تحاول هذه الورقة رصد الأداء الاقتصادي الصوفي بغرب إفريقيا عمومًا وبالسنغال بشكل خاص ومدى تأثيره على سياسة الحكومات بالمنطقة، وكيف يلعب دور المكمل في علاقته بالدولة، دون أن يشكِّل ورقة ضغط، حيث ظل في حدود لا يتجاوزها مقابل أدوار أخرى ذات أهمية للسلطات السياسية.
الأثر الاقتصادي للطرق الصوفية في إفريقيا الغربية
تحاول هذه الورقة رصد الأداء الاقتصادي الصوفي بغرب إفريقيا عمومًا وبالسنغال بشكل خاص ومدى تأثيره على
سياسة الحكومات بالمنطقة، وكيف يلعب دور المكمل في علاقته بالدولة، دون أن يشكِّل ورقة ضغط، حيث ظل في حدود لا يتجاوزها مقابل أدوار أخرى ذات أهمية للسلطات السياسية.
ليس من اليسير ادعاء وجود اقتصاد صوفي قائم بذاته بالمعنى الدقيق للكلمة من حيث القيم والأفكار والممارسات والمؤسسات، إلا أنه لا يمكن إنكار وجود شريحة عريضة من أصحاب النفوذ والجاه من ساكنة غرب إفريقيا ممن يتحكمون -بشكل أو بآخر- في الشأن المالي والاقتصادي والسياسي ببلدانهم وينتمون للطرق الصوفية، ويدورون في فلكها ومحسوبون عليها. هذا، وتحظى العائلات الصوفية بشرعية دينية وتاريخية واجتماعية، وإن كان الأمر أظهر في بعض الدول من بعض، وفي مدن أكثر من غيرها.
ويتميز اقتصاد غرب إفريقيا بانتمائه إلى الدول النامية أو في طور النمو، وبعضها يُصنَّف ضمن قائمة الدول الأقل نموًّا، أي الاقتصادات المتخلفة مع تباين درجات التخلف، والسنغال معدود من بين تلك الدول، ومن خصائصه:
الاعتماد على المواد الأولية وغَلَبة الاقتصاد غير المهيكل.
سيطرة دول المتروبول على مفاصل الاقتصاد.
ضعف البنية التحتية مع تأخر ملحوظ في مواكبة التطور العلمي والتكنولوجي.
الفساد الإداري والسياسي “سرطان إفريقيا”.
وجود فرص مواتية لتحول اقتصادي واعد.
اقتصاد قائم على تأمين ضرورات الحياة وليس على الرفاهية وتوفير الكماليات.
تتوزع المنطقة موانئ بحرية على امتداد شواطئ المحيط الأطلسي، وثروات طبيعية ومعدنية وقوة ديمغرافية شابة وتنوع ثقافي وعرقي وحضاري، وكونها جسرًا جويًّا واصلًا بين أقصى الشرق بالغرب، وسوقًا اقتصادية واعدة، وهذه الرقعة اليوم موضع تنافس محموم بين القوى التقليدية التي ترى فيها الحديقة الخلفية ومجال نفوذها الحيوي والقوى الصاعدة الباحثة عن موطئ قدم على تعددها.
وعملاق الاقتصاد الإفريقي النيجيري والمصدِّر الأول للنفط قاريًّا، يتموقع بغربها متقدمًا على جنوب إفريقيا منذ 2013، وهو ما يعطي لهذه المنطقة إضافة نوعية، وترقد فوق أراضيها أكبر الأرقام المالية إفريقيًّا تقدر بمليارات الدولارات، وعلى رأس أصحاب تلك الثروات: أليكو دانغوت، رئيس مجموعة دانغوت، ويُعَدُّ أغنى أثرياء إفريقيا، وفق تصنيف مجلة فوربس الأميركية، ويمتلك مجموعة دانغوت التي تعتبر الأضخم في غرب القارة، وله استثمارات قارية في السنغال وغيرها، ولاغوس رائدة المال والأعمال في غرب القارة خاصة وفي إفريقيا عمومًا.
إلا أن الانقلابات العسكرية التي عرفتها معظم بلدان غرب إفريقيا وعدم الاستقرار السياسي بها أيام الحرب الباردة، والتوترات الأمنية بالساحل والصحراء الإفريقي التي اندلعت مع نهاية القرن المنصرم واشتدت حدتها مع بداية الألفية الثالثة وانزياحها إلى جهة الأطلسي أدخلها في دوامة من العنف والأنشطة العسكرية عجزت الحكومات عن التحكُّم في مسارها؛ مما أهدر طاقتها واستنزف خزينتها وزاد من الهوان الاقتصادي فيها، وعادت هواجس الأمن لتسيطر على مطالب التنمية.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
انطلاقًا من هذا الواقع مع حدة عدوى التأثيرات داخل العالم الإسلامي المسلوب قراره المادي والمعنوي، تحاول هذه الورقة البحث عن نقاط التَّماس بين الفاعل الصوفي ومربع الاقتصاد في غرب القارة، وبالأخص في السنغال.
علمًا بأن أرض هذا الموضوع ليست بكرًا فقد وطئتها أقدام الباحثين والأكاديميين من قبل، ولا يزال تناول مواضيع ذات صلة بالتصوف يشكِّل حساسية إبستمولوجية ومغامرة معرفية لدى هذه المجتمعات، لاسيما مع الاستقطاب الحاد بين التيارات الدينية وإن تباينت النسبة من دولة لأخرى، لكن ذلك لا يمنع من طرح السؤال الاقتصادي في قوالب فكرية وبمنهجية علمية، ونتساءل هنا: ما حقيقة المكوِّن الاقتصادي “الصوفي” في إفريقيا الغربية؟ وفي أي المجالات الاقتصادية يتجسد وجوده؟ وكيف تتكامل الهيئات الصوفية مع المؤسسات الاقتصادية؟ وما مستقبل الهيمنة الصوفية على جزء من الاقتصادات الإفريقية؟ وللإجابة على التساؤلات المطروحة سيتم التركيز على الطائفة المريدية السنغالية مع استصحاب المقاربة سوسيو-سياسية في التحليل.