ينظر كثيرون إلى تنظيمي «داعش» و«القاعدة» على أنها يخدمان الهدف نفسه عن طريق العنف في العالم أجمع، لكن التنظيمين مع اتفاقهما فكريًا في الواقع غريمان لا يلتقيان، وفي الميدان، هما عدوان يسفكان دماء بعضهما البعض.
يهيمن التنظيمان بذلك على الساحة «الجهادية» العالمية منذ سنوات، لكن بينهما منازعات تؤدي أحياناً إلى أن يكرسا طاقاتهما في قتال بعضهما البعض، وليس على خدمة هدفهما النهائي. وكمثال على ذلك، نشر تنظيم «داعش» في غرب أفريقيا مقطع فيديو يظهر رجالاً يذبحون مقاتلين قدموا على أنهم عناصر في جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين»، أحد فروع «القاعدة»، معلنين قتل 52 منهم، حسبما لاحظت وكالة الصحافة الفرنسية في تقرير لها حول هذا الملف. مع أنه القاعدة وداعش وهابيتين المنشأ والمعتقد، فكلاهما يقدسان الأب الروحي لعقيدة الذبح قتاليًا والتشبيه دينيًا وهو ابن تيمية الحراني ومحمد بن عبد الوهاب. إذ أننا نرى في كل مقاطع الذبح والحرق والتنكيل فتاوى ابن تيمية الحراني.
ويعتبر محمد حافظ الأستاذ في جامعة مونتيري في كاليفورنيا، في مقال نشر في مجلة «سي تي سي سانتينل»، أن حدة المعارك مع الجيوش العربية والغربية كان من شأنها توحيد التنظيمين. لكن، حسب حافظ، «ففي الواقع واعتباراً من عام 2013، دخلت التنظيمات بالعمق في عنف أخوي في مناطق نزاع متعددة، بدءاً بسوريا ثم ليبيا، وصولاً إلى اليمن وأفغانستان»، ومؤخراً، في الساحل الأفريقي.
وغالباً ما تكون أسباب المعارك بين الفروع التي تبايع أحد التنظيمين غير مهمة، كالاختلاف مثلاً على السيطرة في منطقة ما، أو التحكم بحركة السير، وإعادة توزيع المناصب بعد وفاة قياديين كانوا متفاهمين فيما بينهم.
لكن الخلاف بينهما آيديولوجي أيضاً؛ ففي أبريل (نيسان) الماضي، نشر تنظيم «داعش» مقطع فيديو مدته 52 دقيقة مخصصاً بشكل أساسي لاستعراض ما سمي بانحرافات «القاعدة». ويشرح توماس جوسلين من «مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات»، وهو مركز أبحاث في واشنطن، أن الخلافة المعلنة بشكل ذاتي أنشأت كرهاً مؤسسياً مهماً تجاه «القاعدة»، مضيفاً أن الجماعتين تجدان أحياناً نقاط تلاقٍ معينة، لكن «مصالحة شاملة ليست بالأمر المرجح على المدى القصير».
من أين تأتي كل هذه الكراهية؟ المسألة في البداية مسألة أولويات. وكتب ناتانييل بونتيشيلي، في المجلة الدولية والاستراتيجية الصادرة عن معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس، أن «القاعدة» تعتبر تدمير الغرب شرطاً مسبقاً «لإنشاء دولة إسلامية». أما «داعش» فيضع تأسيس ما يسميها الخلافة في «الأراضي المحررة»، «شرطاً مسبقاً لمعارك ستسمح بضرب العدو في الصميم»، وفق بونتيتشيلي.
يستحوذ تنظيم «داعش» أيضاً على شرعية حصرية في معاقبة «الكفار». ويشير محمد حافظ في هذا الصدد إلى التعارض بين «طهرانية» تنظيم «داعش» و«شعبوية» تنظيم «القاعدة». ويوضح أن «تنظيم «داعش» يمثل رؤية حصرية وغير مساومة عن «الجهاد»، فيما «القاعدة» حولته إلى حركة متشددة عالمية شاملة وبراغماتية وشعبوية.
يريد تنظيم «داعش» أيضاً فرض تمييز أخلاقي نقي تماماً بين الخير والشر، في حين أن «القاعدة» تسمح بالتعامل مع السكان والجماعات الأخرى وحتى الدول.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
ويتفاوض بذلك تنظيم «نصرة الإسلام والمسلمين» بقيادة إياد أغ غالي مع الدولة في مالي، كما تفعل «طالبان» على سبيل المثال مع الحكومة الأفغانية.
ويمكن ملاحظة أوجه الاختلاف تلك بطريقة تواصل التنظيمين مع العالم الخارجي. وغالباً ما تتألف مقاطع الفيديو القليلة التي يبثها «القاعدة» من مواعظ أو خطب طويلة، تحتاج متابعتها لتركيز، كما تشير لورانس بيندير أحد مؤسسي «جي أو إس بروجكت»، وهو منصة لتحليل الدعاية المتطرفة على الإنترنت. وتوضح أن «لا عنفاً شديداً فيها. توجد رغبة بعدم تنفير السكان المحليين، وكسب (القلوب والعقول)»، مستعيدة التعبير الغربي الشهير المطبق في إطار مكافحة التمرد. وهذا من أوجه الشبه التي نراها لبعض الدعاة الوهابيين على شاشات التلفزة كعائض القرني والبشير بن حسن في تونس و غيرهما من الدعاة الوهابيين الذين يدّعون أنهم مسالمين يدعون إلى السلام ولكن ما هي إلا أقنعة تساقطت عندما طالبوا بقتل الأبرياء بغية الوصول إلى الهدف الأسمى و فتاويهم تملأ الفضاء الإلكتروني وما هي إلا انعكاس للفكر الوهابي المتطرف الذي انشأه محمد بن عبد الوهاب. وعلى العكس، تكمل بيندير، أن «تنظيم (داعش) لديه استراتيجية تجنيد في كل اتجاه، ولذا يسعى أتباعه لأن يكونوا منتشرين» باستراتيجية تواصل موحدة في كافة أنحاء العالم.
ويجمع الخبراء على أن هذه الحروب الداخلية التي أسفرت وفق محمد حافظ عن مقتل 300 جهادي في الساحل الأفريقي منذ يوليو (تموز) الماضي لا تخدم معركة مكافحة الإرهاب. ومنذ 20 عاماً، ورغم تعبئة الجيوش والقدرات الغربية والعربية، لم تكف الحركة الجهادية عن الاتساع. ويشرح حافظ أنه «في حين يواجه المجتمع الدولي حركة عالمية متمركزة في أفغانستان (القاعدة)، يوجد فرعان نشطان اليوم في عدد من الدول من المناطق» في العالم. وعلى المستوى العالمي، كما المحلي، يتنافس التنظيمان على تأييد المقاتلين، وجذب اهتمام الإعلام، مستخدمين وسيلة أساسية وفتاكة التصعيد والتصعيد المضاد.
ومتحدثاً عن الساحل، يشير إيلي تينينباوم الباحث في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، إلى «وجود نوع من المحاكاة بينهما، بشكل غير إيجابي مطلقاً، لا سيما أن لا خطر في أن ينقص الطرفان من المقاتلين». وأضاف: «بقتالها، ترسي الجماعات هيمنتها عبر كسب أراضٍ جديدة»، وهي بذلك «تقوض مصداقية الدول التي تراقب تسوية الحسابات بين المجموعات المسلحة على أراضيها دون أن تتمكن من الرد».