محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن أحمد المعروف بابن العربي المعافري
من أهل إشبيلية يكنى أبا بكر الإمام العلامة الحافظ المتبحر ختام علماء الأندلس وآخر أئمتها وحفاظها وأبوه أبو محمد من فقهاء بلده إشبيلية ورؤسائها، سمع ببلده من أبي عبد الله بن منظور وأبي محمد بن خزرج وبقرطبة من أبي عبد الله محمد بن عتاب وأبي مروان بن سراج وحصلت له عند العبادية أصحاب إشبيلية رياسة ومكانة فلما انقضت دولتهم خرج إلى الحج مع ابنه القاضي أبي بكر يوم الأحد مستهل ربيع الأول سنة خمس وثمانين وأربعمائة وسن القاضي أبو بكر إذ ذاك نحو سبعة عشر عاماً وكان القاضي قد تأدب ببلده وقرأ القراءات فلقي بمصر أبا الحسن الخلعي وأبا الحسن بن مشرف ومهدياً الوراق وأبا الحسن بن داود الفارسي ولقي بالشام أبا نصر المقدسي وأبا سعيد الزنجاني وأبا حامد الغزالي وأبا سعيد الرهاوي وأبا القاسم بن أبي الحسن المقدسي والإمام أبا بكر الطرطوشي وأبا محمد هبة الله بن أحمد الأكفاني وأبا الفضل بن الفرات الدمشقي ودخل بغداد وسمع بها من أبي الحسن المبارك بن عبد الجبار الصيرفي المعروف بابن الطيوري ومن أبي الحسن علي بن أيوب البزازي بزايين معجمتين ومن أبي بكر بن طرخان ومن النقيب الشريف أبي الفوارس طراد بن محمد الزينبي وجعفر بن أحمد السراج وأبي الحسن بن عبد القادر وأبي زكريا التبريزي وأبي المعالي ثابت بن بندار الحمامي بتخفيف الميم في آخرين.
وحج في موسم سنة تسع وثمانين وسمع بمكة من أبي علي الحسين بن علي الطبري وغيره ثم عاد إلى بغداد ثانية وصحب أبا بكر الشاشي وأبا حامد الطوسي وأبا بكر الطرطوشي وغيرهم من العلماء والأدباء فدرس عندهم الفقه والأصول وقيد الحديث واتسع في الرواية وأتقن مسائل الخلاف والأصول والكلام على أئمة هذا الشأن من هؤلاء وغيرهم ثم صدر عن بغداد إلى الأندلس فأقام بالإسكندرية عند أبي بكر الطرطوشي فمات أبوه بها أول سنة ثلاث وتسعين.
ثم انصرف هو إلى الأندلس سنة خمس وتسعين وقدم بلده إشبيلية بعلم كثير لم يأت به أحد قبله ممن كانت له رحلة إلى المشرق.
وكان من أهل التفنن في العلوم والاستبحار فيها والجمع له متقدماً في المعارف كلها متكلماً في أنواعها نافذاً في جميعها حريصاً على أدائها ونشرها ثاقب الذهن في تمييز الصواب منها ويجمع إلى ذلك كله آداب الأخلاق مع حسن المعاشرة وكثرة الاحتمال وكرم النفس وحسن العهد وثبات الود فسكن بلده وشوور فيه وسمع ودرس الفقه والأصول وجلس للوعظ والتفسير ورحل إليه للسماع وصنف في غير فن تصانيف مليحة كثيرة حسنة مفيدة منها أحكام القرآن كتاب حسن وكتاب المسالك في شرح موطأ مالك وكتاب القبس على موطأ مالك بن أنس وعارضة الأحوذي على كتاب الترمذي والقواصم والعواصم والمحصول في أصول الفقه وسراج المريدين وسراج المهتدين وكتاب المتوسط وكتاب المتكلمين، وله تأليف في حديث أم زرع وكتاب الناسخ والمنسوخ وتخليص التلخيص وكتاب القانون في تفسير القرآن العزيز وله غير ذلك من التآليف، وقال في كتاب القبس إنه ألف كتابه المسمى أنوار الفجر في تفسير القرآن في عشرين سنة ثمانين ألف ورقة وتفرقت بأيدي الناس.
قلت وأخبرني الشيخ الصالح أبو الربيع سليمان بن عبد الرحمن البورغواطي في سنة إحدى وستين وسبعمائة بالمدينة النبوية قال أخبرني الشيخ الصالح يوسف الحزام المغربي بالإسكندرية في سنة ستين وسبعمائة قال رأيت تأليف القاضي أبي بكر بن العربي في تفسير القرآن المسمى أنوار الفجر كاملاً في خزانة السلطان الملك العادل أمير المسلمين أبي عنان فارس بن السلطان أمير المسلمين أبي الحسن علي بن السلطان أمير المسلمين أبي سعيد عثمان بن يوسف بن عبد الحق، وكان السلطان أبو عنان إذ ذاك بمدينة مراكش وكانت له خزانة كتب يحملها معه في الأسفار وكنت أخدمه مع جماعة في حزم الكتب ورفعها فعددت أسفار هذا الكتاب فبلغت عدتها ثمانين مجلداً ولم ينقص من الكتاب المذكور شيء.
قال أبو الربيع وهذا المخبر يعني يوسف ثقة صدوق رجل صالح كان يأكل من كده.
قلت قال بن خلكان في كتاب الوفيات في معنى عارضة الأحوذي العارضة القدرة على الكلام والأحوذي الخفيف في الشيء لحذقه.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
وقال الأصمعي الأحوذي المشمر في الأمور القاهر لها لا يشذ عليه شيء منها.
والأحوذي بفتح الهمزة وسكون الحاء المهملة وفتح الواو وكسر الذال المعجمة وفي آخره ياء مشددة.
قال القاضي عياض واستقضي ببلده فنفع الله به أهلها لصرامته وشدته ونفوذ أحكامه وكانت له في الظالمين سورة مرهوبة وتؤثر عنه في قضائه أحكام غريبة ثم صرف من القضاء وأقبل على نشر العلم وبثه وذكر أنه ولي قضاء حلب.
وكان رحمه الله تعالى فصيحاً أديباً شاعراً كثير الخبر مليح المجلس وممن أخذ عنه في اجتيازه لسبتة القاضي أبو الفضل عياض ولقيه أيضاً بإشبيلية وبقرطبة فناوله وكتب عنه واستفاد منه وتوفي رحمه الله تعالى في ربيع الأول سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة منصرفه من مراكش وحمل ميتاً إلى مدينة فاس ودفن بها بباب الجيسة والصحيح خارج باب المحروقي من فاس، ومولده ليلة الخميس لثمان بقين من شعبان سنة ثمان وستين وأربعمائة.
من الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب للقاضي إبراهيم بن علي بن محمد بن فرحون برهان الدين اليعمري المالكي (المتوفى 799هـ).