قصَّة يُونُس عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ يُونُسَ: ” فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا ومتعناهم إِلَى حِين”.
وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ: ” وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ، فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي المومنين” وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَة وَالصَّافَّات: ” وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ * فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ * فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ * وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ * وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يزِيدُونَ * فآمنوا فمتعناهم إِلَى حِين” وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَة ن: ” فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ * لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نعْمَة من ربه لنبذ بالعراء وَهُوَ مذمون * فاجتباه ربه فَجعله من الصَّالِحين “
قَالَ أهل التَّفْسِير: بعث الله يونس عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى أهل ” نِينَوَى ” من أَرض الْموصل، فَدَعَاهُمْ إِلَى الله عزوجل، فَكَذَّبُوهُ وَتَمَرَّدُوا عَلَى كُفْرِهِمْ وَعِنَادِهِمْ، فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ عَلَيْهِ مَنْ أَمْرِهُمْ خَرَجَ مِنْ بَيْنِ أَظْهَرِهِمْ، وَوَعَدَهُمْ حُلُولَ الْعَذَابِ بِهِمْ بَعْدَ ثَلَاثٍ. قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَمُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةُ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ: فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ بَيْنِ ظَهْرَانَيْهِمْ، وَتَحَقَّقُوا نُزُولَ الْعَذَابِ بِهِمْ قَذَفَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمُ التَّوْبَةَ وَالْإِنَابَةَ، وَنَدِمُوا عَلَى مَا كَانَ مِنْهُمْ إِلَى نَبِيِّهِمْ، فَلَبِسُوا الْمُسُوحَ وَفَرَّقُوا بَيْنَ كُلِّ بَهِيمَةٍ وَوَلَدِهَا، ثمَّ عجوا إِلَى الله عزوجل، وَصَرَخُوا وَتَضَرَّعُوا إِلَيْهِ، وَتَمَسْكَنُوا لَدَيْهِ، وَبَكَى الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ وَالْبَنُونَ وَالْبَنَاتُ وَالْأُمَّهَاتُ وَجَأَرَتِ الْأَنْعَامُ وَالدَّوَابُّ والمواشى، فرغت الابل وفصلانها، وخارت الْبَقر وَأَوْلَادهَا، وثغث الْغَنَمُ وَحُمْلَانُهَا وَكَانَتْ سَاعَةً عَظِيمَةً هَائِلَةً. فَكَشَفَ اللَّهُ الْعَظِيمُ بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ وَرَأْفَتِهِ وَرَحْمَتِهِ، عَنْهُمُ الْعَذَاب الذى كَانَ قد اتَّصل بهم سَببه، وَدَارَ عَلَى رُؤُوسِهِمْ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ.
وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ” فلولا كَانَت قَرْيَة آمَنت فنقعها إيمَانهَا ” أَيْ هَلَّا وُجِدَتْ فِيمَا سَلَفَ مِنَ الْقُرُونِ قَرْيَةٌ آمَنَتْ بِكَمَالِهَا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ ذَلِكَ، بَلْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ” وَمَا أرسلنَا فِي قَرْيَة من نبى إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافرون ” وَقَوْلُهُ: ” إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِين ” أَيْ آمَنُوا بِكَمَالِهِمْ.
وَقَدْ كَانُوا مِائَةَ أَلْفٍ لَا مَحَالَةَ. وَاخْتَلَفُوا فِي الزِّيَادَةِ: فَعَنْ مَكْحُولٍ عَشَرَةُ آلَافٍ. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ حَدِيثِ زُهَيْرٍ عَمَّنْ سَمِعَ أَبَا الْعَالِيَةِ: حَدَّثَنِي أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ قَوْلِهِ: ” وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ ” قَالَ: ” يَزِيدُونَ عِشْرِينَ أَلْفًا ” فَلَوْلَا هَذَا الرَّجُلُ الْمُبْهَمُ لَكَانَ هَذَا الْحَدِيثُ فَاصِلًا فِي هَذَا الْبَابِ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَانُوا مِائَةَ أَلْفٍ وَثَلَاثِينَ أَلْفًا، وَعَنْهُ: وَبِضْعَةً وَثَلَاثِينَ أَلْفًا، وَعَنْهُ وَبِضْعَةً وَأَرْبَعِينَ أَلْفًا. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: كَانُوا مِائَةَ أَلْفٍ وَسَبْعِينَ أَلْفًا
وَاخْتَلَفُوا: هَلْ كَانَ إِرْسَالُهُ إِلَيْهِمْ قَبْلَ الْحُوتِ أَوْ بَعْدَهُ؟ أوهما أُمَّتَانِ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ. وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا ذَهَبَ مُغَاضِبًا بِسَبَبِ قَوْمِهِ، رَكِبَ سَفِينَةً فِي الْبَحْرِ فَلَجَّتْ بِهِمْ، وَاضْطَرَبَتْ وَمَاجَتْ بِهِمْ وَثَقُلَتْ بِمَا فِيهَا، وَكَادُوا يَغْرَقُونَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُفَسِّرُونَ. قَالُوا: فَاشْتَوَرُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ عَلَى أَنْ يَقْتَرِعُوا، فَمَنْ وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْقُرْعَةُ أَلْقَوْهُ مِنَ السَّفِينَةِ لِيَتَخَفَّفُوا مِنْهُ. فَلَمَّا اقْتَرَعُوا وَقَعَتِ الْقُرْعَةُ عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ يُونُسَ فَلَمْ يَسْمَحُوا بِهِ، فَأَعَادُوهَا ثَانِيَةً فَوَقَعَتْ عَلَيْهِ أَيْضًا، فَشَمَّرَ لِيَخْلَعَ ثِيَابَهُ وَيُلْقِيَ بِنَفْسِهِ، فَأَبَوْا عَلَيْهِ ذَلِكَ. ثُمَّ أَعَادُوا الْقُرْعَةَ ثَالِثَةً فَوَقَعَتْ عَلَيْهِ أَيْضًا، فما إن نظروا اليه حتى لقوه قد صار سيدنا يونس في البحر.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ” وَإِن يُونُس لمن المرسليمن * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * فَسَاهَمَ فَكَانَ من المدحضين * فالتقمه الْحُوت وَهُوَ مليم “. وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْقُرْعَةُ أُلْقِيَ فِي الْبَحْر، وَبعث الله عزوجل حُوتًا عَظِيمًا مِنَ الْبَحْرِ الْأَخْضَرِ فَالْتَقَمَهُ وَأَمَرَهُ الله تَعَالَى أَن لَا يَأْكُل لَهُ لَحْمًا وَلَا يهشم لَهُ عَظْمًا فَلَيْسَ لَكَ بِرِزْقٍ، فَأَخْذَهُ فَطَافَ [بِهِ] الْبِحَارَ كُلَّهَا. وَقِيلَ إِنَّهُ ابْتَلَعَ ذَلِكَ الْحُوتَ حُوتٌ آخَرُ أَكْبَرُ مِنْهُ. قَالُوا: وَلَمَّا اسْتَقَرَّ فِي جَوْفِ الْحُوتِ حَسِبَ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ، فَحَرَّكَ جَوَارِحَهُ فَتَحَرَّكَتْ، فَإِذَا هُوَ حَيٌّ فَخَرَّ لِلَّهِ سَاجِدًا وَقَالَ: يَا رَبِّ اتَّخَذْتُ لَك السجدا [فِي مَوضِع] لَمْ يَعْبُدْكَ أَحَدٌ فِي مَثَلِهِ. وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي مِقْدَار لبئه فِي بَطْنِهِ. فَقَالَ مَجَالِدٌ عَنِ الشَّعْبِيِّ: الْتَقَمَهُ ضُحًى وَلَفَظَهُ عَشِيَّةً، وَقَالَ قَتَادَةُ: مَكَثَ فِيهِ ثَلَاثًا، وَقَالَ جَعْفَرٌ الصَّادِقُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ. وقيل اربعين يومًا والله أعلم
وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ لَمَّا جُعِلَ الْحُوتُ يَطُوفُ بِهِ فِي قَرَارِ الْبِحَارِ اللُّجِّيَّةِ، وَيَقْتَحِمُ بِهِ لُجَجَ الْمَوْجِ الْأُجَاجِيِّ (الملح) ، فَسَمِعَ تَسْبِيحَ الْحِيتَانِ لِلرَّحْمَنِ، وَحَتَّى سَمِعَ تَسْبِيحَ الْحَصَى لِفَالِقِ الْحَبِّ والنوى، وَرب السَّمَوَات السَّبْعِ وَالْأَرْضِينَ السَّبْعِ وَمَا بَيْنَهَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى. فَعِنْدَ ذَلِكَ وَهُنَالِكَ، قَالَ مَا قَالَ بِلِسَانِ الْحَالِ وَالْمَقَالِ، كَمَا أَخْبَرَ عَنْهُ ذُو الْعِزَّةِ وَالْجَلَالِ، الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ وَالنَّجْوَى، وَيَكْشِفُ الضُّرَّ وَالْبَلْوَى، سَامِعُ الْأَصْوَاتِ وَإِنْ ضَعُفَتْ، وَعَالِمُ الْخِفْيَاتِ وَإِنْ دَقَّتْ، وَمُجِيبُ الدَّعَوَاتِ وَإِنْ عَظُمَتْ، حَيْثُ قَالَ فِي كِتَابِهِ الْمُبِينِ، الْمُنَزَّلِ عَلَى رَسُولِهِ الْأَمِينِ، وَهُوَ أَصْدَقُ الْقَائِلِينَ وَرَبُّ الْعَالَمِينَ وإله الْمُرْسلين: ” وَذَا النُّون إِذْ ذهب ” [أَي إِلَى أَهله] ” مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ ونجيناه من الْغم وَكَذَلِكَ ننجي الْمُؤمنِينَ ” ” فَظن أَن لن نقدر عَلَيْهِ ” أَي نضيق عَلَيْهِ. وَقِيلَ مَعْنَاهُ: نُقَدِّرُ مِنَ التَّقْدِيرِ وَهِيَ لُغَةٌ مَشْهُورَةٌ، قَدَرَ وَقَدَّرَ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ. فَلَا عَائِدٌ ذَاكَ الزَّمَانُ الَّذِي مَضَى * تَبَارَكْتَ ; مَا تُقَدِّرْ يَكُنْ، فَلَكَ الْأَمْرُ ” فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ ” قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعَمْرُو بْنُ مَيْمُون وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَة وَالضَّحَّاك ; ظلمَة الْحُوتِ وَظُلْمَةُ الْبَحْرِ وَظُلْمَةُ اللَّيْلِ وَقَالَ سَالِمُ بْنُ أَبِي الْجَعْدِ: ابْتَلَعَ الْحُوتَ حُوتٌ آخَرُ فَصَارَت ظُلْمَةُ الْحُوتَيْنِ مَعَ ظُلْمَةِ الْبَحْرِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ” فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنه إِلَى يَوْم يبعثون ” قيل مَعْنَاهُ فلولا أَنَّهُ سَبَّحَ اللَّهَ هُنَالِكَ، وَقَالَ مَا قَالَ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّسْبِيحِ، وَالِاعْتِرَافِ لِلَّهِ بِالْخُضُوعِ، وَالتَّوْبَةِ إِلَى وَالرُّجُوعِ إِلَيْهِ، لَلَبِثَ هُنَالِكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَلَبُعِثَ مِنْ جَوْفِ ذَلِكَ الْحُوتِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ: ” فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ ” مِنْ قَبْلِ أَخْذِ الْحُوتِ لَهُ ” مِنَ الْمُسَبِّحِينِ ” أَيِ الْمُطِيعِينَ الْمُصَلِّينَ الذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
فَلَمَّا انْتَهَى بِهِ إِلَى أَسْفَلِ الْبَحْرِ سمع يُونُس حسا، فَقَالَ فِي نَفسه ماهذا؟ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ: إِنَّ هَذَا تَسْبِيحُ دَوَابِّ الْبَحْرِ. قَالَ فَسَبَّحَ وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ، فَسَمِعَتِ الْمَلَائِكَةُ تَسْبِيحَهُ فَقَالُوا: يَا رَبَّنَا إِنَّا نَسْمَعُ صَوْتًا ضَعِيفًا بِأَرْضٍ غَرِيبَةٍ! قَالَ: ذَلِكَ عَبْدِي يُونُسُ، عَصَانِي فَحَبَسْتُهُ فِي بَطْنِ الْحُوتِ فِي الْبَحْرِ. قَالُوا: الْعَبْدُ الصَّالِحُ؟ قَالَ فَشَفَعُوا لَهُ عِنْدَ ذَلِكَ، فَأَمَرَ الْحُوتَ فَقَذَفَهُ فِي السَّاحِلِ كَمَا قَالَ اللَّهُ: ” وَهُوَ سقيم “. وَقَدْ قَالَ ابْنُ أَبى حَاتِم فِي تَفْسِيره: حَدثنَا أَبُو عبد اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ [ابْنِ ] أَخِي وَهْبٍ، حَدَّثَنَا عَمِّي، حَدَّثَنِي أَبُو صَخْرٍ، أَنَّ يزِيد الرفاشى قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، وَلَا أَعْلَمُ إِلَّا أَنَّ أَنَسًا يَرْفَعُ الْحَدِيثَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ” إِن يُونُسَ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَ بَدَا لَهُ أَنْ يَدْعُوَ بِهَذِهِ الْكَلِمَاتِ وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ قَالَ: اللَّهُمَّ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إنى كنت من الظَّالِمين.
وَقد قَالَ الله تَعَالَى: ” فنبذناه ” أَيْ أَلْقَيْنَاهُ ” بِالْعَرَاءِ ” وَهُوَ الْمَكَانُ الْقَفْرُ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ شئ مِنَ الْأَشْجَارِ، بَلْ هُوَ عَارٍ مِنْهَا، ” وَهُوَ سقيم ” أَيْ ضَعِيفُ الْبَدَنِ. قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: كَهَيْئَةِ الْفَرْخِ لَيْسَ عَلَيْهِ رِيشٌ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالسُّدِّيُّ وَابْنُ زَيْدٍ: كَهَيْئَةِ الصَّبِيِّ [حِينَ يُولَدُ] وَهُوَ المنفوس لَيْسَ عَلَيْهِ شئ. ” وأنبتنا على شَجَرَة من يَقْطِين ” قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَوَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ وَهِلَالُ بن يسَاف وَعبد الله بن طَاوُوس والسى وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ وَعَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: هُوَ الْقَرْعُ. قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: فِي إِنْبَاتِ الْقَرْعِ عَلَيْهِ حِكَمٌ جَمَّةٌ ; مِنْهَا أَنَّ وَرَقَهُ فِي غَايَةِ النُّعُومَةِ، وَكَثِيرٌ وَظَلِيلٌ، وَلَا يَقْرَبُهُ ذُبَابٌ، وَيُؤْكَلُ ثَمَرُهُ مِنْ أَوَّلِ طُلُوعِهِ إِلَى آخِرِهِ، نيا وَمَطْبُوخًا، وَبِقِشْرِهِ وَبِبِزْرِهِ أَيْضًا. وَفِيهِ نَفْعٌ كَثِيرٌ وَتَقْوِيَةٌ لِلدِّمَاغِ وَغَيْرُ ذَلِكَ. وَتَقَدَّمَ كَلَامُ أَبِي هُرَيْرَة فِي تسخير الله تَعَالَى لخه تِلْكَ الْأُرْوِيَّةَ الَّتِي كَانَتْ تُرْضِعُهُ لَبَنَهَا وَتَرْعَى فِي الْبَرِّيَّةِ، وَتَأْتِيهِ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً. وَهَذَا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ بِهِ وَنِعْمَتِهِ عَلَيْهِ وَإِحْسَانِهِ إِلَيْهِ. وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ” فاستجبنا لَهُ فنجيناه من الْغم ” أَيِ الْكَرْبِ وَالضِّيقِ الَّذِي كَانَ فِيهِ ” وَكَذَلِكَ ننجي الْمُؤمنِينَ ” أَي وَهَذَا صنيعنا بِكُل من دَعَانَا وَاسْتَجَارَ بِنَا.
ولَمّا أصاب نبيّ الله يونس عليه الصلاة والسلام ما أصابه من ابتلاع الحوت له، علم عليه السلام أنَّ ما أصابه حصل له ابتلاء له بسبب استعجاله وخروجه عن قومه الذين أُرسل إليهم بدون إذن من الله تعالى، وعاد عليه الصلاة والسلام إلى قومه أهل نينوى في العراق فوجدهم مؤمنين بالله تائبين إليه منتظرين عودة رسولهم يونس عليه السلام ليأتمروا بأمره ويتبعوه، فَمَكَث عليه الصلاة والسلام مَعَهم يعلمهم ويرشدهم، ومتّعَ الله تعالى أهلَ نينوى في مدينتهم مدة إقامة يونس فيهم وبعده ءامنين مُطمئنين إلى حين، ثم لَمّا ضلوا بعد ذلك عن الصراطِ المستقيم الذي جاءهم به نبيُّهم وتولوا عن الإيمان دَمّرَ الله تعالى لهم مدينتهم وأنزل عليهم العذابَ وَصَارت مدينتهُم عِبرةً للمعتبرين، يقول الله تبارك وتعالى: ﴿وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ * فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ﴾ [سورة الصافات 147-148].
فائدة: كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يلتجىء إلى الله عند الكرب والغمّ والشدائد فكان يكثرُ الصلاة والدعاءَ ويكثرُ ذكرَ الله تعالى، فقد ثَبَت أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا أكربه أَمرٌ قال: “يا حيُّ يا قيُّوم برحمتِك أستغيث”.
وروى الحاكم في مستدركه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “دَعوةُ ذي النون إذ دعا ربَّه وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سُبْحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يَدْعُ بها رجل مُسلِمٌ في شىء قطُّ إلا استجاب لهُ” قال الحاكم أبو عبد الله: هذا صحيح الإسناد، ورواه الترمذي والنسائي.
وقال صلى الله عليه وسلم: “إني لأعلمُ كلمةً لا يقولُها مكروبٌ إلا فرّج الله عنه كلمة أخي يونس صلى الله عليه وسلم” ﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [سورة الأنبياء/87].
قال تعالى: ﴿وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ [سورة الصافات/139]، وروى البخاري وغيره بالإسناد عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى”.
ويقال: إن سيدنا يونس دفن على ساحل البحر قبل مدينة صيدا، وقيل: هذا الموضع الذي ألقاه فيه الحوت، والله أعلم بصحة ذلك.