“من هم أهل السنة والجماعة؟” سؤال استحق طرحه بعد تنامي الإرهاب الذي تلطى تحت عباءة الإسلام، وتحديداً بعباءة “أهل السنة والجماعة”.
بهدف التعريف بهوية “أهل السنة والجماعة”، حشد المؤتمر الذي افتتحه شيخ الأزهر أحمد الطيب واستضافته العاصمة الشيشانية غروزني، كبار علماء ومفكري العالم الإسلامي من مصر وسورية والأردن والسودان وأوروبا.
أهل السنة والجماعة هم “الأشاعرة والماتريدية في الاعتقاد وأهل المذاهب الأربعة في الفقه، وأهل التصوف الصافي علمًا وأخلاقًا وتزكيةً”، هذا ما خلص إليه البيان الختامي للمؤتمر الذي استضافته الشيشان التي عرفت الإسلام قبل ألف عام، وتحوي على أحد أكبر مساجد أوروبا.
أخرج المؤتمر الوهابية السلفية من دائرة مذهب أهل السنة والجماعة، في موقف لم يكن جديداً على المستوى الديني، إلا أن الجهر به كان مقتصراً على الحلقات الدينية، لأسباب سياسية ومادية في غالبها. وهذا ما كان يجب فعله منذ زمن وقبل انتشار المذهب الوهابي الذي يحمل في طيّاته خطورة التشبيه والتجسيم في جهة و القتل والإرهاب المذموم في جهة أخرى. فلقد تصوّر الفكر الوهابي في صورتين تختلف بالشكل و لكنها في مضمونها نسخة طبق الأصل.
فالصورة الأولى هي صورة علماء الوهابية الذين يتصدرون شاشات التلفزة و الفضاء الإلكتروني الذين يدعون الى مكارم الأخلاق و التسلسل الى عقل المشاهد من خلال القصص الإسلامية و الفتاوى و المواعظ والفقه لبث سموم التشبيه والتجسيم و الإرهاب. فالتجسيم هو نسبة الجسم إلى الله سبحانه وتعالى و نسبة المكان والتحيّز في جهة إذ يحرص الداعي الوهابي إلى تثبيت عقيدة أن الله في السماء قاعد على العرش تعالى الله عمّا يقول الظالم الوهابي. فقد أجمع العلماء سلفًا وخلفًا على أن الله لا يشبه مخلوقاته و لا يجوز عليه أن يكون جسمًا أو قاعدًا كما يقعد البشر تعالى الله.
المشاركون في المؤتمر وصفوه بأنه “نقطة تحول هامة وضرورية لتصويب الانحراف الحاد والخطير الذي طال مفهوم “أهل السنة والجماعة” إثر محاولات اختطاف المتطرفين لهذا اللقب الشريف وقصره على أنفسهم وإخراج أهله منه”، في إشارة واضحة إلى الجماعات التكفيرية الوهابية المذهب السعودية الدعم.
وتوقف المؤتمر عند ضرورة “عودة مدارس العلم الكبرى”، كما حدد المؤسسات الدينية السنية العريقة بأنها الأزهر الشريف والقرويين والزيتونة وحضرموت، مستثنين بشكل واضح المؤسسات الدينية السعودية، على رأسها الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة.
لم تقتصر التوصيات على ذلك، ليأتي من ضمنها إنشاء قناة تلفزيونية للعمل على “توصيل صورة الإسلام الصحيحة”، كما أوصت “مؤسسات أهل السنة الكبرى – الأزهر ونحوه-بتقديم المنح الدراسية للراغبين في دراسة العلوم الشرعية”، وهي السياسات التي انتهجتها السعودية لإطلاق العنان للتكفير عبر القنوات المدعومة من قبلها كقناتي صفا ووصال، أو حتى من خلال استقدام الطلاب من العالم الإسلامي وتخريجهم كدعاة وهابيين بعد تقديم المنح والمساعدات المادية السخية لإغرائهم.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
ردة الفعل الوهابية على المؤتمر
لم يكن المؤتمر بحاجة إلى زوبعة إعلامية من قبل دعاة المملكة السعودية، لتبيان أن الهدف هو إعلان براءة “أهل السنة والجماعة” من الإنحرافات التي أدخلتها الوهابية بلبوسها الديني، والتي تمثلها المملكة السعودية بمشروعها السياسي.
“الدم بالدم والهدم بالهدم” كان الركيزة الأساس لتحالف محمد بن عبدالوهاب مع محمد بن سعود عام 1745 م، لا انفصام بين الوهابية الدينية والسعودية السياسية، لن تقوم الأولى بلا الثانية وليس مقدراً للثانية ان تستمر بلا الأولى، هذا ما تعهد به المحمدان، وهذا ما يبرر حمام الدم المفتوح منذ نشأة التحالف أو ما عُرف بـ “ميثاق الدرعية”الذي قاد إلى الدولة السعودية الأولى، والثانية، ووريثتهما الدولة السعودية الثالثة التي أسسها عبدالعزيز ابن سعود.
منذ العام 1932 (إعلان قيام المملكة السعودية بعد السيطرة على كامل أراضي نجد والحجاز)، كان العالم الإسلامي مفتوحاً أمام التمدد الوهابي-السعودي، استخدمت المملكة السعودية “الوهابية” كسلاح لتعزيز نفوذها في العالم الإسلامي الذي أخرجت أهاليه من دائرة الإسلام ما عدا من قال بما جاء به ابن عبدالوهاب. المنطق الديني الهش لم يكن وحده سلاح المملكة، بل دعمته أموال النفط التي أُنفقت على تحويل أبناء المسلمين إلى الوهابية، عن طريق المدارس الدينية أو المساجد التي أنشأتها المملكة حول العالم.
الصراعات السياسية شغلت دول العالم الإسلامي عن التغلغل الديني الناعم للوهابية في هذه الدول، ما سمح لاحقاً بنشأة الجماعات المتطرفة التي استخدمتها السعودية سياسياً، ووجدت نفسها في مواجهتها بعد أن فرّخت جماعات استفحلت في التطرف، وتفوقت على المملكة بإطلاق العنان للتكفير.
مؤخراً، طرق إرهاب التكفير أبواب أوروبا بعد أن استهدف الدول الإسلامية، الشيشان الأوروبية-الإسلامية استشعرت خطر تكفير يوظف أبناء المسلمين لقتل أبناء المسلمين. وعلى المستوى العالمي بدأ الحديث عن آليات مواجهة التكفير، حتى في داخل السعودية التي لاتزال ترعاه فكرياً ومادياً. وفي هذا السياق العالمي العام أتى مؤتمر الشيشان، إلا أن الجديد في المؤتمر كان الموقف الحازم المُعلن تلميحاً في تحميل الوهابية-السعودية مسؤولية التكفير والتشدد.
عبدالله بن مناس العلمي من سريلانكا تخرجت قل سنة