“كل دولة يجب أن تُقبل كما هي، ولا نحتاج إلى تغيير أي نظام، وستكون كل دولة عضواً كاملاً، لكن الدولة الكبرى لها قول كبير”
كانت هذه كلمات رئيس البرلمان الإيراني الأسبق، علي لاريجاني، في معرض حديثه عن الحاجة إلى ترتيبات للأمن الجماعي في الخليج، بعد انتهاء الحرب العراقية-الإيرانية عام 1988، وفي الحقيقة هذه ليست مجرد كلمات عادية، بل تفكيك لشيفرة إيران الحديثة التي تعبِّر في سلوكها الإقليمي عن امتداد لماضٍ إمبراطوري فارسي، كان العرب خلاله في حالة خضوع للإمبراطورية الفارسية البائدة، التي تحاول وريثتها إيران إحياءها اليوم، ضمن قالب سياسي عصري، تستثمر في إطاره بهوية تمزج بين القومية والدينية.
تُعدُّ إيران من أبرز الدول الفاعلة بمنطقة الشرق الأوسط، وأكثرها تأثيراً في السياسة الإقليمية، ومن شرطي المنطقة إلى تصدير الثورة، انتقلت إيران من حماية المصالح الغربية إلى قيادة الشيعية السياسية، والحال أنها حافظت على حضور مُتصاعد في المنطقة العربية، التي ظلَّت ساحة عمل للحسابات الإيرانية، إن كان في عهد ملكية الشاه، أو جمهورية الخميني التي يهدف نظامها الثيوقراطي إلى التأسيس لمركزية مذهبية في العالَمين العربي والإسلامي، لاستقطاب ولاء الشيعة المذهبي من خارج حدود إيران.
لكن هذا المسعى لم يكن بدافع ديني فقط، بل أيضاً سياسي، يراد منه جعل إيران قِبلة سياسية لدى الطوائف الشيعية في الخارج، بإقناع هذه الطوائف بأن الانتماء المذهبي لإيران يساهم في حمايتها من أي ظلم تتعرَّض له داخل بلدانها.
ومهَّد ذلك التكتيك إلى توجيه المجتمعات الشيعية في الدول العربية نحو طهران، وتحويل تلك المجتمعات إلى قوى سياسية مُنافسة. وقد أدى استثمار إيران السياسي في العامل الطائفي إلى تأجيج الخلافات السنّية-الشيعية، بما أدى إلى انعدام الاستقرار السياسي في عدة دول عربية، وساهم تدخل إيران على الأساس الطائفي إلى تغيير قواعد اللعبة السياسية في العراق ولبنان، إذ برزت مفاهيم سياسية جديدة للتعبير عن ذلك، كالبيت الشيعي في الحالة العراقية، والطائفية السياسية، أو الرئاسات الثلاث في الحالة اللبنانية، وقد أسهمت إيران في بروز هذه المفاهيم المعبّرة عن الفوضى السياسية الناجمة عن تحكّمها بالقرار السياسي في هذه الدول.
ولم يكن التدخل على أساس طائفي بوابة إيران الوحيدة لمد النفوذ في العالم العربي، فقد أدى استغناء الدول العربية عن دعم خيار المقاومة، وذهابها للتفاوض مع إسرائيل للوصول إلى حل سياسي للقضية الفلسطينية، إضافة لغياب المشروع العربي الذي يستوعب الحركات الفلسطينية المسلّحة لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي؛ إلى إغراء بعض هذه الحركات للالتحاق بمحور المقاومة الذي تتزعّمه إيران، كحماس والجهاد الإسلامي، اللتين تمدّهما بالدعم العسكري لمواصلة دورهما في ردع خصمها الإقليمي، إسرائيل، وهو ما أدى في نهاية الأمر إلى منح إيران مساحة جديدة من النفوذ في العالم العربي.
وعندما اندلعت شرارة “الربيع العربي” في سوريا، استثمرت إيران حالة الضعف التي مرَّ بها نظام الأسد، وحاجته إلى حليف قوي لإحباط الثورة، ودَفع تنازل الأسد عن أمن بلاده الوطني مقابل الحفاظ على أمن نظامه لإغراء إيران لمساعدته، فساهمت إلى جانب روسيا في هزيمة الثورة السورية، وتثبيت نظام الأسد، وعملت إيران بعد ذلك، على تأسيس كيانات طائفية مسلّحة تابعة لها على مقربة من حدود إسرائيل، لتتحول سوريا إلى مسرح للمواجهات الإيرانية–الإسرائيلية.
من الضروري الإشارة هنا إلى أن موقف إيران من الأزمة السورية يتعارض مع مبادئ الثورة التي قام عليها النظام السياسي في إيران، حيث ينص الدستور الإيراني على أن الثورة تهدف إلى نصرة المستضعفين والمضطهدين في العالم على المستكبرين، وهذا الظاهر فقط، لكن الموقف الإيراني من الأزمة السورية أظهر أن إيران دولة انتهازية تقتنص الفرص لتقوية حضورها الإقليمي، وإن مبادئ الثورة الدستوريةَ لا قيمة لها إن كانت تُشكِّل عائقاً أمام الطموح الإيراني لمد النفوذ في أي قُطر عربي.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
إن الواقع السياسي العربي في العقدين الأخيرين، وفَّر لإيران فرصة الانتشار المُتسارع في الإقليم، بدءاً من الفراغ الاستراتيجي الذي نشأ عن إضعاف العراق، وتدمير قدراته العسكرية، وتقزيمه ليصبح دولة ضعيفة بعد أن كان قوة إقليمية تصدّ أطماع إيران بالتسلل إلى المنطقة العربية.
كما أن حالة التفكك العربي، وتناقض السياسات والمصالح الوطنية، وارتباط الدول العربية بمراكز القوى العالمية والإقليمية، أسباب تَحُول دون قيامِ سياسةٍ عربية خارجية مستقلة، تؤدي في طريقها إلى بلورة مفهوم محدد للأمن القومي، ويُترجم إلى ممارسة عربية مشتركة تحدُّ من تغلغل النفوذ الإيراني.
والحال أن الدول العربية المحورية، المرشَّحة لقيادة المواجهة العربية ضد النفوذ الإيراني، كمصر والسعودية، في استدارة إلى الداخل، وعاجزة عن تولي دورها القيادي في الحفاظ على الأمن القومي العربي، ليستمر اعتماد العرب على الولايات المتحدة لتهذيب السلوك الإيراني في بلدانهم، عبر مفاوضات فيينا التي تحافظ خلالها إيران على صمود دبلوماسي تستمدّه من قدرتها على الإضرار بحلفاء الولايات المتحدة ومصالحها في المنطقة.
ما شاء الله ، الله يخلصنا من النفوذ الإيراني في سوريا ولبنان والعراق وفي كل البلاد العربية . الله ينصر اهل السنة ، وينجيهم من الرافضة والوهابية والإخوان ومن كل الملل الزائغة بحق لا اله إلا الله محمد رسول الله