية التي تم تداولها في العديد من المكتبات، ولكن لا يزال معظمها على شكل مخطوط. وعثر حديثاً بمكتبة الأزهر في القاهرة على 12 مؤلفاً له، أغلبها في علوم الكيمياء. وألف الجلدكي أحد كتبه، وهو «البدر المنير في معرفة أسرار الإكسير» في دمشق عام 1339م، وألف كتاباً آخر، هو «نتائج الفكر في أحوال الحجر»، في القاهرة عام 1341م، ويبدو أنه كان كثير التنقل بين القاهرة ودمشق. وذكر جورج سارتون في كتابه «المدخل إلى تاريخ العلوم» المؤلفات الخاصة في مجال الكيمياء، وهي 20 مؤلفاً، منها «البدر المنير في خواص الإكسير»، و«بغية الخبير في قانون طلب الإكسير» وكتبه في دمشق 1339 ـ 1340م، و«البرهان في أسرار علم الميزان»، و«الجوهر المنظوم والدر المنثور في ديوان الشذور»، و«المصباح في علم المفتاح»، و«درة الخواص وكنز الاختصاص في معرفة الخواص»، و«التقريب في أسرار التركيب»، و«سر الحكمة في شرح كتاب الرحمة»، و«شمس المنير في تحقيق الإكسير»، و«الرحمة في الكيمياء»، و«نهاية الطلب في شرح الكتب في صناعة الذهب»، والذي استقى مادته من كتاب أبو القاسم العراقي «المكتسب في زراعة الذهب».
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website