اعْلَم رَحِمك الله أَن فِي الْقَبْر وظلمته وضيقه ووحشته وَطرح الْمَيِّت فِيهِ غير موسد وَلَا ممهد قد بَاشر الثرى وواجه البلى وَترك دُنْيَاهُ للورى ونبذ مِنْهَا مَا كَانَ فِي يَدَيْهِ بالعراء مَعَ حبيب تَركه وَقَرِيب أسلمه ونصير أفرده وَترك مَا كَانَ عَهده مَا يفطم النُّفُوس عَن الشَّهَوَات وَإِن كَانَت صعبة الْفِطَام ويقطعها عَن اللَّذَّات وَإِن كَانَ قطعهَا بعيد المرام إِذا بحث عَن الْحَقِيقَة وَنظر بِعَين البصيرة وَسمع النداء من قريب بَيْنَمَا الْمَرْء فِي بلهنية مرتكضا فِي أمْنِيته غافلا عَن يَوْم صرعته ومنيته قد فتح للهو بَابه وَأرْسل عَلَيْهِ حجابه وَلم يبال بِمن لامه فِي ذَلِك أَو عابه إِذْ هجمت عَلَيْهِ الْمنية فهتكت أستاره وكسفت أنواره وطمست أَعْلَامه وآثاره فَأَخْرَجته من ذَلِك الْقصر المشيد والمنزل المنجد وَالْمَتَاع المزخرف المنضد إِلَى حُفْرَة من الأَرْض سَوْدَاء ضيقَة الجوانب والأرجاء مَمْلُوءَة من القرع والرعب مَا شَاءَ
فحذار رَحِمك الله حذار أَن تنْزع هَذَا المنزع وبدار عصمك الله بدار أَن تصرع هَذَا المصرع فيفت فِي عضدك وَيسْقط فِي يدك وَيَرْمِي بك عَن أهلك وولدك فِي مهواة تزدحم فِيهَا الْأَهْوَال وتنقطع فِيهَا الآمال قد جمعت فِيهَا جمعا ورصعت فِيهَا رصعا وَتركت للهوام والدود طعما ومرعى
وَكَانَ عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ إِذا وقف على قبر بَكَى حَتَّى يبل لحيته فَقيل لَهُ تذكر الْجنَّة وَالنَّار فَلَا تبْكي وتبكي من هَذَا فَقَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول الْقَبْر أول منزل من منَازِل الْآخِرَة فَإِن نجا مِنْهُ صَاحبه فَمَا بعده أيسر مِنْهُ وَإِن لم ينبح مِنْهُ فَمَا بعده أَشد مِنْهُ وَسمعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول مَا رَأَيْت منظر قطّ إِلَّا والقبر أفظع مِنْهُ ذكره التِّرْمِذِيّ
وَذكر التِّرْمِذِيّ أَيْضا من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ دخل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُصَلَّاهُ فَرَأى أُنَاسًا كَأَنَّهُمْ يكثرون فَقَالَ أما أَنكُمْ لَو أَكثرْتُم ذكر هَادِم اللَّذَّات لَشَغَلَكُمْ عَمَّا أرى أَكْثرُوا ذكر هَادِم اللَّذَّات الْمَوْت فَإِنَّهُ لم يَأْتِ على الْقَبْر يَوْم إِلَّا تكلم فِيهِ فَيَقُول أَنا بَيت الغربة أَنا بَيت الْوحدَة أَنا بَيت التُّرَاب أَنا بَيت الدُّود والهوام فَإِذا دفن العَبْد الْمُؤمن قَالَ لَهُ الْقَبْر مرْحَبًا وَأهلا أما إِن كنت لأحب من يمشي على ظَهْري إِلَيّ فإد وليتك الْيَوْم وصرت إِلَ فسترى صنعي بك قَالَ فيفسح لَهُ مد بَصَره وَيفتح لَهُ بَاب إِلَى الْجنَّة وَإِذا دفن العَبْد الْفَاجِر أَو الْكَافِر قَالَ لَهُ الْقَبْر لَا مرْحَبًا وَلَا أَهلا أما إِن كنت لمن أبْغض من يمشي على ظَهْري إِلَيّ فَإِذا وليتك الْيَوْم وصرت إِلَيّ فسترى صنعي بك قَالَ فيلتئم عَلَيْهِ حَتَّى يلتقي عَلَيْهِ وتختلف أضلاعه قَالَ وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بأصابع يَدَيْهِ فَأدْخل بَعْضهَا فِي بعض وَقَالَ ويقيض الله لَهُ سبعين تنينا لَو أَن وَاحِدًا مِنْهَا نفخ فِي الأَرْض مَا أنبتت شَيْئا مَا بقيت الدُّنْيَا فتنهشه وتخدشه حَتَّى يبْعَث إِلَى الْحساب قَالَ وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا الْقَبْر رَوْضَة من رياض الْجنَّة أَو حُفْرَة من حفر النَّار
وروى أَبُو الْحجَّاج الثمالِي قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول الْقَبْر للْمَيت إِذا وضع فِيهِ وَيحك يَا ابْن آدم مَا غَرَّك بِي ألم تعلم أَنِّي بَيت الْفِتْنَة وَبَيت الظلمَة وَبَيت الْوحدَة وَبَيت الدُّود وَمَا غَرَّك بِي إِذْ كنت تمر بِي فدادا قَالَ فَإِن كَانَ مصلحا أجَاب عَنهُ مُجيب الْقَبْر فَيَقُول أَرَأَيْت إِن كَانَ مِمَّن يَأْمر بِالْمَعْرُوفِ وَينْهى عَن الْمُنكر قَالَ فَيَقُول الْقَبْر فَإِنِّي إِذن أَعُود عَلَيْهِ خضرًا وَيعود جسده نورا. قيل لأبي الْحجَّاج مَا الفداد قَالَ الَّذِي يقدم رجلا وَيُؤَخر أُخْرَى يَعْنِي الَّذِي يمشي مشْيَة المتبختر
وَقَالَ مُجَاهِد أول مَا يكلم ابْن آدم حفرته تَقول أَنا بَيت الدُّود وَبَيت الْوحدَة وَبَيت الوحشة وَبَيت الظلمَة وَبَيت الغربة هَذَا مَا أَعدَدْت لَك يَا ابْن آدم فَمَاذَا أَعدَدْت لي
حَدثنَا سُلَيْمَان بن أَحْمد قَالَ أخبرنَا مُحَمَّد بن زَكَرِيَّا العلائي قَالَ أخبرنَا معدي بن سَابق البهدلي قَالَ بلغنَا أَن عمر بن عبد الْعَزِيز شيع جَنَازَة فَلَمَّا انصرفوا تَأَخّر عمر عَنْهَا وَأَصْحَابه فَقَالَ لَهُ أَصْحَابه يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَنْت لم تَأَخَّرت عَنْهَا وتركتها فَقَالَ نعم ناداني الْقَبْر من خَلْفي يَا عمر بن عبد الْعَزِيز ألم تَسْأَلنِي مَا صنعت بالأحبة قلت بلَى قَالَ خرقت الأكفان ومزقت الْأَبدَان ومصصت الدَّم وأكلت اللَّحْم أَلا تَسْأَلنِي مَا صنعت بالأوصال قلت بلَى قَالَ نزعت الْكَفَّيْنِ من الكوعين وَكَذَلِكَ الفخذين من الرُّكْبَتَيْنِ والركبتين من السَّاقَيْن والساقين من الْقَدَمَيْنِ ثمَّ بَكَى عمر وَقَالَ أَلا إِن الدُّنْيَا بَقَاؤُهَا قَلِيل وعزيزها ذليل وغنيها فَقير شابها يهرم وحيها يَمُوت وَلَا يغركم إقبالها مَعَ معرفتكم بِسُرْعَة إدبارها والمغرور من اغْترَّ بهَا أَيْن سكانها الَّذين بنوا مرابعها وشققوا أنهارها وغرسوا أشجارها وَأَقَامُوا فِيهَا أَيَّامًا يسيرَة وغرتهم بصحبتهم وغروا بنشاطهم فَرَكبُوا الْمعاصِي إِنَّهُم كَانُوا وَالله فِي الدُّنْيَا مغبوطين بِالْمَالِ على كَثْرَة الْمَنْع عَلَيْهِ محسودين على جمعه مَا صنع التُّرَاب بأبدانهم والرمل بأجسامهم والديدان بعظامهم وأوصالهم وَإِذا مَرَرْت فنادهم إِن كنت مناديا وادعهم إِن كنت لَا بُد دَاعيا وَمر بعسكرهم وَانْظُر إِلَى تقَارب مَنَازِلهمْ وسل غنيهم مَا بَقِي من غناهُ وسل فقيرهم مَا بَقِي من فقره وأسألهم عَن الألسن الَّتِي كَانُوا بهَا يَتَكَلَّمُونَ وَعَن الْأَعْين الَّتِي كَانُوا بهَا ينظرُونَ وسلهم عَن الْأَعْضَاء الرقيقة وَالْوُجُوه الْحَسَنَة والأجساد الناعمة مَا صنعت بهَا الديدان محت الألوات وأكلت اللحمان وعفرت الْوُجُوه ومحت المحاسن وَكسرت الفقار وأبانت الْأَعْضَاء ومزقت الأشلاء قد حيل بَينهم وَبَين الْعَمَل وفارقوا الْأَحِبَّة فكم من ناعم وناعمة أَصبَحت وُجُوههم بالية وأجسادهم من أَعْنَاقهم بَائِنَة وأوصالهم متمزقة وَقد سَالَتْ الحدق على الوجنات وامتلأت الأفواه دَمًا وصديدا ودبت دَوَاب الأَرْض فِي أجسامهم وَتَفَرَّقَتْ أعضاؤهم ثمَّ لم يَلْبَثُوا وَالله إِلَّا يَسِيرا حَتَّى عَادَتْ الْعِظَام رميما قد فارقوا الحدائق فصاروا بعد السعَة إِلَى المضايق قد تزوجت نِسَاؤُهُم وترددت فِي الطّرق أبناؤهم فَمنهمْ وَالله الموسع لَهُ فِي قَبره الغض الناعم فِيهِ المتنعم بلذته فيا سَاكن الْقَبْر مَا الَّذِي غَرَّك فِي الدُّنْيَا هَل تظن أَنَّك تبقى أَو تبقى لَك أَيْن دَارك الفيحاء نهرك المطرد وَأَيْنَ ثمرتك الْحَاضِر ينعها وَأَيْنَ رقاق ثِيَابك وَأَيْنَ كسوتك لصيفك وشتائك هَيْهَات هَيْهَات يَا مغمض الْوَالِد وَالْأَخ وغاسله يَا مكفن الْمَيِّت وحامله يَا مدليه فِي قَبره وراحل عَنهُ
وَفِي بعض الْخطب المروية يَا ابْن آدم لَا يغرنك ارْتِفَاع ذكرك ونفاذ أَمرك وتشييد قصرك مَعَ مَا جمعت فِيهِ من الظباء الشرد والأوانس النهد وَالْمَتَاع المزخرف المنجد فَإنَّك تخرج مِنْهُ بالرغم وَالْأَمر الْجَزْم إِلَى بَيت الْحِجَارَة والرضم فتغتسل فِيهِ بصديدك وتأنس فِيهِ بحشراتك ودودك إِلَى أَن تبلغك الرجفة لهلاك هَذَا الْمَعْمُور ثمَّ الصَّيْحَة ليَوْم النشور وبعثرة الْقُبُور فَتخرج بِالْأَمر الْكِبَار إِلَى دَارك دَار الْقَرار إِمَّا إِلَى الْجنَّة وَإِمَّا إِلَى النَّار
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
يرْوى أَن الاسكندر مر بِمَدِينَة قد ملكهَا عدَّة مُلُوك وبادوا فَقَالَ هَل بَقِي من نسل هَؤُلَاءِ الْمُلُوك أحد فَقيل لَهُ مَا بَقِي مِنْهُم إِلَّا رجل وَاحِد يكون فِي هَذَا الْمَقَابِر فَدَعَا بِهِ فَلَمَّا حضر قَالَ لَهُ مَا الَّذِي حملك على لُزُوم الْمَقَابِر قَالَ أردْت أَن أميز عِظَام الْمُلُوك من عِظَام عبيدهم فَوجدت الْكل سَوَاء فَقَالَ لَهُ الاسكندر هَل لَك أَن تتبعني فأحيي بك شرف أبائك إِن كَانَت لَك همة فَقَالَ إِن لي همة عَظِيمَة فَإِن كَانَ بغيتي عنْدك تبعتك قَالَ مَا بغيتك قَالَ حَيَاة لَا موت فِيهَا وشباب لَيْسَ مَعَه هرم وغنى لَيْسَ مَعَه فقر وسرور لَيْسَ مَعَه مَكْرُوه قَالَ لَيْسَ ذَلِك عِنْدِي فَقَالَ وَأي خير أرجوه عنْدك إِن لم يكن عنْدك هَذِه الْأَشْيَاء فَامْضِ لشأنك وَدعنِي أطلب ذَلِك مِمَّن يملكهُ وَمِمَّنْ هُوَ عِنْده ثمَّ عَاد إِلَى مَكَانَهُ
وَمر رجل مُسَافر بِغُلَام فِي صحراء فَقَالَ لَهُ يَا غُلَام أَيْن الْعمرَان فَقَالَ لَهُ اصْعَدْ الرابية تشرف على الْعمرَان فَصَعدَ فَأَشْرَف على قُبُور فَرجع إِلَيْهِ فَقَالَ سَأَلتك عَن الْعمرَان فدللتني على الْقُبُور فَقَالَ إِنِّي رَأَيْت أهل هَذِه الدُّنْيَا ينقلون إِلَى تِلْكَ وَلم أر أحدا من تِلْكَ ينْقل إِلَى هَذِه وَإِنَّمَا ينْتَقل من الخراب إِلَى الْعمرَان وَلَو سَأَلتنِي عَمَّا يواريك ويواري دابتك لدللتك عَلَيْهِ