بالتزامن مع اشتعال التمرد ضد الدولة العثمانية في الأراضي والجزر اليونانية بداية عام 1822، طلب السلطان العثماني محمود الثاني من محمد علي باشا الذي كان والياً عثمانياً على مصر آنذاك، المساعدة على صد الخطر الموجَّه إلى الدولة العثمانية حاملة راية الخلافة الإسلامية.
فأمر محمد علي بتجهيز الأسطول المصري وإرساله لنصرة العثمانيين في حربهم ضد التمرُّد اليوناني. وحرّك الأسطول المصري على دفعتين، الأولى عام 1822 باتجاه كريت وقبرص تحت قيادة حسن باشا الذي نجح في قمع الثورة هناك وتحرير السفن العثمانية المحتجَزة، والثانية منتصف عام 1824 بقيادة ابنه إبراهيم باشا الذي نجح في تطويق اليونان وإخماد التمرد اليوناني.
وفي 23 نوفمبر/تشرين الثاني 1824 تَمكَّن الأسطول العثماني المكوَّن من 51 سفينة حربية مزوَّدة بالمدافع ونحو 150 سفينة أخرى محمَّلة بأكثر من 17 ألف جندي مصري إلى جانب العتاد والمؤن، من إلحاق هزيمة بحرية مدوّية بالأسطول اليوناني في ما عُرف بموقعة “ستمبالا”، أصابت أهل اليونان بالإحباط وأعادت الأراضي اليونانية مجدداً تحت مظلة الحكم العثماني.
الاستعانة بالأسطول المصري
مع بداية القرن التاسع عشر، وفي أعقاب انتشار الأفكار الأوروبية وبالأخصّ أفكار الثورة الفرنسية في بلاد اليونان التي كانت حزءاً من الدولة العثمانية، اشتعلت شرارات التمرد الأولى ضدّ الحكم العثماني وتوسعت من عام 1820 حتى عمّت بلاد اليونان كافة وأضحت تشكّل خطراً حقيقياً على وحدة الأراضي العثمانية بعد دعمها من روسيا القيصرية والدول الغربية التي كانت تطمح إلى إخراج العثمانيين من أوروبا ودفعهم نحو آسيا واستعادة العاصمة إسطنبول استعداداً لإعادة إحياء الإمبراطورية البيزنطية.
ولكثرة الجزر اليونانية التي انضمت إلى التمرد ووعورة الأراضي اليونانية التي كان العثمانيون يجهلون تفاصيلها مقابل معرفة اليونانيين كيفية توظيفها استراتيجياً لمحاربة القوّات العثمانية، واجهت السلطنة العثمانية مصاعب كبيرة لإخماد التمرد، واضطُرّ السلطان محمود الثاني إلى طلب المساعدة من محمد علي باشا الذي كان والياً عثمانياً على مصر.
على أثر ذلك أرسل محمد علي باشا أسطولاً بحرياً مليئاً بالجنود والعتاد بقيادة حسن باشا نزل في جزيرة كريت وأخمد التمرد فيها، كما أرسل حملة أخرى بقيادة ابنه إبراهيم باشا لإخماد ثورة المورة، إذ نجحت القوات المصرية في السيطرة على شبه جزيرة بيلوبونيس وميسولونغي وأثينا في أغسطس/آب 1826 وأكروبوليس في يونيو/حزيران 1827، وهكذا عاد معظم أجزاء اليونان لسلطة العثمانيين بفضل الأسطول المصري.
الانسحاب المصري
عقب الهزيمة التي لحقت باليونانيين جرَّاء تدخل الأسطول المصري، حرّك اليونانيون الرأي العامّ الأوروبي لإنقاذ الثورة، وبالفعل وقّعَت روسيا القيصرية وبريطانيا بروتوكول سان بطرسبرغ، الذي انضمّت إليه فرنسا بعد فترة وجيزة، وطالبوا الحكومة العثمانية بعقد هدنة مع اليونانيين ومنحهم حكماً ذاتياً يتبع السلطنة اسمياً، إلا أن الرفض العثماني دفع هذه الدول إلى إرسال سفنها وعتادها لمناصرة اليونانيين، وحاصر الروس الأسطولين العثماني والمصري في ميناء ناڤارين ودمروهما في 20 أكتوبر/تشرين الأول 1827.
أدى التدخل الروسي والأوروبي وانتصارهم البحري في ناڤارين إلى اختلاف وجهات النظر بين العثمانيين والمصريين، ورأى الوالي محمد علي باشا أن لا فائدة من مواصلة القتال، خصوصاً أنه فقد أسطوله وانقطعت طرق مواصلاته البحرية مع جيوشه في بلاد اليونان، وقرر في سبتمبر/أيلول 1828 سحب قواته من هناك خوفاً من أن تحتلّ فرنسا والدول الغربية مصر متذرعين بوجود قواته هناك.
تمرُّد محمد علي باشا
على عكس حملاته السابقة على بلاد الحجاز والسودان، خرج محمد علي من الحرب اليونانية خالي الوفاض، إذ لم يظفر بفتوحات جديدة ولم يستفِد لا مادّيّاً ولا سياسياً من دخوله الحرب إلى جانب العثمانيين وخسارة معظم أسطوله. وفي الوقت الذي كان ينتظر فيه أن يُقطِعَه السلطان العثماني ولاية كبيرة كالشام، اكتفى السلطان بمنحة جزيرة كريت البعيدة عن مصر والتي يشتهر أهلها بالعصيان والتمرد.
دفعت خيبة الأمل هذه محمد علي إلى توجيه أنظاره نحو بلاد الشام وبقي ينتظر الفرصة والذريعة المناسبة لبدء حملته العسكرية من أجل ضمها إلى ولايته، لأن ضمها يحمي مصر من العثمانيين في المستقبل ويمنع قيام دولة عربية قوية تزاحمه على حكم مصر، فضلاً عن رغبته في استغلال موارد بلاد الشام والسيطرة على طرق الحج والتجارة التي تمر عبر أراضيها.
وفي 14 أكتوبر/تشرين الثاني 1831، زحف الجيش المصري باتجاه فلسطين ولبنان وسوريا ونجح في السيطرة عليها بعد فتحه عكا التي ضرب حصاراً برياً وبحرياً حولها، على أثر ذلك اعتبرت الدولة العثمانية ما يفعله محمد علي عصياناً، وأعدّت جيشاً للتصدي له بقيادة والي حلب العثماني الذي هُزم أمام الزحف المصري بقيادة إبراهيم باشا ابن محمد علي، الذي دخل دمشق بعد سيطرته على عكا، واستمر يتحرك شمالاً حتى ضمّ حلب وأضنة والإسكندرون وصولاً إلى مدينة قونية في قلب الأناضول أواخر عام 1832.
وبعد الوساطة الأوروبية والتهديدات الفرنسية بغزو مصر، وافق محمد علي باشا على الانسحاب من الأناضول مقابل منحه مصر وبلاد الشام وكريت، وتعيين ابنه إبراهيم والياً على جدّة.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website