هو محمد بن عبد الله بن صالح بن عمر بن حفص بن عمر بن مصعب بن الزبير بن كعب بن النزال بن مرة بن عبيد بن الحارث بن عمر بن كعب بن زيد مناة بن تميم.
قال أبو بكر الخطيب في تاريخه: أبو بكر الفقيه الأبهري سكن بغداد وحدث بها عن أبي عروبة الحراني، ومحمد بن محمد الباغندي، ومحمد بن الحسن الأشناني، وعبد الله بن زيدان الكوفي، وابن أبي داود، وخلق سواهم من البغداديين والغرباء.
قال القاضي رضي الله عنه: وقد سمع أيضاً من عبيد الله بن الحسن الأنطاكي الصابوني، وأبي بكر بن الجهم الوراق، وأحمد بن مروان الحناش، وابن داسة، والبغوي، وأبي زيد المروزي ورأيت سماعه بخط الأصيلي في كتابه، من صحيح البخاري، ومن مخلد بن سميرة وغيرهم من العراقيين والشاميين.
قال الخطيب: وله التصانيف في شرح مذهب مالك رضي الله عنه والاحتجاج له والرد على من خالفه، وكان إمام أصحابه في وقته حدث عنه إبراهيم بن مخلد، وابنه اسحاق بن إبراهيم، والبرقاني، وأحمد بن علي، ومحمد بن المؤمل الأنباري، وعلي بن محمد بن الحسن الحربي المالكي، والقاضي أبو القاسم التنوخي، والحسن بن علي الجوهري، وغيرهم.
وحدث عنه أيضاً أبو الحسن الدارقطني، والقاضي الباقلاني، وابن فارس المقري، وأبو محمد بن نصر القاضي، ومن أهل الأندلس أبو عبيد الجبيري، والأصيلي، وأبو محمد القلعي، وأبو القاسم الوهراني، واستجازه أبو محمد بن أبي زيد، وذكره ابن أبي الفوارس فقال كان ثقة أميناً مستوراً وانتهت إليه الرياسة في مذهب مالك.
قال الشيرازي: تفقه ببغداد على القاضي أبي عمر، وابنه أبي الحسين وقد أخذ أيضاً عن القاضي أبي الفرج، وأبي بكر بن الجهم، والطيالسي، وابن المنتاب، وابن بكير.
قال الشيرازي: وجمع بين القراءات وعلو الإسناد والفقه الجيد، وشرح المختصر الصغير والكبير لابن عبد الحكم وانتشر عنه مذهب مالك في البلاد.
قال ابن مفرج العنسي: كان القائم برأي مالك بالعراق في وقته.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
قال أبو بكر الخطيب: قال القاضي أبو العلاء الواسطي كان أبو بكر الأبهري معظماً عند سائر علماء وقته لا يشهد محضراً إلا كان المتقدم فيه، وإذا جلس قاضي القضاة المعروف بابن أم شيبان الهاشمي أقعده عن يمينه، والخلق كلهم من القضاة والشهود والفقهاء وغيرهم دونه.
وذكر أبو القاسم الوهراني أبا بكر الأبهري في جزء أملاه في أخباره قال كان رجلاً صالحاً خيراً، ورعاً، عاقلاً، نبيلا فقيهاً عالماً ما كان ببغداد أجلّ منه لقد كنا نخرج معه من الجامع فيتلقانا القاضي محمد بن معروف الحنفي وهو راكب معه الشهود، وكان ربما حكم في جامع المنصور فإذا رأى الشيخ الأبهري، ترجل له وسلم عليه فإن تمكن من يده قبّلها وإلا قبّل منكبه ورأسه، ويفعل الشهود أجمع ذلك ويمشي القاضي راجلاً، وهم معه رجالاً حتى يصلوا إلى باب السكة التي كان يسكنها فيقسم عليه الشيخ فينصرف القاضي والشهود من هنالك، قال ولم يعطَ أحد من العلم والرياسة فيه ما أعطي الأبهري في عصره من الموالفين والمخالفين، لقد رأيت أصحاب الشافعي وأبي حنيفة إذا اختلفوا في أقوال أئمتهم يسألونه فيرجعون إلى قوله وكان يحفظ أقوال الفقهاء حفظاً مشبعاً.
وكان أبو إسحاق الطبري من أصحابنا وحفاظ الحديث يجالسه ويسأله عن أحاديث كثيرة، فيقول له من قطع حديث كذا؟ ومن وقف حديث كذا؟ ومن وصله؟ فيجيبه، وكان الموافقون والمخالفون يقرون بفضله.
قال وسمعته يقول كتبت بخطي المبسوط والأحكام لإسماعيل وأسمعة ابن القاسم وأشهب وابن وهب وموطأ مالك وموطأ ابن وهب، ومن كتب الفقه والحديث نحو ثلاثة آلاف جزء بخطي، ولم يكن قط لي شغل إلا العلم، ولي في هذا الجامع (يعني جامع المنصور ببغداد) ستون سنة أدرّس الناس وأفتيهم وأعلمهم سنن نبيّهم صلى الله عليه وسلم.
قال غيره عنه قرأت مختصر ابن عبد الحكم خمسمائة مرة والأسدية خمساً وسبعين مرة والموطأ خمساً وأربعين مرة ومختصر البرقي سبعين مرة، رأيت هذه الحكاية بخط حاتم ذكرها عن ابن الخراز عن الأبهري وزاد أنه قرأ المبسوط ثلاثين مرة.
قال الوهراني وما رأيت من الشيوخ أسخى ولا أشد مؤاساة لطلبة العلم ومن يرد عليه من الغرباء منه يعطيهم الدراهم ويكسوهم، وكان لا يخلي جيبه من كيس فيه مال فكل ما يرد عليه من الغرباء يغرف له غرفة بلا وزن ولقد سألته عن سبب عيشه أولاً فقال كان رؤساء بغداد، لا يموت أحد منهم إلا وصّى لي بجزء من ماله ولو كنت ممن يريد الجمع لكان معي فوق الثلاثين ألف مثقال.
وكان الأبهري أحد أئمة القرآن، والمتصدرين لذلك والعارفين بوجوه القرآن وتجويد التلاوة وقد ذكره أبو عمرو الداني في طبقات المقرئين.
وتفقه على أبي بكر الأبهري عدد عظيم وخرج له جملة من الأئمة بأقطار الأرض من العراق وخراسان، والجبل ومصر وإفريقية كأبي جعفر الأبهري، وأبي سعيد القزويني، وأبي القاسم الجلاب، وأبي الحسن بن القصار، وأبي عمر بن سعدي الأندلسي نزيل المهدية، وابن عباس البغدادي، وابن أبي تمام، وابن خويز منداد البصري، وأبي محمد الأصيلي، وأبي عبيد الجبيري، وأبي محمد القلعي، وغير واحد.
ولم ينجب أحد بالعراق من الأصحاب بعد إسماعيل القاضي ما أنجب أبو بكر الأبهري كما أنه لا قرين لهما في المذهب بقطر من الأقطار إلا سحنون بن سعيد في طبقته بل هو أكثر الجميع أصحاباً، وأفضلهم اتباعاً وأنجحهم طلاباً ثم أبو محمد بن أبي زيد في هذه الطبقة أيضاً غفر الله لجميعهم ونفع بعلمهم لكن أصحاب أبي بكر الأبهري في العراقيين تتابعوا بعد موته فلم تطل أعمارهم بعد.
ولأبي بكر من التواليف سوى شرحي المختصرين كتاب الرد على المزني وكتاب الأصول وكتاب إجماع أهل المدينة ومسألة إثبات حكم القافة (1) وكتاب فضل المدينة على مكة ومسألة الجواب والدلائل والملل.
ومن حديثه كتاب العوالي وكتاب الأمالي وكان شرح المختصر الصغير سنة تسع وعشرين وثلاثماية وشرح الكبير سنة خمس وأربعين وفيهما نحو عشرين ألف مسألة وعلق عنه خمسة عشر ألف مسألة.
بقية أخباره رضي الله عنه:
قال أبو بكر الخطيب: سئل الأبهري أن يلي القضاء ببغداد فامتنع، فاستشير فيمن يصلح لذلك، فأشار بأبي بكر الرازي وكان حال الرازي يزيد على حال الرهبان في العبادة وكان حنفي المذهب فامتنع وأشار بالأبهري فلما لم يجب واحد منهما إلى القضاء وليَ غيرهما وبعد موت الأبهري وكبار أصحابه وتلاحقهم به وخروج القضاء عنهم إلى غيرهم من مذهب الشافعي وأبي حنيفة ضعف مذهب مالك بالعراق وقل طالبه لاتباع الناس أهل الرياسة والظهور.
قال ابن فطيس وجدت بخط الأبهري الدين عز، والعلم كنز، والحلم حرز، والتوكل قوة.
ومن أخباره، قال دخلت جامع طرسوس وجلست بسارية من سواريه، فجاءني رجل، فقال لي إن كنت تقرأ فهذه حلقة قرآن، وإن كنت مقرئاً فاجلس يقرأ عليك، وإن كنت فقيهاً فاجلس يحلق عليك، وإن كنت متفقهاً فهذه مجالس الفقه قم إليها فإن أحداً لا يجلس في جامعنا دون شغل.
ذكر الفقيه أبو مالك بن مروان بن مالك القرطبي في كتابه عنه أنه قال اجتمعنا في جماعة من أهل العلم والصلاح وقد تناظر رجل من أهل السنة مع رجل معتزلي فطال بينهما الكلام فجاء المساء ولم يظهر أحدهما على صاحبه، فقال السنّي هذا مجلس انقضى على غير فلج وقد حضرنا قوم صالحون فلنخلص الدعاء للمحق منا بأن يثبت القرآن في صدره وينسيه المبطل فدعونا، قال الأبهري فأقرّ لي المعتزلي بعد ذلك أنه نسي القرآن حتى كأنه ما رآه قط.
وتوفي ببغداد ليلة السبت أو يوم السبت لسبع خلون من شوال سنة خمس وسبعين وثلاثمائة وصلي عليه بجامع المنصور، مولده قبل التسعين ومائتين وسنّه ثمانون سنة أو نحوها.
من ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك للإمام القاضي العلامة الحافظ شيخ الإسلام أبي الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبي الأندلسي ثم السبتي المالكي توفي 544 هـ رحمه الله تعالى.
(1) لعلّهها القيافة والله أعلم.