Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
عن عائشةَ رضي الله عنها قالَتْ: “ما غِرتُ على أحدٍ من نساء النبي صلى الله عليه وسلم ما غرتُ على خديجةَ، وما رأيتُها، ولكن كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُكثِر ذكرَها، وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاءً، ثم يبعثُ بها في صدائق خديجة، فربما قلتُ له: كأنه لم يكن في الدنيا امرأةٌ إلا خديجة؟!”، فيقول: ((إنها كانت، وكانت، وكان لي منها ولد))؛ رواه الشيخان، واللفظ للبخاري.
في العام العاشر من بعثةِ النبي صلى الله عليه وسلم، وفي الشهر الذي توفي فيه عمُّه أبو طالب – لبَّتْ خديجة نداءَ ربها راضيةً مرضية، تاركة وراءها فراغًا لم يملأ بعدُ؛ ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفقدْ بموتها شريكةَ حياته الأولى، ورائدةَ بيته المُثْلى، وأمَّ ولده الفُضلى وحسْبُ، ولكنه فقد بموتِها أكبرَ عونٍ له – من بعد الله عز وجل – على تبليغِ الرسالة، واحتمال أعباء الدعوة، كما فقد المؤمنون الأوَّلون بموتها أمًّا لم تلِدْهم، ولكنها أَوْلى من أمهاتهم اللائي ولَدْنَهم برًّا، وأقرب لهم نفعًا.
لقد حزن النبي صلى الله عليه وسلم على وزيرَيْه أشدَّ الحزن وأعظمه؛ حتى سمى سنَّةَ وفاتِهما عامَ الحزن! وما بلغ حزنُه على موت أولادِه مِعْشار ما بلغ عليهما! فكان بعد صبره مكافأةِ الجميل بأجملَ منه، ومجازاة الصنيعة بأحسنَ منها، ومَن أولى بذلك من إمام الشاكرين صلى الله عليه وسلم
وفي مكافأتِه وشكره يقول صلوات الله وسلامه عليه – فيما رواه الترمذي -: ((ما لأحدٍ عندنا يدٌ إلا وقد كافيناه بها، ما خلا أبا بكر؛ فإن له عندنا يدًا يكافيه الله تعالى بها يوم القيامة
تزوَّج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بكر بخديجةَ رضي الله عنها وهي ثيِّب، وانتقلت إلى رحمة ربِّها وقد بلغَتْ بضعًا وستين سنةً، وبلغ هو بضعًا وخمسين، ولو كان صلوات الله عليه يقصد من زواجه ما يقصده العامة – وحاشاه – من متاعِ الحياة الدنيا، لاختار غيرَ واحدة من الأبكار المعجبات الرائعات حسنًا وجمالًا وسنًّا، في زهرة حياته ونضرة شبابه. الشأن إذًا في زواجِه صلوات الله وسلامه عليه – أجلُّ من الدنيا ومتاعها، بل أعظم من النفس وحاجاتها؛ لأنه من الشؤون دعوية العليا، في سياسة الدعوة المخلصة، التي تفنى فيها النفس، فلا تبالي بما تَلقى في سبيل مرضاة الله. والشأن إذًا للعقل والروح، والفضل والنُّبل، وتوثيق العُرى، وشدِّ الأواصر، وجمع القلوب على كلمة الله، وكذلك كان أساس اختياره صلى الله عليه وسلم، أو اختيار الله له فيما أمَره أو كتب له مِن الأزواج. لم يخطر على باله يومًا أن يتزوَّج على خديجةَ رضي الله عنها، حتى إذا استجابت لربها أحوجَ ما يكون صلوات الله وسلامه عليه إلى سكنِها وعونها – فكَّر فيمَن عسى أن تُخفِّف عنه من شدائد الدعوة وأعبائها، وما نحسبه عليه صلوات الله وسلامه فكَّر فيمن يعوض خديجة، فإن خديجة – كما تدل دلائلُ أحواله ومقاله – لا عِوَض لها.
وإنه لكذلك، إذ جاءته خَوْلة بنت حكيم، فقالت له: ألا تتزوَّج؟ قال: ((مَن؟))، قالت: إن شئت بكرًا، وإن شئت ثيبًا؛ أما البكر، فابنة أحب الخلق إليك؛ عائشة، وأما الثيب، فسَوْدَة بنت زَمْعة، قد آمنت بك واتَّبعتك، قال: ((اذهبي فاذكريهما عليَّ))، فذهبت إلى سَوْدة، فقالت: ماذا أدخل الله عليكم من الخير والبركة؟ قالت سَوْدة: وما ذاك؟ قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلني إليك لأخطبَك عليه، ففرِحَتْ سَوْدَة بهذه الزيجة الكريمة، وأشارت على خولة أن تستأذن أباها، وكان شيخًا كبيرًا، فأذن من فوره.
كانت سَوْدة بنت زَمْعة – وهي قرشية عامرية – تحت ابنِ عمِّها السكران بن عمرو، أسلَمَ معها قديمًا وهاجَرَا إلى الحبشة الهجرة الثانية، فلما قدما مكة مات زوجها! فكان النبي صلى الله عليه وسلم خيرَ عِوَضٍ لها.
وبنى النبي صلى الله عليه وسلم على سَوْدَة قبل أن يبني بعائشة، فكانت سَوْدة صاحبةَ بيته الثاني، وكانت تقيَّة سخيَّة مرحة، تُضحك الرسول صلى الله عليه وسلم بالشيء أحيانًا، وخشيت أن يُطلِّقها صلوات الله عليه لكِبَر سنِّها وبطئها، فسألته أن يُمسِكها وأن يجعل يومَها لعائشة، وأخبرَتْه أنها تريد أن تحشر في أزواجه، وأنها لا تريد ما تريده النساء، فأنزل الله تعالى: ﴿ وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ﴾ الآية [النساء: 128]، لا جرم أن هذا التسامح للضرَّة، والتيسير في المعاشرة – إحدى بركات سَوْدة، ومِن عظيم بركاتها إيلافُ قومِها بهذه الزيجة، حتى نالوا شرف الإسلام والصحبة