قال الله تعالى {ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين}. سورة الأحزاب. أما بعد، فقد شغف المغرضون من المستشرقين كعادتهم في التفتيش على ما يظنونه أو يتوهمونه باباً للطعن والافتراء على الإسلام ونبيه عليه السلام فجعلوا من تعدد زوجات النبي المصطفى عليه السلام مناسبة لهذا الطعن والافتراء. فنقول لهم: إذا نظرنا إلى دعوة النبي عليه السلام، والى الدولة التي أقامها وأسسها، وإلى ما صنعه هذا النبي العظيم في حياته، وإلى هذه الدولة الإسلامية التي امتدت من الصين إلى المغرب، فبعد هذا من الذي يقول إن هذا عمل رجل مشغول، وان الذي شغله المرأة؟ ومن الذي تفرغ لعمل عظيم وبلغ فيه ما بلغ محمد عليه السلام في مسعاه؟ فهل بعد هذا يقال أن النبي عليه السلام شغلته المرأةُ عن عمله، وأنه كان متعلق القلب بالنساء؟ فأي افتراء هذا، وأي إفك وإفساد مثل هذا، وللرد على هذه الإفتراءات نقول لهم:
– لقد كان الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم معروفاً بين أهل مكة بمحمد الأمين إلى أن بلغ من العمر أربعين سنة وقد كان أوتي من الجمال ما لم يساوه فيه أحد، فلو كان كما يفتري عليه الملحدون وَلوعاً بالنساء لظهرت منه رذيلة من رذائل كثيرة، ولكان أهل بلده طعنوا فيه بذلك حين أعلن دعوته ودعاهم إلى عبادة الله وحده، وترك ما كانوا يعبدونه من الأوثان التي كان عليها آباؤهم وأجدادهم فشق عليهم دعواه لهم. وكانوا إكتفوا بالتشنيع عليه بذلك عن غيره من أساليب الإيذاء له ولمن آمن به. ولم يُسمع عنه أنه كان يلهو كما يلهو الفتيان، بل عُرِفَ بالطهر والأمانة، واشتهر بالجد والرصانة، ولم يقل أحد: تعالوا يا قوم فانظروا هذا الفتى يدعوكم اليوم إلى الطهارة والعفة ونبذ الشهوات وأنه لم يكن كذلك قبل ذلك.
– لم يتزوج إلا بعد أن صار عمره خمسة وعشرين عاماً فبنى بأولى زوجاته خديجة وكانت تبلغ من العمر نحو الأربعين، ثم ماتت زوجته حين بلغ من العمر خمسين سنة ولم يكن عنده غيرها. فلو كان النبي متعلق القلب بالنساء لكان أعرض عن خديجة إلى الفتيات الأبكار أو جَمَعَ بعد وفاة خديجة الفتياتَ الأبكار اللاتي اشتهرن بالجمال في مكة والمدينة والجزيرة العربية، فيسرعن إليه راضيات فخورات، وأولياء أمورهن أرضى منهن وأفخر بهذه المصاهرة التي لا تعلوها مصاهرة. ولو كان الأمر كما يقولون لكان عدّد الزواج قبل أن يبلغ عمره خمسين سنة كما هو شأن المنهمكين في شهوة النساء. ولو كان النبي عليه السلام وَلوعاً بالنساء لاختار الفتيات الأبكار فقط ولكنه لم يتزوج بكراً قط غير عائشة رضي الله عنها بعد خديجة امرأة أخرى ثم عدد لا لإشباع الشهوة بل لحكم تعود إلى مصالح دعوته فخصصه الله تعالى دون أمته بأن أباح له أن يجمع بين أكثر من أربع من الزوجات.
– روى الإمام مسلم في صحيحه عن عائشة أنها قالت (ما كانت تمر ليلتي على رسول الله عليه السلام إلا خرج إلى البقيع) يدعو لأهل الجبانة مع ما اجتمع في عائشة من حداثة السن والجمال. ونقول لهؤلاء أنسيتم أنه لما تزوج خديجة كان زواجه بسيدة في الأربعين وقد اكتفى بها إلى أن توفيت وكان جاوز الخمسين. ونسيتم أن النبي الذي وصفتموه بما هو نعتكم وشغلكم الشاغل من الارتماء في أحضان النساء مع الإكثار من الخمور والأكل الدسم الذي يقوى الشهوة، كان أحياناً لا يشبع في بعض أيامه من خبز الشعير. ونسيتم أنه لم يجاوز حياة القناعة قط لإرضاء نسائه ولو شاء لما كلفه غير القليل بالقياس إلى ما كان في يديه ويوزعه على عباد الله. هل نسيتم كل هذا وهو ثابت في التاريخ ثبوت عدد النساء اللاتي جمع بينهن عليه الصلاة والسلام.
– التعدد بدأ في سن الثالثة والخمسين من عمره صلى الله عليه وسلم، فهل هذا دليل الشهوة؟ ومن يشتهِ هل يتزوج الثيبات وأمهات الأولاد والأرامل؟ كيف وقد عُرِضَ عليه خيرة بنات قريش فأبى؟! إن التعدد منه صلى الله عليه وسلم كله كان لحكم منها بيان كل ما يقع في بيت النبوة من أحكام عملاً بقوله تعالى {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} [الأحزاب: 34] ولتتشرف به قبائل العرب بمصاهرته لهم وللزيادة في تألفهم لذلك. ولنقل الأحكام الشرعية التي لا يطلع عليها الرجال، فإن أحكام الشرع الخاصة بالنساء يسهل انتشارها بينهن من بعضهن لبعض أكثر مما لو كان بطريق الرجال إليهن كالحيض والنفاس والجماع، وجمعُ شتات القبائل بالمصاهرة إلى غير ذلك مما يؤيد مشروعيةَ تعدد أزواج النبي عليه السلام.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website