تاريخ اليمن كان مزدهراً حتى من أسمائها، فقد ذكرت في التوراة باسم “العربية الغنية”، وسماها الرومان “العربية السعيدة”، وسماها الفراعنة “البلاد المقدسة”، كما أُطلق عليها الأرض الخضراء، ذلك لأن العديد من الحضارات الكبرى قد قامت في اليمن مثل حضارة “سبأ ومعين”، ما جعلها تزخر بحياة مزدهرة في كنف تلك الممالك الكبرى.
يقول عالم الجغرافيا والفيلسوف والمؤرخ اليوناني سترابو واصفاً أهل اليمن: “إنهم أغنى أهل الأرض، وسبب غناهم اتجارهم في غلال بلاد العرب والهند، يحملونها على القوافل وعبر البحر إلى الغرب وبابل، كما أن لهم سفناً ضخمة تسير في المحيط الهندي، ومراكب تسير في الأنهار يصلون بها إلى مملكة بابل”.
“الواقع أن هذه البلاد قد وصلت قديماً إلى أوج حضارتها في بداية الألفية الأولى قبل الميلاد، أي في عهد الملكة بلقيس ملكة سبأ التي امتد ملكها على أراضي اليمن والحبشة” – كما يقول الدكتور حسن سليمان في كتابه “تاريخ اليمن السياسي في العصر الإسلامي”
دخول أهل اليمن الإسلام
كان اليمنيون أسرع الأمم التي دخلت الإسلام دون تردد، قبلها اتبع أهل اليمن ديناً يدعى “ذي سموت” وترجمته تعني “إله السماء”، وهو دين قائم على فكرة التوحيد في مكان ما في هذه العقيدة، ما يفسر سرعة انتشار الإسلام داخل اليمن، كما يقول الكاتب والمفكر العراقي جواد علي في كتاب “تاريخ العرب قبل الإسلام”.
كما أن قبائل الأوس و الخزرج -الذين شكلوا أغلبية أهل يثرب التي تحولت فيما بعد إلى المدينة المنورة- أصولها يمنية، وأهل يثرب استقبلوا الإسلام، وآووا النبي محمد، وقامت دولة الإسلام من المدينة المنورة.
لاحقاً؛ في العهد الأموي ظهر العديد من القادة المعروفين من أصولٍ يمنية، مثل عبد الرحمن الغافقي بطل الفتح الإسلامي في الأندلس، وكذلك أمير الأندلس السمح بن مالك الخولاني فاتح قرطبة وأحد أهم الأمراء في تاريخ الأندلس. كما أن الخليفة معاوية بن أبي سفيان مؤسس الدولة الأموية اعتمد بقوة على اليمنيين في الحروب والأعمال التجارية والنشاط الزراعي و الصناعي لتأسيس دولته الوليدة.
أما في عهد الدولة العباسية فقد كانت الدولة اليعفرية التي أنشأها يعفر الحوالي في اليمن 839م تابعة للخلافة ومناصرةً لها، إلى أن جاء ابن قحطان اليعفري الذي تولى حكم اليمن عام 945 م؛ فقطع خطبة بني العباس وخطب لحكام الفاطميين الشيعة، وهو ما أذن بعصر جديد لتشيُّع اليمن وبعض أهلها.
اليمن قبل ظهور الدعوة الفاطمية
كانت المنافسات الداخلية والاختلافات المذهبية تعمّ اليمن التي كانت شبه مستقلة عن الدولة العباسية مع وجود تبعية شكلية واسمية للعباسيين. وقد أدت هذه الاضطرابات السياسية إلى كثرة النزاع بين زعماء الولايات، وهو ما أدى إلى التمهيد للدعوة الفاطمية الشيعية التي ظهرت في اليمن حوالي عام 882م على يد أبي القاسم منصور وعلي بن الفضل.
في وسط هذه الاختلافات تمكَّن أبو القاسم منصور في وقتٍ وجيز من أن يُنشئ دولةً مواليةً للدولة الفاطمية، وجعل من غرب اليمن قاعدةً لانتشار المذهب الشيعي وترسيخه بين أهلها، أمَّا عليّ بن الفضل فكان ذراع أبي القاسم اليمنى الذي ترأس الدعوة إلى المذهب الشيعي في اليمن.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
كان كل من أبي القاسم وعليّ بن الفضل صديقين، وقد ظهرا في أول الأمر في مدينة زبيد باليمن (تعرف حالياً باسم مدينة الحديدة) حوالي العام 880م، فأظهرا الصلاح والزهد والتقشف ما جعل الناس تلتف حولهما، حتى من كانوا من أتباع المذهب السني.
في البدء عمل كلٌّ من أبي القاسم وابن الفضل على دعوة الناس سراً إلى المذهب الشيعي، وبعدما مال إليهم الكثير من أهل اليمن، عمل كل منهما على الحصول على الأموال لتنفيذ أغراض سياسية تهدف لجعل اليمن تابعةً للدولة الفاطمية، فجمعا الأموال بحجة الزكاة، طبقاً لما ذكره الأستاذ السابق بجامعة بغداد والمؤرخ حسن سليمان؛ في كتاب “التاريخ السياسي لليمن”.
بعد ذلك، أمر أبو القاسم وعلي بن الفضل أتباعهما بإقامة حصنٍ فوق الجبل لحماية أموال الزكاة، والتي كانت في حقيقة الأمر قواعد ارتكاز لبسط نفوذهم السياسي والمذهبي، لاحقاً بدأ المنصور وأتباعه في الإغارة على الجبال المجاورة حتى وصل إلى جبل مسور بجانب صنعاء، ومعه 3 آلاف مقاتل، وجعل هذه المنطقة قاعدته الحربية التي خرجت منها الحملات إلى الجهات المجاورة.
ثم سرعان ما استولى أبو القاسم على غرب اليمن وأقبل عليه الناس، إذ أصبح أبو القاسم ومن معه القوة الصاعدة الأولى في غرب اليمن، ولم يتبقَّ أمام أبي القاسم إلا صنعاء في الوقت الذي انضم إليه علي بن الفضل، وفي حوالي العام 912 هجم أبو القاسم على صنعاء إلى أن استتب له الأمر في صنعاء وغرب اليمن.
نشوب النزاع بين الصديقين وانتهاء ملكهما
بدخول صنعاء؛ أصبح الجزء الأكبر من اليمن خاضعاً لنفوذ كلٍّ من أبي القاسم وابن الفضل، واللذين كانا تابعين للدولة الفاطمية، وأصبح أبو القاسم بمثابة مندوب الدولة الفاطمية في اليمن، ولُقِّب بالمنصور، وكان يقنع أتباعه أن المهدي سيظهر في بلادهم.
أما عن ابن الفضل فظلّ على ولائه للفاطميين إلا أن البعض يذكر أنّ بعض المؤرخين اتهموه بإعلان المجوسية، وأنه أحلَّ لأصحابه شرب الخمر، لكنه ظل على علاقة جيدة بالمنصور حتى أعلن ابن الفضل استقلاله عن الدولة الفاطمية، فتبرأ منه المنصور، ومن هنا نشب بينهما النزاع.
بدأ الصراع بين أبي القاسم المؤيد للدولة الفاطمية وابن الفضل الخارج عليها عندما أراد ابن الفضل إقامة دولةٍ مستقلة عن كل من الدولة العباسية السنيّة والدولة الفاطمية الشيعيّة، فقامت الحرب بينهما. تمكن المنصور من حماية غرب اليمن إلا أنه لم يستطع التخلص من ابن الفضل.
ظل الحال هكذا حتى أمر المهدي مؤسس الدولة الفاطمية أحد أتباعه أن يذهب إلى مدينة صنعاء ليدس السم لابن الفضل، وهو ما نفذه جاسوس المهدي بالفعل، وقد مات ابن الفضل سنة 915 م، وعند هذه المرحلة استتب الأمر من جديد لأبي القاسم.
ضعفت الدعوة للمذهب الشيعي في اليمن خصوصاً بعد وفاة أبي القاسم، إلا أن المذهب الشيعي كان قد أسّس له موطئ قدم في اليمن بالفعل، خصوصاً مع النفوذ السياسي لدول وممالك دانت بالمذهب الشيعي وامتد نفوذها إلى اليمن.
فبموت المنصور ضعف نفوذ الدولة الفاطمية في اليمن، وحلت مكانها دول جديدة قادت الدعوة للمذهب الشيعي الذي قادته الدولة الرسّية الزيدية في شمال اليمن، والتي استطاعت توحيد اليمن تحت لوائها حوالي ثلاثة قرون، ومن بعدهم الدولة المتوكلية التي دانت بالمذهب الزيدي الشيعي أيضاً التي ظلت تحكم اليمن حوالي سبعة قرون حتى قيام الثورة عليها عام 1962.