ترك العثمانيون بعد مغادرتهم لبنان كثيراً من المعالم الأثرية والمعمارية والبنائية التي ساهمت في ترسيخ أركان الدولة اللبنانية، كما كانت لهذه الحضارة بصمة ثقافية لا تُمحى
“إذا أردت أن تعرف عن حضارة ما فانظر إلى عمارتها”
لطالما اعتُبر فن العمارة مؤشراً إلى الحضارة والثقافة، ولطالما وُصفت العمارة العثمانية لقرون عدة باعتبارها واحداً من أكثر أشكال العمارة فخامةً وقوّة، إذ تركت آثارها في بقاعٍ كثيرة لتبقى شاهدة على عظمة تلك الفترة في الدول التي خضعت لحكم الدولة العثمانية، مثل لبنان، ولا يزال حتى اليوم عديد من المعالم شاهداً على عظمة هذه الحضارة
ما يعنينا في هذا السياق هو عبق الحضارة العثمانية العالق في تفاصيل الكيان اللبناني، فقد ترك العثمانيون بعد مغادرتهم لبنان كثيراً من المعالم الأثرية والمعمارية والبنائية التي ساهمت في ترسيخ أركان الدولة اللبنانية، كما كانت لهذه الحضارة بصمة ثقافية لا تُمحى، لأن الدولة العثمانية كانت آخر دولة صاحبة حضارة مميزة مرَّت على هذا البلد الذي ظل تحت حكمها طوال 400 سنة.
العمارة العثمانية في لبنان.. آثار بنيوية ومآثر خدماتية
عنها يحدثنا المؤرخ اللبناني د.حسان حلاق، قائلاً إن الدولة العثمانية جعلت بيروت والمناطق اللبنانية كأوروبا وإسطنبول، وإن السلطان عبد الحميد قد أولاها اهتماماً خاصاً بعد جعلها ولاية، وكانت تسمَّى حينها “بيروت المحروسة”
وفي هذا الصدد أردف حلاق بأنه لا يمكننا اختصار تاريخ استمر مئات السنين بسطور، ولا يمكننا أن نورد جميع ما أنشأته الدولة العثمانية وإبراز الإنجازات الهائلة لهذا الحضور
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
كما أولت الحكومة العثمانية الأوضاع الصحيّة في بيروت ومختلف المناطق اهتمامها، فأنشأت “الخستة خانة” أو المستشفى العثماني في بيروت
أشار المؤرخ في هذا الصدد إلى أن كل مساجد بيروت القائمة حالياً شُيّدت في العهد العثماني، بالإضافة إلى كثير من المساجد والزوايا المنتشرة في كل المناطق، كزاوية ابن عرّاف الدمشقي، وزاوية الإمام الأوزاعي في بيروت، والتكيّة القادرية في طرابلس وغيرها الكثير
ووصف حلاق الدولة العثمانية بأنها دولة مُفترىً عليها، ونعتها بالمتقدمة والعصرية، وذلك يظهر في المؤسسات والصناعات، فما من صناعة حديثة إلا كانت موجودة في بيروت منذ القرن التاسع عشر. أما على الصعيد العلمي فإن المنشآت العلمية الأجنبية المعروفة في بيروت، وهي الجامعة الأمريكية والجامعة اليسوعية والجامعة اللبنانية الأمريكية وكل المؤسسات التعليمية الأجنبية، أُنشئَت بفرمان من السلطان العثماني، ولا تزال قائمة، وهي أشهر من أن تُعرَّف
ولفت المؤرخ اللبناني إلى أن فرنسا لم تعمّر طوال فترة انتدابها للبنان أي مبنى حكومي، حتى للمندوب السامي الذي كان يستخدم المؤسسات العثمانية، وذلك بالتوازي مع عملها ومن والاها على إقصاء الوجه الحضاري العثماني، من خلال هدم ما أمكن من مخلفات الوجود العثماني بحجة توسيع الطرقات