فلسطين أرضٌ مباركةٌ، ومن خصائص ومميزات تلك الأرض الطيبة المباركة، أن عددًا من الأنبياء والأولياء ممن سكنها وعاش فيها قد دفن في ترابها، وقسم آخر ممن لم يتسن لهم العيش والسكن والمرور، أو ماتوا خارجها أَوْصوا بالدفن فيها، في إشارة لحرصهم واستحبابهم الدفن في الأرض المقدسة.
ما شرعه النبي صلى الله عليه وسلم لنا هو زيارة القبور، ومعلوم أن زيارة القبور كانت مما منع أول الإسلام ثم نُسخ ذلك المنع، والمقصودُ من زيارة القبور بالأصل الاتعاظ وتذكر الآخرة، ففي حديث بريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إني قد كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها ترق القلب، وتدمع العين، وتذكر الآخرة» وفي رواية: «فزوروها فإن فيها عبرة».
مقام سيدنا إبراهيم عليه السلام هو كذلك حجر أصله من الجنة، أُهبط مع ءادم عليه السلام، فيه يظهر قدم إبراهيم عليه السلام في الصخرة الصماء، ولولا أنّ المولى عزّوجل أمر باتّخاذه مُصلى وعظّمه بقوله: {فيه ءاياتٌ بيّناتٌ مقامُ إبراهيم} (سورة ءال عمران) لما صلّينا خلفه ولا عظّمناه ذلك التعظيم.
فإذا كان هذا في الحجر الذي وقف عليه إبراهيم عليه السلام، فكيف بمكان سجود سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؟
ومن قبور الأنبياء والصحابة:
إبراهيم عليه السلام هاجر من العراق إلى مدينة حبرون في فلسطين والتي تسمى الآن الخليل، واستقر فيها وأسس مجتمعًا موحدًا قائمًا على أساس تحقيق العبودية لله عز وجل، وتوفيت سارة فحزن عليها إبراهيم عليه السلام.
ولما مات إبراهيم عليه السلام، تولى دفنه إسماعيل وإسحق في نفس المغارة التي اشتراها ودفن فيها امرأته سارة، وعندما مرض إسحق ومات عن عمر مائة وثمانين سنة، دفناه ابناه عيصو ويعقوب مع أبيه إبراهيم الخليل في المغارة التي اشتراها إبراهيم.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
ذكر أهل السير أن يعقوب عندما دخل مصر كان عمره مائة وثلاثين سنة، وأقام بمصر سبع عشرة سنة، ثم مات وسِنُّهُ مائة وسبعة وأربعون عامًا، فاستأذن يوسف عليه السلام ملك مصر في الخروج مع أبيه يعقوب ليدفنه عند أهله بفلسطين، فأذن له، وتم دفن يعقوب عليه السلام ببلدة (حبرون) المسماة بالخليل اليوم، بجوار جده إبراهيم وأبيه إسحاق عليهما السلام.
المشهور أن يوسف عليه السلام دفن في مدينة نابلس في فلسطين، لكن لا يعلم مكان قبره وعينه تحديدًا، ولا حتى بقية قبور الأنبياء، وكما يذكر أن نبي الله شعيب مدفون في حطين بطبرية.
وكما تعلمون أن موسى عليه السلام مات في فترة التيه، بعد خذلان قومه من دخول الأرض المقدسة، قَالَ الزَّيْنُ بْنُ المُنِيرِ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ أَوْ نَحْوِهَا بَقِيَّةُ مَا تُشَدُّ إِلَيْهِ الرِّحَالُ مِنَ الْحَرَمَيْنِ وَكَذَلِكَ مَا يُمْكِنُ مِنْ مَدَافِنِ الأنبِيَاءِ وَقُبُورِ الشُّهَدَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ تَيَمُّنًا بِالجِوَارِ وَتَعَرُّضًا لِلرَّحْمَةِ النَّازِلَةِ عَلَيْهِمُ اقْتِدَاءً بِمُوسَى عَلَيهِ السَّلَامُ.
وهكذا لما لم يتسن لموسى عليه السلام دخول الأرض المقدسة وتحريرها من الوثنيين، سأل الله أن يدفن بأطرافها، ومن قارب الشيء فله حكمه. وهذا فيه إشارة واضحة ودلالة كبيرة على مكانة تلك الأرض المقدسة في نفوس الأنبياء في حياتهم وبعد مماتهم، قال النووي: وَأَمَّا سُؤَالُهُ الإِدْنَاءَ مِنَ الأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ فَلِشَرَفِهَا وَفَضِيلَةِ مَنْ فِيهَا مِنَ الْمَدْفُونِينَ مِنَ الأَنْبِيَاءِ وَغَيْرِهِمْ قَالَ بَعْضُ العُلَمَاءِ وَإِنَّمَا سَأَلَ الإِدْنَاءَ وَلَمْ يَسْأَلْ نَفْسَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ لِأَنَّهُ خَافَ أَنْ يَكُونَ قَبْرُهُ مَشْهُورًا عِنْدَهُمْ فَيَفْتَتِنَ بِهِ النَّاسُ وَفِي هَذَا اسْتِحْبَابُ الدَّفْنِ فِي الْمَوَاضِعِ الفَاضِلَةِ وَالْمَوَاطِنِ المُبَارَكَةِ وَالقُرْبِ مِنْ مَدَافِنِ الصَّالِحِينَ.
داود عليه السلام الذي أسس مملكة عظيمة قائمة على التوحيد في بيت المقدس مات فيها ودفن فيها.
زكريا ويحيى عليهما السلام يشتهر أنّهما قتلا وتذكر روايات في ذلك، إلا أنه لم يثبت هذا بدليل صحيح، لكن لا شك في وفاتهما في الأرض المقدسة وعلى الغالب دفنا فيها.
كان للصحابة عناية كبيرة في بيت المقدس، فشدوا الرحال إليها وسكنوها وتعبدوا بها، وتوفِّي ودفن فيها عددٌ منهم:
1- عبادة بن الصامت، أول من ولي قضاء فلسطين سكن بيت المقدس ودفن فيها.
2- شداد بن أوس سكن بيت المقدس، ومات بها في أيام معاوية، وقبره في مقبرة باب الرحمة بالقرب من سور “المسجد الأقصى”.
3- سَلَامَةُ بْنُ قَيْصَرٍ الْحَضْرَمِيُّ، قيل له صحبة، وكان إمام المسلمين في الصلاة بعد الفتح واليًا لمعاوية على بيت المقدس، ومات ببيت المقدس وقبره بها.
4- فيروز الديلمي أو الحميري، من فُرس اليمن، سكن بيت المقدس، ويقال إنه مات بها وقبره بها.
5- أبو أُبَيّ الأنصاري، وهو ممن صلَّى إلى القبلتين، سكن بيت المقدس، ويُعَد في الشاميين، وهو آخر من مات من الصحابة ببيت المقدس رضي الله عنهم.