تحتفظ سجلات كتب التاريخ الإسلامي، بالعديد من الملوك والقادة العسكريين، الذين رصَّعوا بالمجد سيرهم، ومن هؤلاء نجد الماي إدريس ألوما حاكم مملكة برنو والكانم الإسلامية في غرب إفريقيا، وهو القائد العسكري الذي خاض ألف معركة ولم يذق فيها طعم الهزيمة، والملك الذي لم يترك شبراً من غرب إفريقيا إلّا وحكمه.
مملكة البرنو والكانم التي حكمها إدريس ألوما
تذكر المراجع التاريخية أنّ مملكة البرنو والكانم تأسست في القرن التاسع الميلادي، على يد أسرة من الأمازيغ البيض، هي الأسرة “الماغومية السيفية”، إذ هاجر آل سيف في تلك الفترة من الشمال إلى الجنوب، وبالتحديد إلى منطقة كانم، التي تقع في الشمال الشرقي من بحيرة تشاد، وأسسوا مملكة عُرفت بمملكة كانم، والتي تعتبر من أقدم الممالك التي تأسست في تلك المناطق.
وقد بدأ الإسلام يظهر في المملكة مبكراً، لينتشر في القرن الـ11 الميلادي، وخاصّة بعد أن اعتنق أغلب ملوكها الإسلام.
لم تتوقف المملكة الحديثة النشأة عند منطقة الكانم ببحيرة تشاد، فسرعان ما امتدّ نفوذها واتسعت رقعتها الجغرافية من نهر النيجر” غرباً إلى “دارفور” شرقاً.
وقد ضمَّت هذه الدولة الحديثة عدداً كبيراً من القبائل و الأعراق، فكان بالمملكة قبائل “الصو”، وقبائل”الكانمبو”، وقبائل “الكانوري” وهذه القبائل كانت عبارة عن خليط من العرب والبربر والزنوج، شكلوا أغلب سكان هذه السلطنة.
أمّا حكامها فكانوا يطلقون عليهم اسم “المايات”، وهو جمع لكلمة “ماي”-التي تعنى في اللهجة المحلية لقب الملك-، وأبرز هؤلاء “الماي إدريس” الذي أشتهر بعد وفاته بإسم “الماي إدريس ألوما”.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
حكم إدريس ألوما المملكة شاباً في عمر 25 سنة، ومكث في حكمها طيلة 33 سنة، ما بين سنوات 1571م و 1603 م، ويعرف هذا الماي بكونه أبرز ملك عرفته البرنو والكانم، ففي عهده عرفت هذه المملكة أوج قوتها.
إدريس ألوما خاض ألف معركة وانتصر فيها جميعاً
ازداد خصوم مملكة البرنو والكانم بسبب توسعها الكبير، حتى صارت تمتلك عدواً في كل اتجاه، فكانت قبائل الهوسا في الغرب ، والطوارق والتبو في الشمال ، والبولالا في الشرق.
وأمام هذه التحديات، تشكلت شخصية إدريس ألوما القيادية والعسكرية، فخاض الحروب شرقاً وغرباً ضد خصوم مملكته، عدّها مؤرخ مملكة البرنو والكانم أحمد بن فرطوا في كتابه “تاريخ 12 سنة من حكم إدريس ألوما” بنحو 33 حرباً وألف معركة لم يتذوق فيها إدريس ألوما طعم الهزيمة، كما أن تعداد جيشه كان يصل إلى 70 ألف جندي.
كما أنّ إدريس ألوما كان أوّل من أدخل الأسلحة النارية إلى معاركه مع القبائل المرتدة والمتمردة في غرب إفريقيا، فيذكر لنا عبد الفتاح مقلد الغنيمي في كتابه “الإسلام وحضارته في وسط إفريقيا” بأن الماي إدريس ألوما قام بجلب الأسلحة النارية من مصر وليبيا أثناء رحلاته إلى الحج، كما أن جيشه كان مشكلاً من جنود و ضباط عثمانيين ومصريين وليبيين، جندهم ألوما أثناء رحلة عودته من الحج.
وعرف عن إدريس ألوما، إستعماله لسياسة الأرض المحروقة في حروبه المستمرة، حيث كان جيشه يحرق كل شيء في طريقه، كما انتهج أيضاً سياسة الحصار، واستخدام الجمال إلى جانب الخيول والفرسان المدرعين، وتخصيص معسكرات عسكرية ثابتة محصنة بجدران.
وكانت قبائل “البولالا” أكثر القبائل التي حقق ضدها إدريس ألوما انتصاراته، فقد استطاع أن يهزمها في أكثر من مرة.
أخذ اسم ألوما بعد وفاته
لم يهتم الماي إدريس ألوما بالحروب والتوسع في حكمه فقط، فقد كان الإصلاح التشريعي أحد إهتمامه، فاعتمد ألوما في الإدارة والقانون على الشريعة الإسلامي كتشريع أساسي، ولم يخف ألوما ملامح تدينه، فقام برعاية بناء العديد من المساجد في مملكته، كما قام برحلة حج إلى مكة المكرمة، وهناك شيّد دار إقامة لفائدة حجاج مملكته، وأنشئ مجلس شورى مكون من رؤساء أهم العشائر والقبائل لتوطيد أركان عرشه.
أمّا سياسته الاقتصادية، فكانت تعتمد على التجارة كمصدر أوّل لتمويل خزائن مملكته، فقد كانت مملكة البرنو والكانم منطقة مركزية لعبور القوافل التجارية العابرة للصحراء.
توفي الماي إدريس ألوما أثناء قيادته لمعركة ضد قبيلة باغريمي، بعد أن أصابه سهم قاتل أثناء عودته من المعركة. وتم دفنه لاحقاً في بحيرة” ألو” الواقعة جنوب مايدوغوري بنيجيريا حالياً ، ومن هنا جاء اسم ألوما الذي اشتهر به.
وخلفه في الحكم أبناؤه الثلاثة متعاقبين في السلطة، وهم محمد بن إدريس، ثم إبراهيم بن إدريس وأخيراً عمر بن إدريس، الذي انتهى عنده حكم الأسرة الماغومية للملكة البرنو والكانم.
تراجعت مملكة البرنو والكانم تدريجياً بعد وفاة أعظم حكامها الماي إدريس ألوما، ودبّ فيها الضعف والهوان، كما تقلصت رقعة حكمها تدريجياً، فقد تمكن الشيخ عثمان دان فوديو زعيم الفولانيين من السيطرة على أغلب أراضي المملكة في القرن الثامن عشر، لتنتهي مملكة البرنو والكانم التاريخية مع الاحتلال الفرنسي لغرب إفريقيا بداية القرن العشرين.