جلس الطلاب، في غرفةٍ دون كهرباء، يستمعون بانتباه، ويومئون برؤوسهم، ويُدوِّنون الملاحظات. ويشارك الطلاب في دورةٍ من 5 أيام يُقدِّمها مجلس علماء الرباط المحمدي (مجلس الشيوخ المحمديين) مجاناً، ويتمركز المجلس في الفلوجة؛ ليحارب الأيديولوجيات المُتطرِّفة في محافظة الأنبار المضطربة إلى ما يقرب من 10 سنوات الآن.
ويعد هذا التدريب أحد أجزاء برنامج نزع التطرف الذي تديره المنظمة، ويهدف إلى تغيير النفسية الدينية للفلوجة بعد احتلال داعش لها، وهي المدينة العراقية التي تضم نحو 200 مسجد، وفقاً لما ورد بتقرير لموقع “ميدل إيست آي” البريطاني
وعُرِفَت الفلوجة (التي اشتُهرت بمقاومتها الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003، وما تلاه من احتلالٍ للعراق)، منذ فترةٍ طويلة، بالعنف والقلاقل داخل البلاد وخارجها. وتفيد التقارير بأنَّ محافظة الأنبار قد أسقط فيها التحالف العسكري أعداداً من القتلى أكثر من أي منطقة أخرى بالعراق.
وبعد أن غادر الجنود الأميركيون، سرعان ما أصبحت الأنبار مرتعاً للنشاط الإرهابي لـ”القاعدة” قبل أن تسقط بيد داعش في عام 2014.
ويوضح الشيخ كامل الفداوي، وهو واحد من 12 عالماً يعملون بالمجلس، كيف استقرت نسخة متشددة للغاية من الإسلام في المدينة، ويقول: “بدأت الوهابية تنتشر هنا بالمساجد منذ عام 2003، عندما بدأ المتطرفون في اغتيال أئمة السنّة الصوفية بالفلوجة وتدمير مقابر الأئمة الصوفيين”.
وأضاف: “حتى قبل أن يسيطر داعش على المدينة، أظهرت كل وسائل الإعلام الفلوجة باعتبارها مدينةً للإرهاب. كنا نشعر أحياناً بأنَّ ما يحدث هو عقاب للمدينة؛ لأنها رفضت الاحتلال الأميريكي
واستناداً إلى القرآن، يحدد المجلس ما إن كان الحديث صحيحاً أم لا، ويقوم باستبعاد تلك الأحاديث التي لا تستند إلى أساسٍ قرآني، ويصنفها بأنَّها أحاديث ضعيفة.
ويوضح الشيخ الفداوي: “تقوم الوهابية على أحاديث قبيحة وكاذبة. استقطع داعش بعض العبارات من الأحاديث ووضعها موضع التنفيذ، لكن هذه الجمل لا تمثل الفكر الحقيقي للنبي محمد أو الإسلام. هذه الأحاديث هي في الواقع جمل تاريخية، وليست دينية”.
عندما فرَّ سكان الفلوجة
وكان المشروع قد بدأ بدايةً مُوفَّقَةً عندما سيطر تنظيم داعش على الفلوجة في عام 2014. هرب شيوخ المجلس الذين تلقوا تهديدات بالقتل بسبب عملهم، إلى جانب ما يصل إلى 90% من سكان الفلوجة (بلغ عدد سكان المدينة نحو 275 ألف نسمة في عام 2011).
ومن مدينةِ “حديثة”، التي تقع على بُعد 200 كم شمال غربي الفلوجة، كثَّفَ المجلس جهوده الرامية إلى إزالة التطرف. ومع أنَّها كانت محاطة تماماً وتحت حصار داعش 18 شهراً، كانت “حديثة” أول مدينة استطاع الشيوخ فيها انتزاع السيطرة على جميع المساجد من يد الدعاة الوهابيين المتطرفين.
وبعد أن حرَّرَت القوات المسلحة العراقية الفلوجة في يونيو/حزيران 2016، عاد المجلس إلى مبانيه السابقة المُدمَّرَة والمُهدَّمة ورفعَ “عَلمه الأبيض” للإسلام فوق مسجده الذي تركه مقاتلو تنظيم “الدولة الإسلامية” مُدمَّرَاً تماماً.
إن حروف اللافتة الزرقاء، ذات الخلفية البيضاء، مستوحاة من الأوصاف التي وردت في الأحاديث لعَلم النبي محمد نفسه، والمقصود أن يكون مناقضاً للعَلم الأسود الذي يفضله تنظيما “داعش” و”القاعدة”.
وفي أثناء الـ12 شهراً التي تلت تحرير الفلوجة من قبضة داعش، يقول المجلس إنَّه استعاد السيطرة على الـمساجد المائتين الموجودة بالمدينة من الأئمة الوهابيين المتطرفين.
ويقول السكان إنَّ المدينة الآن أكثر أمناً من أي وقتٍ مضى منذ سقوط صدام حسين.
ويقول حيدر العباس، الذي يبلغ من العمر 29 عاماً، ويعمل حارساً شخصياً: “نتمتع الآن بمزيدٍ من الأمن والحرية أكثر مما كنا عليه قبل داعش؛ لأنَّه قبل داعش كان لدينا تنظيم القاعدة. ليس لدينا الآن سوى خلايا نائمة إرهابية. إنَّهم خائفون”.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website