حتى الأموات لم يسلموا من انتهاكات الحكومة الإسرائيلية التي تسعى منذ تأسيسها عام 1948 لتهويد البلاد عبر طمس المعالم الإسلامية التي تعتبر المقابر العريقة في القدس إحداها.
فمنذ ذلك الحين وحتى اليوم تتعرض المقابر الإسلامية لانتهاكات عديدة كان آخرها إقامة حفل على أراضي مقبرة “مأمن الله” في أكتوبر/تشرين الأول 2021، والذي حضره بنيامين نتنياهو إلى جانب وزير الدفاع بيني غانتس ووزير الخارجية يائير لابيد وممثلين عن البحرين والإمارات العربية المتحدة والمغرب، فضلاً عن هدم قبور وجرف رفات الموتى في مقبرة “اليوسفية”.
المقابر التي تدمرها إسرائيل
مقبرة “مأمن الله” التي أنشأها عمر بن الخطاب
تعود جذور هذه المقبرة إلى مطلع القرن السابع وتعتبر من أعرق المقابر الإسلامية في فلسطين فقد أنشئت خلال الفتح الإسلامي لبلاد الشام عندما زار الخليفة عمر بن الخطاب القدس ليتسلم مفاتيحها عام 637، وكان أول من دفن فيها أحد مرافقي ابن الخطاب في رحلته.
على مر العصور حملت تلك المقبرة أسماء عديدة، فسميت مقبرة “مأمن الله” و”أملا” و”باب الله” و”باب الملة” و”باملا” و”بيت مامل”، وقد حملت اسم “مقبرة ماميلا” خلال العصر المملوكي وطوال العصر العثماني.
تقع مقبرة “مأمن الله” في مدينة القدس، غرب البلدة القديمة، وتبعد نحو كيلومترين عن باب الخليل.
ومنذ الفتح الإسلامي للقدس ضمت المقبرة التي تبلغ مساحتها قرابة 200 دونم رفات العديد من الشهداء والفقهاء والعلماء المسلمين.
البداية من الاستعمار البريطاني
بقي المسلمون يدفنون موتاهم في “مأمن الله” حتى عام 1927، حيث أصدر المجلس الإسلامي الأعلى حظراً على دفن الموتى في المقبرة بسبب اكتظاظها واقتراب العمران إليها.
ومع بداية عام 1933 وضع الاستعمار البريطاني مخططاً لإقلاق راحة الموتى يقضي باقتطاع جزء من المقبرة لإقامة مبانٍ سكنية فوقها واقتطاع جزء ثانٍ للمباني التجارية، وثالث كي يتم تحويله إلى حديقة عامة.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
وبالفعل استحوذ الجيش البريطاني على المقبرة عام 1947 وهدم أجزاءً من سورها، لكن المخطط السكني لم يدخل حيز التنفيذ حتى أواخر الستينيات في عهد الاحتلال الإسرائيلي.
“أملاك الغائبين” حجة إسرائيل للاستيلاء على المقبرة
عندما احتلت القوات الإسرائيلية الجزء الغربي من القدس عام 1948 أقرت قانوناً يعتبر جميع الأراضي الوقفية الإسلامية وما فيها من مقابر وأضرحة ومقامات ومساجد تحت الرعاية الإسرائيلية وأطلقت على تلك الأراضي اسم “أملاك الغائبين”.
وبناءً على ذلك، اعتبرت مقبرة “مأمن الله” من ضمن “أملاك الغائبين”، وبدأت الحكومة الإسرائيلية مشاريع لتهويد مدينة القدس وإخفاء معالمها الإسلامية، وكان من ضمن تلك المشاريع تحويل جزء كبير من المقبرة إلى حديقة عامة بات اسمها “حديقة الاستقلال” في أواخر الستينيات.
لم تقم حديقة الاستقلال تلك إلا بعد أن تم نبش قبور العديد من المسلمين الذين جرفت رفاتهم مع شواهد قبورهم، لتحل محلها طرقات معبدة وأشجار وبعض المباني.
وفي عام 1985 أنشأت وزارة المواصلات موقفاً للسيارات على قسم كبير من أراضي المقبرة، وخلال عامين بعد ذلك نفذت عمليات جديدة من الحفر لتمديد شبكات مجارٍ وتوسيع موقف السيارات وكان ثمن ذلك تدمير عشرات القبور وبعثرة عظام الموتى، ولم تفلح احتجاجات المؤسسات الإسلامية المتكررة فقد نفذت البلدية مشاريعها بكل الأحوال.
وفي الآونة الأخيرة بدأ العمل لإقامة العديد من المشاريع؛ منها إقامة “متحف التسامح” فوق مساحة قدرها 25 دونماً من المقبرة، وكما جرت العادة نبشت المزيد من القبور وتم جرف المزيد من رفات الموتى.
أما آخر الانتهاكات التي قامت بها الحكومة الإسرائيلية فكانت إقامة حفل فوق أراضي المقبرة حضره بنيامين نتنياهو إلى جانب وزير الدفاع بيني غانتس ووزير الخارجية يائير لابيد وممثلين عن البحرين والإمارات العربية المتحدة والمغرب، وفقاً لصحيفة Middle East Eye البريطانية.
المقبرة اليوسفية.. تيمناً بصلاح الدين الأيوبي
المقبرة اليوسفية أو مقبرة باب الأسباط، هي معلم آخر من المعالم الإسلامية العريقة في القدس، فقد تم إنشاؤها في عهد الدولة الأيوبية وسُميت باليوسفية نسبة إلى صلاح الدين الأيوبي، إذ إن اسمه يوسف بن أيوب بن شاذي بن مروان بن يعقوب الدُّويني التكريتي.
تضم المقبرة اليوسفية عدداً من المعالم منها نصب تذكاري لشهداء حرب 1967 ونصب تذكاري لشهداء مذبحة الأقصى الأولى عام 1990.
وفيها كذلك ما يعرف بـ”مقبرة الإخشيديين”، حيث تضم قبر مؤسس الدولة الإخشيدية في مصر محمد بن طغج الإخشيد، وقبور عدد من أفراد أسرته.
وتشتهر المقبرة اليوسفية على وجه التحديد بأنها تضم عدداً كبيراً من قبور العائلات المقدسية العريقة التي تمتعت بمكانة سياسية واجتماعية ويعود تاريخها إلى قرابة قرن من الزمن. ومثل مقبرة “مأمن الله” تضم اليوسفية عدداً كبيراً من قبور الشهداء والأعيان والصالحين والفقهاء والعلماء.
مكب نفايات بالقرب من “اليوسفية”
في “اليوسفية” تخضع المقابر الجماعية التي يطلق عليها أيضاً اسم “الفستقيات” إلى عمليات ترميم وتجديد مستمر، ولكن في المقابل تعاني الكثير من القبور الفردية من حالة سيئة يصعب معها قراءة النصوص المحفورة على شواهدها، كما أن بعضها بدأ بالتآكل بفعل القدم وعوامل الطقس وقلّة الاعتناء بها.
وللمقبرة بوابتان، الأولى جنوبية والثانية شمالية بالقرب مما كان يعرف بسوق الجمعة، حيث اعتاد الفلسطينيون التجمع لبيع وشراء الأغنام والدواب أيام الجمعة، لكن بلدية الاحتلال قامت بإغلاقه وحولته إلى مكب نفايات.
الانتهاكات الإسرائيلية
وضع مكب للنفايات بالقرب من أحد أهم مقابر المسلمين في القدس لم يكن الانتهاك الوحيد الذي ارتكبته دولة الاحتلال، فقد هدمت البلدية بعض القبور عام 2014.
وتعرضت المقبرة بشكل مستمر لانتهاكات من قبل مواطنين إسرائيليين يقومون من فترة لأخرى بالكتابة على القبور ورسم نجمة داوود.
أما أحدث الانتهاكات الإسرائيلية فكانت في أكتوبر/تشرين الأول 2021، حيث جرفت آليات تابعة للسلطات الإسرائيلية أجزاءً من المقبرة اليوسفية، وجاء ذلك في ظل تحذيرات فلسطينية متكررة من مساعٍ إسرائيلية لتهويد مدينة القدس وطمس معالمها العربية والإسلامية عبر مخططات عديدة يقوم بعضها على الحفريات.