عن عَبْد اللهِ بْن عَمْرٍو قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَطُوفُ بِالْكَعبَةِ وَيَقُولُ (مَا أَطْيَبَكِ وَأَطْيَبَ رِيحَكِ. مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ. وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بَيَدِهَ لَحُرْمَةُ الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ الله حُرْمَةً مِنْكِ. مَالِهِ وَدَمِهِ، وَأَنْ نَظُنَّ بِهِ إلَّا خَيْرًا)، رواه ابن ماجه.
ففي هذا الحديث يبين لنا النبي صلى الله عليه وسلم أن حرمة المؤمن عند الله لها مرتبة عالية وعظيمة أعظم من حرمة الكعبة. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “كسر عظم المؤمن ميتا ككسره حيا” رواه البيهقي. فلا يجوز كسر عظم المؤمن حيا كان أو ميتا، ولا يجوز الانتفاع بأجزاء بني ءادم كشعره، حتى المرأة لا يجوز أن تصل شعرها بشعر ءادمي ذكر أو أنثى، لحديث “لعن الله الواصلة والمستوصلة”. متفق عليه [البخاري ومسلم] والأربعة [أبوداود، الترمذي، النسائي، ابن ماجه] ورواه أحمد في مسنده عن ابن عمر رضي الله عنهما. وعلى هذا فقهاء الأمة الإسلامية.
1- فقد قال الشيخ زكريا الأنصاري الشافعي في شرحه على روض ابن المقري ممزوجا مع المتن في الجزء الأول ص 173 ما نصه “(فرع وصل الشعر) من الآدمي (بشعر نجس أو شعر ءادمي حرام) مطلقا للخبر السابق -يعني لعن الله الواصلة والمستوصلة- وللتغرير وللتعرض للتهمة، ولأنه في الأول مستعمل للنجس العيني في بدنه كالإدهان بنجس والامتشاط بعاج -أي عاج الفيل لا عاج السمك- مع رطوبة، وأما الثاني لأنه يحرم الانتفاع به وبسائر أجزاء الآدمي لكرامته، (وكذا شعر غيرهما)”. انتهى
ثم قال الشيخ زكريا الأنصاري ما نصه “(و) يحرم (تجعيده) أي الشعر (ووشر الأسنان) أي تحديدها وترقيقها للتغرير وللتعرض للتهمة فيهما وللخبر السابق في الثاني، (والخضاب بالسواد) لخبر “يكون قوم يخضبون في ءاخر الزمان بالسواد كحواصل الحمام لا يريحون رائحة الجنة” رواه أبو داود وغيره، (وتحمير الوجه) بالحناء أو نحوه، (وتطرف الأصابع) به مع السواد للتعرض للتهمة (إلا بإذن زوج أو سيد) لها في جميع ما ذكر”. انتهى
وقال أيضا “(ويحرم) على المرأة (التنميص) فعلا أو سؤالا لخبر الصحيحين السابق إلا بإذن زوج أو سيد (وهو الأخذ من شعر الوجه والحاجب) للحسن”. ثم قال: “وخرج بالمرأة الرجل والخنثى فيحرم عليهما الخضاب إلا لعذر كما سيأتي في باب العقيقة مع زيادة ، (ولا بأس بتصفيف شعرها) كشعر الناصية والأصداغ”. انتهى
ففي هذا الكلام بيان صريح في تحريم الانتفاع بأجزاء الآدمي لحديثي رسول الله صلى الله عليه وسلم “لعن الله الواصلة والمستوصلة” و “المؤمن أعظم حرمة عند الله من الكعبة”، فلا يجوز أخذ شىء من جسم الآدمي ونقله إلى آدمي آخر لينتفع به. وما يقال عنه اليوم بما يسمى التبرع بالأعضاء فهذا حرام ولو أشار بذلك ألف طبيب لأنه مخالف للدين ومخالف للشرع الحنيف، فقد قال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم “كسر عظم المؤمن ميتا ككسره حيا” ،رواه الإمام أحمد والشافعي وأبو داود وابن ماجه والبيهقي وصححه ابن حبان. ومعنى هذا الحديث أن الميت المؤمن يحترم حيا ويحترم ميتا، فلا يجوز كسر عظمه وهو ميت لأن حرمته ما زالت ولا تذهب الحرمة عنه إذا مات، ولهذا أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله “ككسره حيا”.
فإن كان بوصل الشعر يحرم فكيف بسائر الأعضاء؟! فهو حرام من باب أولى، وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم “كسر عظم المؤمن ميتا ككسره حيا”، معناه حرام ككسره وهو حي.
2- وفي كتاب “أحكام القرءان” للإمام أبي بكر الرازي الجصاص قال في الجزء الخامس ص 371 ما نصه “قال أبو بكر وهذا يدل على وجوب مواراة الميت ودفنه”. ثم قال: “وهذا يدل على أن شعره وشيئا من بدنه لا يجوز بيعه ولا التصرف فيه قال النبي صلى الله عليه وسلم “لعن الله الواصلة” وهي التي تصل شعر غيرها بشعرها، فمنع الانتفاع به”. إلى آخر كلام الإمام الرازي.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
3- وفي كتاب “بحر المذهب في فروع مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه” للإمام الشيخ أبي المحاسن عبد الواحد بن إسماعيل الرُّوياني المتوفى سنة 502 للهجرة قال في الجزء الثاني ص 335 ما نصه: ” مسألة: قال: ولا يصل ما انكسر من عظمه إلا بعظم ما يؤكل لحمه كما في الحاوي للإمام الماوردي فصل: وهذا كما قال: إذا انكسر عظمه فاحتاج أن يرقعه بعظم نظر فإن رقعه بعظم طاهر ، وهو عظم ذكي يؤكل لحمه جاز، ولذلك إذا انقلعت سنه فجعل مكانها سن حيوان يؤكل لحمه ذكيا جاز، إن أراد أن يرقعه بعظم نجس، وهو عظم كلب أو خنزير أو عظم ميتة لم يخل من أحد أمرين، إما أن يكون مضطرا إليه أو غير مضطر، فإن كان مضطرا إليه بأن لم يجد غيره جاز له وإن لم يكن مضطرا إليه لم يجز أن يرقعه به”. انتهى
وقال أيضا “مسألة: قال: ولا تصل المرأة شعرها بشعر إنسان ولا بشعر ما لا يؤكل”. ثم قال: “والأصل في كراهة الوصل ما روي أن امرأة قالت “يا رسول الله إن ابنتي أصابتها علة فتمزق شعرها ، أفلا أصل فيه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم “لعنت الواصلة والمستوصلة”. ثم قال “أراد بالواصلة واصلة الشعر ، والمستوصلة طالبة الوصل”. انتهى
4- وفي كتاب “الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه” للإمام أبي الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي البصري الشافعي قال الجزء الثاني ص 254 ما نصه “مسألة: ولا تَصِل ما انكسر من عظمه إلا بعظم ما يؤكل لحمه ذكيا فإن رقعه بعظم ميتة أجبره السلطان على قلعه فإن مات صار ميتا كله والله حسيبه”. انتهى
ثم قال الإمام الماوردي ما نصه “لا يجوز للمرأة أن تصل شعرها بشعر نجس بحال وسواء في النهي شعور الآدميين وشعور ما لا يؤكل لحمه من الحيوان أو غير ذلك من الشعور النجسة لما على المصلي من اجتناب الأنجاس. وقد روت فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر أن امرأة قالت: يا رسول الله إن ابنتي أصابها الحصباء فتمزق شعرها أفأصله؟ قال “لا لعنت الواصلة والموصولة” رواه البخاري”. انتهى
5- وفي كتاب “نهاية المطلب في دراية المذهب” للإمام أبي المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني الشافعي قال في الجزء الثاني ص 316 ما نصه: “وأما وصل المرأة شعرها بشعر امرأة أو رجل ، فقد قال – أي الشافعي- “والذي إليه الرجوع في ذلك وهو معتمد الفصل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال “لعن الله الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة ، والواشرة والمستوشرة” ، وقال ابن مسعود “ألا ألعن من لعنه الله في كتابه ، لعن الله الواصلة، فرجعت امرأة وقرأت القرآن، فلم تجد ذلك فرجعت إلى ابن مسعود وقالت: قرأت ما بين الدفتين فلم أجد ما قلت. قال: لو قرأتيه لوجدتيه، ألم تسمعي الله تعالى يقول “وما ءاتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا”، ثم روى عن النبي صلى الله عليه وسلم اللعن، وساق الحديث. واللعن من أظهر الوعيد، وما اتصل الوعيد به اقتضى التحريم في النهي والإيجاب في الأمر”. انتهى كلام الإمام الجويني.
فإذا كان هذا في مسألة الوصل بالشعر فكيف بأخذ بعض أعضاء الآدمي كالعين أو الكلية أو الكبد أو القلب أو شيئا من العظام أو الأعضاء الأخرى فهو أشد حرمة من باب أولى. والعاقل هو من يقف عند حد الشرع ولا يتعدى حدود الله فيهلك نفسه اتباعا للهالكين الجاهلين الذين يفتون بحل هذا الأمر بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير.
6- وفي كتاب “المهمات في شرح الروضة والرافعي” للإمام الشيخ العلامة جمال الدين عبد الرحيم الأسنوي الشافعي قال في ص 144 الجزء الثالث في باب الصلاة ما نصه “والأصل فيه ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “لعن الله الواصلة والمستوصلة” -الى آخر الحديث-“. ثم قال “فرع: وصل المرأة شعرها بشعر نجس أو شعر آدمي حرام قطعا”. ثم قال “فأما شعر الآدمي فحرام لأن من كرامته أن لا ينتفع بشىء منه بعد انفصاله عنه بل يدفن”. انتهى
7- وفي كتاب “العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير” للإمام أبي القاسم عبد الكريم ابن محمد بن عبد الكريم الرافعي القزويني الشافعي المتوفى سنة 623 للهجرة قال في الجزء الثاني كتاب الصلاة ص 13 ما نصه “قال الغزالي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لعن الله الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة والواشرة والمستوشرة”، وعلة تحريم الوصل أن الشعر إما أن يكون نجسا أو شعر أجنبي لا يحل النظر إليه وإن كان مبانا على أحد الوجهين فإن كان شعر بهيمة ولم تكن المرأة ذات زوج فهي متعرضة للتهمة، وإن كانت ذات زوج فهي ملبسة عليه، وإن كان بإذن الزوج لم يحرم على أقيس الوجهين وفي تحمير الوجنة تردد في إلحاقه بالوصل”. انتهى
8- وفي كتاب “حواشي الشرواني وابن قاسم العبادي على تحفة المحتاج بشرح المنهاج” في الجزء الثاني ص 355 في باب شروط الصلاة قال العبادي ما نصه: “فقد نصّ -أي الشافعي- في المختصر بقوله: ولا يصل إلى ما انكسر من عظمه إلا بعظم ما يؤكل لحمه ذكيا ويؤخذ منه أنه لا يجوز الجبر بعظم الآدمي مطلقا فلو وجد نجسا يصلح وعظم آدمي -أي الكافر- كذلك وجب تقديم الأول”. انتهى كلام العبادي
9- ومثل ذلك تماما في كتاب “الغرر البهية” للإمام الشيخ زكريا بن محمد الأنصاري المتوفى سنة 926 للهجرة في شرح منظمة البهجة الوردية لعمر بن مظفر بن عمر بن وردي المتوفى 749 للهجرة ومعه حاشية الشيخ عبد الرحمن الشربيني المتوفى سنة 1326 للهجرة وحاشية الإمام ابن قاسم العبادي المتوفى سنة 922 للهجرة مع تقرير الشيخ عبد الرحمن الشربيني عليها الجزء الثاني باب الصلاة ص 282-283. انتهى
10- وفي كتاب “كفاية النبيه شرح التنبيه” للإمام أبي العباس نجم الدين احمد بن محمد بن الرفعة المتوفى سنة 710 للهجرة قال في المجلد الثاني في كتاب الصلاة ص 516 ما نصه “فرع: يقرب من ما نحن فيه إذا وصلت المرأة شعرها بشعر نجس على قولنا بنجاسة الشعور -والمعتمد أن شعر الآدمي المنفصل عنه ليس نجسا- وجب عليها نزعه أمة كانت أو حرة، خلية من زوج أو متزوجة. نعم لو كان الشعر شعر حيوان طاهر غير الآدمي فهل يجوز لها ذلك؟ ينظر”. انتهى
وانظر إلى قوله “نعم لو كان الشعر شعر حيوان طاهر” فعن هذا يقول إن فيه نظر وأما شعر الآدمي حتى على قول من قال بنجاسته بعد انفصاله ليس لها أن تصل به ويجب عليها نزعه.
11- وقال المحدث الشيخ أبو الفضل عبد الله بن محمد بن الصديق الغماري الحسني قال ما نصه “لا يجوز نقل عضو من ميت إلى حي، أما نقل عضو من ميت فور موته كعين أو كلوة إلى مريض فهذا مما ضاع عند الأطباء الأوربيين وقلدهم فيه أطباء المسلمين وهو خطأ كبير لأن الدين الإسلامي يحترم المسلم الميت، ولا يجيز نقل عضو منه إلى غيره كيفما كانت الأسباب ولو أوصى المسلم قبل موته بأن ينقل عضو منه لمصلحة مريض لا تنفذ وصيته لأن أعضاءه ليست ملكا له فلا يملك التصرف فيها، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن المسلم فيه ثلاثمائة وستين مفصلا وأنه ينبغي له كل مطلع شمس أن يقدم صدقات بعددها شكرا على إنعام الله بها عليه، وأنه يقوم مقام الصدقات طاعات أخرى كالتسبيح والتحميد والتكبير والتهليل بعددها، ذلك أن الأعضاء ملك لله تعالى لا يجوز إزالة عضو منها إلا إذا كان به مرض يخشى أن يتسرب منه إلى بقية الأعضاء فيجب بتره حفظا لها وإبقاء عليها. وقد ظهرت الآكلة في رِجل عروة بن الزبير أحد فقهاء المدينة وعلمائها وأخبره الأطباء أن رجله إذا لم تقطع فسيسري المرض إلى غيرها فقطعها. وبعض المتحذلقين يسوغ نقل عضو من ميت إلى حي بقوله: الحي أفضل من الميت ، وهذا قول باطل ، فإن الصالح الميت أفضل من الفاسق الحي ، والعادل الميت أفضل من الظالم الحي، فنقل العضو من الميت حرام، وتزداد الحرمة إذا نقل من مسلم إلى كافر”.
وقال المحدث الغماري أيضا “لا يجوز تشريح جسد ميت مسلم، لا يجوز تشريح جسد ميت مسلم للتدريب أو لغيره من الأسباب، والذين أفتوا بجواز تشريحه مخطئون متساهلون لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال “كسر عظم الميت ككسره حيا” رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها”.
وهذا يؤكد بطلان ما ادعاه صفوت جودت أحمد من أن جمهور الفقهاء على جواز التبرع بالأعضاء وادعى أن هذا هو الرأي الراجح، فأين هم هؤلاء الجمهور من الفقهاء الذين ادعى صفوت أنهم أباحوا التبرع بالأعضاء؟ ومن الذي أخبره بأن هذا هو القول الراجح مع وجود أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ونصوص العلماء؟ هل لمجرد فتوى وجدها في مجلة أو تكلم وكيل وزارة الأوقاف المصرية “منصور عبيد” في ذلك صار هذا هو قول الجمهور وهو الراجح عنده؟ لا يقول ذلك محقق في العلم.
وادعى “صفوت جودت أحمد” أن حديث رسول الله “كسر عظم الميت ككسره حيا”، دليل على أن للميت حرمة وكرامة فلا يتعدى شخص آخر على جسم هذا الميت بكسر عظمه لغير مصلحة وكذلك بغير إذن من الميت، أو ورثته أو الولي فهذا فيه ابتذال ومهانة لغير مصلحة راجحة، هذا ما ادعاه صفوت.
ونقول له: ألستَ قلتَ:إن للميت حرمة وكرامة ككرامة الحي؟ فإذا أجزت أن يكسر عظم الميت وتؤخذ أعضاؤه ويقطّع بدنه فبزعمك هذا جائز أيضا في الحي ، فكرامته وحرمته واحدة حيا أو ميتا!! ولماذا كان من الواجب في دين الإسلام على طريق الكفاية القيام بتغسيل الميت المسلم وتكفينه والصلاة عليه ودفنه؟ وعلى زعمك يا صفوت أن الإنسان الميت صار لا كرامة له ليفعل به ذلك، وهذا خلاف ما شهدت به أنت على نفسك وخلاف حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالعبرة بما قرره الشرع الشريف وما اتفقت الأمة عليه، وليس بقول معاصر أو ورّاق صَحَفي، أو مقالٍ في صحيفة يخرق الإجماع أو يترك الشرع أو يعتبر قولهم هذا هو الراجح وأنه قول الجمهور كما زعمت في مقالتك هذه في رسالتك التي أسميتها “أجوبة هامة في الطب” ، فالحق أحق أن يتبع، وقال أهل العلم: (البسيط)
وليس كل خلاف جاء معتبرا إلا خلاف له حظ من النظر
فقول هؤلاء الذين ذكرتهم واحتججت بهم كالعدم، لا وَزْنَ له في ميزان الشرع !! أَلا فليعرف ذلك العقلاء، فلا يجوز شرعا إجراء ما يسمى التبرع بالأعضاء ولو كان برضى الإنسان نفسه أو بوصيته قبل وفاته ليفعل به ذلك بعد موته. فإن جسده ليس ملكا له ولا لورثته.
وكذلك يحرم ما يسمى بيع الأعضاء فالتبرع والبيع في شريعة الله تعالى لهما شروط وأحكام ، وكيف يبيع الإنسان ويتبرع بما لا يملكه شرعا؟ فالإنسان لا يملك جسده ولا يملك أعضائه إنما هو مأمور بأداء الواجبات واجتناب المحرمات وملزم بالعمل بما أمر الله به وأن يجتنب ما نهى الله عنه، قال الله تعالى [لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ] {البقرة:286} وقال: [وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا] {الإسراء:36} فالإنسان لا يجوز له أن يتعدى الحدود التي وضعها الله له، ومن ذلك تجنب معاصي العين واللسان واليد والرجل والفرج والبطن والقلب والبدن، فإذا كان لا يجوز له أن ينظر نظرة محرمة ولو كان ذلك برضى المرأة التي ينظر إليها ولا أن يتكلم بكلام محرم لو كان ذلك بإذن الشخص الذي يخاطبه ولا أن يستعمل يده في معصية ولو كان ذلك برضى نفسه ورضى من يستعمل يده في معصية معه كمصافحة المرأة الأجنبية المحرمة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم “لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له”. رواه الطبراني، قال الحافظ الهيثمي في «مجمع الزوائد»: «رجاله رجال الصحيح»اهـ ، وقال المنذري في «الترغيب والترهيب»: «رواه الطبراني والبيهقي، ورجال الطبراني ثقات رجال الصحيح» اهـ. وحسنه الحافظ ابن حجر وغيرهم. وفي صحيح مسلم “وزنا اليد البطش” أي الأخذ. وفي مسند أحمد ومستدرك الحاكم “واليد زناها اللمس”. ولا يجوز له أن يمشي برجله إلى معصية ولو كان ذلك برضى منه وفرح وبرضى ممن يمشي إليها ليعمل معها الفاحشة أو مقدماتها. فمَنْ قال:إن الحرام ينقلب حلالا إذا كان بإذنه ورضاه أو بإذن الطرف الآخر كالتي يزني بها مثلا ؟!!! ، فإذا كانت هذه الأمور المحرمة وغير الجائزة لا يجوز له أن يستعمل أعضائه فيها فكيف ببتر وقطع ونقل هذه الأعضاء ولو كان ذلك برضاه ووصية منه إن كان في حياته أو بعد مماته فهو حرام من باب أولى لأنه خالف أوامر ربه وعصاه وتجاوز الحد الذي وضعه له.
فلا يلتفت بعد أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ونصوص علماء الإسلام المعتبرين إلى قول من خالف في هذا من المعاصرين ولو كانوا ألف كاتب وصحفي ودكتور وطبيب أو مدير جامعة أو وزير أوقاف أو مفتي دولة، فالشرع هو الذي يحكمنا ولسنا نحن نحكمه، وهو الذي فوقنا ولسنا نحن فوقه، وهو الذي يهذب نفوسنا، ومن عمل به فاز ونجا ومن خالفه خاب وخسر.
قال عليه الصلاة والسلام “لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به” أخرجه الحسن بن سفيان وغيره، قال الحافظ ابن حجر: ورجاله ثقات، وقد صححه النووي في آخر الأربعين، وقال عليه الصلاة والسلام “حُبُّكَ لِلشىء يُعْمِي وَيُصِمُّ”، رواه أحمد في مسنده والبخاري في التاريخ وأبو داود عن أبي الدرداء، وحسنه السيوطي. فلا بد أن تكون أهواؤنا ونفوسنا متبعة للشرع لنكون من الفائزين الناجين لأن الله تعالى قال [قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ] {آل عمران:31}، وقال سبحانه [وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الهَوَى فَإِنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأْوَى] {النَّازعات: 40 – 41}.
والله يقول الحق ويهدي إلى الصواب والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه …. من كتاب فصل الكلامِ في أن إجهاضَ الجنينِ الحي وإحراق النفس وما يسمى تأجير الأرحامِ والتبرعُ بالأعضاءِ إثمٌ وحرام