أثبت تطور العلم والطب أهمية نصائح النبي محمد صلى الله عليه وسلم للمساعدة على وقف انتشار الأوبئة والحد من العدوى، فلطالما استُخدم الحجر الصحي والنظافة الشخصية كوسائل لمحاربة الأمراض في التاريخ الإسلامي
أثار انتشار وباء
فيروس كورونا في العالم الفضول لمعرفة أصل الإجراءات التي اتبعتها جميع الدول
للوقاية منه والتخفيف من حدة انتشاره وأصل طرق تجنب العدوى واستخدام الحجر الصحي
والنظافة الشخصية للحد منها، وهو أمر يعيدنا البحث فيه إلى أصل تلك الوسائل التي اتُّبعت
في التاريخ الإسلامي، بخاصة في عصر النبي محمد صلى الله عليه وسلم والصحابة.
ومن أهم الوسائل التي اتبعتها دول العالم وأوصت بها
منظمة الصحة العالمية “التباعد الاجتماعي”، الذي عن
طريقه تُلغَى الأنشطة التي من شأنها تكوين مجموعات مزدحمة في نطاق محدد، و”الحجر
الصحي” الذي يعني عزل الشخص الذي قد يكون
على اتصال بأمراض معدية، وبهذا الشكل تقلل فترة العزلة احتمالية انتقال المرض
إلى الآخرين
الطاعون سبب للحجر الصحي
ودفع تفشي الطاعون والأوبئة في عصر الدولة الأموية ودولة المماليك المسلمين إلى اتباع وسائل
وقاية متعددة، وهو ما ذكره أكثر من 70 مؤلفاً متعلقاً بالأوبئة والأمراض في التاريخ الإسلامي، منذ القرن الحادي عشر الهجري وما قبله،
مثل كتاب”الطواعين” لابن أبي الدنيا.
وقد انتشر وباء الطاعون في حياة النبي
محمد صلى الله عليه وسلم في فارس سنة 6هـ، وسُمّي باسم ملكها شيرويه، ثم وقع طاعون “عمواس”،
سنة 18هـ، وسُمي
بهذا الاسم نسبة إلى قرية فلسطينية تقع على بعد نحو 28 كلم جنوب شرق يافا وهدمها الاحتلال
الإسرائيلي عام 1967م، وقال بشأنه “الطبري” في كتابه “تاريخ الطبري” إنه كان فناء للناس، إذ مات
بسببه 25 ألفاً، وكان من بينهم الصحابي أبو عبيدة بن الجراح وشرحبيل بن حسنة ويزيد
بن أبي سفيان ومعاذ بن جبل.
وذكر ابن عساكر في كتابه “تاريخ دمشق” نقلاً عن
أيوب السختياني، بشأن أشد الطواعين فتكاً، فقال: “لم يكن طاعون أشد من ثلاثة
طواعين: طاعون ازدجرد (وهو ملك فارسي توفي 651م)، وطاعون عمواس، والطاعون الجارف.
وأصاب أول طاعون بني إسرائيل، بعد
عصيانهم أوامر الله وتبديل كلماته، ويؤكده ما جاء في سورة البقرة: “فبدّل
الذين ظلموا قولاً غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا رجزاً من السماء بما
كانوا يفسقون”، وهو ما فسره الطبري بقوله: “أهلكهم الطاعون”، ورواه
البخاري في صحيحه، عندما سأل النبي عن الطاعون فقال: “الطاعون رجس أُرسل على
طائفة من بني إسرائيل، أو على من كان قبلكم، فإذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه
وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه”.
وصايا الرسول
ويقودنا هذا الحديث إلى تعاليم النبي
محمد صلى الله عليه وسلم ومبادئه في ما يخص العزل الصحي والحجر المنزلي، إذ منع الناس من الدخول
إلى البلدة المصابة بالطاعون، ومنع كذلك أهل تلك البلدة من الخروج منها، وكان حكم
الفرار من الزحف من كبائر الذنوب، فيما جعل للصابر فيها أجر الشهيد، وقال في حديث
آخر رواه أحمد: “الفارّ من الطاعون كالفارّ من الزحف، والصابر فيه كالصابر في
الزحف”.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
وروى البخاري في صحيحه: “حين وقع الوباء
بأرض الشام خرج الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه إليها، وعندما وصل إلى
أطرافها التقى أمراء الأجناد أبا عبيدة بن الجراح وأصحابه، فأخبروه أن الوباء قد
وقع بأرض الشام، فاستشار المهاجرين الأولين والأنصار ومشيخة قريش في الدخول إلى
الشام، فاختلفوا بين رأيين، إذ قال فريق منهم: قد خرجتَ لأمر ولا نرى أن ترجع
عنه، فيما رأى الفريق الآخر أن لا يُقدِم بقية الناس وأصحاب الرسول على هذا
الوباء”.
وكان قرار عمر بن الخطاب عدم الدخول
إلى الشام، “فقال أبو عبيدة بن الجراح: أفراراً من قدر الله؟ فقال عمر لو
غيرُك قالها يا أبا عبيدة نعم، نفرُّ من قدر الله إلى قدر الله، فجاء عبد الرحمن
بن عوف فقال: إن عندي في هذا علماً، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (إذا
سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه)، قال : فحمد الله عمر ثم انصرف، كما جاء في صحيح مسلم.
وتدل هذه الحوادث التاريخية على أهمية
العزل والحجر عند انتشار الأوبئة، إذ يتجلى الإعجاز النبوي في منع الشخص المقيم بأرض
الوباء الخروج منها وإن كان غير مصاب، فإن منع الناس من الدخول إلى أرض الوباء
قد يكون أمراً واضحاً ومفهوماً، ولكن العكس كان أمراً غير واضح، ولم تعرف الأسباب
إلا في العصور المتأخرة مع تقدم العلم والطب
ويحثّ عديد من الأحاديث النبوية
الصحيحة على النظافة، إذ اعتبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن “النظافة من الإيمان”، وقال في حديث آخر: “إذا استيقظ أحدكم
من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً، فإنه لا يدري أين باتت يده”