مع كل استهداف لأحد قياديي داعش، يهلّل المجتمع الدولي، محتفلاً بنصره، ويعد العالم بقرب القضاء على هذا التنظيم الإرهابي. أبو عمر الشيشاني، أبو علي الأنباري العدناني، أبو مسلم التركماني، أبو ماريا العراقي… وأبو محمد العدناني الشامي، كلها قيادات تتباهى دول حلف الحرب على الإرهاب بالنجاح في “اصطيادها”، لكن هل قتل هذه القيادات يعني حقاً قرب القضاء على “داعش”؟
لا تأملوا كثيرًا
لا يبدو أن جواب المحللين المتخصصين في شؤون الإرهاب يلاقي ذاك الذي يسارع السياسيون إلى تبنيه تحت شعار “حرمان الجماعات من زعاماتها الإيديولوجية وقياداتها الميدانية”. ثمة آراء تشكك في قدرة هذه العمليات على التأثير بشكل كبير على عمل المنظمات الإرهابية. لم يظهر لدى هؤلاء المحللين ما يثبت أن سياسة “قطع الرؤوس” ناجحة في إضعاف التنظيم.
في مقابلة أجراها ماكس فيشر لصحيفة “نيويورك تايمز” مع أستاذة جامعة جورجيا جينا جوردان، تشير الأخيرة إلى عاملين يكشفان عدم تأثر الجماعات بالاغتيالات، أولهما الدعم الشعبي في بعض البلاد لهذه العقيدة (اي الوهابية) الذي يوفر لها حاضنة مضمونة لجذب المزيد من القيادات، كما تؤمن لها هذه الحاضنة أماكن الاختباء واللجوء وتسهيل الحركة. وفي إطار العامل الأول تقتضي الإشارة إلى أن معظم هذه القيادات تقتل داخل حاضنتها الشعبية ما يؤدي إلى حقد الأخيرة على القتلة أياً كانت هويتهم. أما العامل الثاني، فهو البيروقراطية في أكثر المجموعات الإرهابية، إذ تعمل وفق نظام الشركات التعاونية وبحسب قواعد إدارية وجداول رواتب.
يبدو أن التنظيم ما زال باستطاعته أن يدغدغ أهواء كثيرين لتسلم موقع قيادي فيه، في وقت يقول المحللون إنه مستقر إدارياً بشكل نسبي ويستطيع بسهولة تحمّل مقتل قياداته. هو يعمل وفق تراتبية إدارية وتوزيع مسؤوليات، إذ يوجد إلى جانب كل قائد نائب يدير الجهاز في حال تعطل جزء منه. وفي “نيويورك تايمز” أيضاً، يضرب أستاذ جامعة شيكاغو روبيرت بايب المثل بإسرائيل، التي “قضت عشرين عاماً مركزة جهدها على قتل زعماء الجماعات، ولم تجد النجاح المأمول”، فقطع رؤوس المنظمات ارهابية او غير ارهابية قد يربك عملياتها مؤقتاً، ولكن ليس لأجل طويل. ويذهب زميله دانيال بايمان إلى أبعد من ذلك فيعتبر أن “سياسة قتل القيادات قادت المنظمات الفلسطينية إلى تبني اللامركزية، ما جعل خطرها أكبر”.
العدناني “صيد ثمين”… ولكن
من ينتقد سياسة التهليل في الحرب على الإرهاب، لا يعني بالضرورة أنه يستخف بمقتل قيادي في سجله ما في سجل العدناني من اعتداءات دموية، سورياً وعربياً وعالمياً. العدناني يعرف بـ”المهندس الرئيسي” للهجمات التي ضربت دولاً عدة من باريس وبروكسل واسطنبول وبنغلادش ولبنان، وفي تجنيد الوهابيين مذ كان مع القاعدة في العراق مروراً بالنصرة وصولاً إلى استلامه منصباً قيادياً في داعش. هو المتحدث الرسمي باسم التنظيم، لكن مسؤولاً في وزارة الدفاع الأمريكية يقول إنه كان “أكبر بكثير” من مجرد متحدث، وتصفه دول غربية بـ”وزير الاعتداءات”. هو صاحب التسجيلات الصوتية الشهيرة وفيها الدعوة لقتال “الكفار” حول العالم، وهو “قارئ نهم” للفلسفة والشعر والقصص والفقه، بحسب زميله في داعش “تركي بن مبارك بنعلي”، وهو صاحب المنشورات المتعددة في شكل شعر منظوم أو نثر، منها كتاب “السلسلة الذهبية في الأعمال القلبية” و”معينة الحفاظ” الموجه لحافظي القرآن وقصيدة “القاعدي” للرد على بعض منتقدي “القاعدة”. والعدناني سوري من محافظة إدلب، انخرط في “الجهاد” حسب وصفهم منذ أوائل الـ٢٠٠٠ أي في عمر الـ٢٣ عاماً حين بايع أبو مصعب الزرقاوي ثم انتقل إلى العراق مع بدء الغزو الأمريكي في ٢٠٠٣، وسجن في العراق خمس سنوات بين عامي ٢٠٠٥ و٢٠١٠، لكنه استطاع “خداع” الأميركيين والخروج من السجن باسم مزور. يتفق الجميع على خطورة العدناني إذاً، لكن هل يتفقون على توصيف قتله بـ”الإنجاز النوعي” الذي يضرب “داعش” في مقتل؟ لا يبدو الأمر كذلك حتى من قبل باحثين ومراكز يُعرفون بالقرب من مراكز القرار الأمريكية والغربية. في أحد الأبحاث التي قادها، يحذر باتريك جونسون من معهد “راند” الأميركي من أن تكرار الغارات ضد الإرهابيين ليس كافياً لتحقيق الهزيمة. ثمة جانب آخر تغفله الحملة الدولية ضد الإرهاب، هو الجانب السياسي والجانب العقائدي. وعليه، لا يمكن التفرغ تقنياً لضرب الفروع، دون مقاربة جذور الخطاب السياسي والديني للإرهابيين. هنا يصبح الأمر بروباغندا إعلامية تصب في مصلحة الدول الكبرى وسياساتها، ولا تمنع بطبيعة الحال الخطر على المدنيين الذين يعيشون بالقرب من هذه الجماعات.
وماذا عن “الامبراطورية الإعلامية”؟
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
توسعت “إمبراطورية داعش الإعلامية”. قتلُ صحافيين، ذبح معتقلين، حرق الطيار الأردني… في تسجيلات مصورة على مستوى عال من الحرفية. كل ذلك كان للعدناني فيه البصمة الأكبر والدور التأسيسي. لعب العدناني كذلك دوره في تجنيد الشبان (والشابات) عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وفي إلهام الكثير منهم حول العالم في اتباع نهج التنظيم. كل ذلك، تعترف مجلة “فورين بوليسي” بخطورته وأهمية القضاء على مؤسسه. لكن، حسب المجلة، فإن البروباغندا الإعلامية للتنظيم بأذرعها المتعددة باتت من القوة بحيث أنها ستبقى بعد العدناني، وستتابع اللعب على الوتر المذهبي لدى ضعاف العقول وضعاف العلم المنتسبين لأهل السنة وعلى خوفهم من كل من يحيط بهم. هنا يلعب، بحسب المجلة، الدعم الشعبي دوراً بارزاً في الاستمرار على الرغم من مقتل القيادات. أكثر من ذلك، فإن قتله سيصبح أداة إعلامية جديدة للتنظيم لشد العصب واستقطاب التعاطف. وهذه ليست المرة الأولى التي تحاول فيها واشنطن أن تسكت البروباغندا الإعلامية للتنظيم، فقبل ذلك قتلت الجهادي جون، وقبله سمير خان المسؤول عن تحرير منشورات إنكليزية تمجد التنظيم، وكذلك قتلت المنظر الإرهابي أنور العولقي.
هنا نذكر ما قاله الكاتب والسياسي الفرنسي الشهير ريجيس دوبريه بعد الاعتداءات الفرنسية، عن صعوبة التغلب على “داعش” بالعسكر فقط. هذه التنظيمات تقاتل باسم الله، ولا يمكن للتحالف الدولي أن يقتل الله. هؤلاء يتغذون في شحذ النفوس على الدعاية العسكرية، وليس أفضل من قتل أحد منهم لتفعيل هذه الدعاية. ينتقد دوبريه الحرب ضد الإهاب بشكلها الحالي، ويقول هذا لا يعني أنه لا يمكن عمل شيء بل من المستحسن تغيير التكتيك العسكري وإلا فالدخول في حرب لا تنتهي مصيرها الفشل. فإذًا، الحل الوحيد والاجدى، هو التحذير من عقيدة ونهج هؤلاء، بدل اضعاف واسكات اصوات المعتدلين من اهل السنة والجماعة والذين هم على دراية وإلمام بالعقيدة الوهابية، ينبغي الافساح بالمجال للعلماء على نشر المفاهيم الصحيحة للعقيدة الاسلامية و التحذير شرقًا وغربًا من افكار ابن تيمية ومحمد بن عبدالوهاب والالباني وباقي مشايخ الوهابية.
العدناني يجيب عن السؤال؟
يقول مارتين شيلوف في صحيفة “الغارديان” البريطانية إن ١٠ قياديين رفيعي المستوى من مجلس الشورى والمجلس العسكري في “داعش” قتلوا في ضربات جوية في الأشهر الـ١٨ الماضية، إضافة إلى خسارة ما بين ٣٥ و٥٠ ألف مقاتل. لكن “الصوت الذي أشعل ظاهرة الذئاب المنفردة” (أي العدناني)، ترك وراءه أناساً جندهم وأعطاهم القوة، وهذا ما سيؤمن الاستمرار حتى بعد رحيله. ويوضح شيلوف أن من الصعب هزيمة الأيديولوجية في منطقة لم تمنح إلا القليل للطائفة السنية المحرومة من الناحية السياسية، ويحظى التنظيم بجاذبية حتى بين قطاعات وتجمعات لا تشاركه في رؤيته للإسلام. وعليه فإن “إرث العدناني سيكتب أبعد من بلدة الباب في شمال سوريا”، حيث قتلته الضربة الجوية.
يستذكر الكاتب في “الإندبندنت” باتريك كوكبرن ما قاله العدناني نفسه بعد مقتل الزرقاوي “هل تعتقدين، يا أميركا، أن النصر هو بقتل قيادي هنا أو هناك؟”. قد يحصل ذلك ويخيب ظن العدناني، لكن ليس في القريب العاجل، بحسب كوكبرن، الذي رأى أن التنظيم يستفيد من التوترات، على قاعدة حرب الذبابة مع الفيل. الذبابة لا تملك سوى أن تزعج الفيل لأنها لا تستطيع هزيمته، فيجن جنون الأخير لتستفيد هي من عدم اتزان حركته في تلك الأثناء، وكذلك يفعل “داعش”
لا تنسوا متابعتنا على الانستقرام