Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
من أهل الأندلس القاضي أبو الوليد الباجي
واسمه سليمان بن خلف بن سعدون بن أيوب بن وارث الباجي أصلهم من بطليوس ثم انتقلوا إلى باجه الأندلس، ثم سكنوا قرطبة واستقر أبو الوليد بشرق الأندلس، أخذ بالأندلس عن ابن الرحوي وأبي الأصبغ ابن أبي درهم وأبي محمد مكي وأبي شاكر القبري خاله ومحمد بن اسماعيل بن فورتش وأبي سعيد الجعفري والقاضي يونس بن مغيث، ورحل سنة ست وعشرين أو نحوها فيما قاله الجياني فأقام بالحجاز مع أبي ذر ثلاثة أعوام حجّ فيها أربع حجج، كان يسكن معه بالسراة ويخدمه ويتصرف له في حوائجه، وسمع هناك أيضاً من أبي بكر المطوعي وأبي بكر ابن سحنون وابن صخر وابن أبي محمود الورّاق، ورحل إلى بغداد فأقام بها ثلاثة أعوام يدرس الفقه ويسمع الحديث عن أئمتها فلقي بها جلة من الفقهاء كأبي الفضل بن عمروس إمام المالكية وأبي الطيب الطبري وأبي إسحاق طاهر بن عبد الله الشيرازي الشافعي وأبي عبد الله الدامغاني والصيمري رئيس الحنفية، وسمع بها من أبي إسحاق البرمكي وابن العشاري وابن قشيش النحوي وغلام الأبهري وأبي عبد الله الصوري وأبي بكر الخطيب وأبي النجيب الأرموي وأبي الحسن العتيقي وأبي الفتح الطناجري وابن حمامة وأبي علي العطار وأبي القاسم التنوخي وأبي الحسن ابن زوج الحرة وأبي منصور السوّاق وأبي رومة وغيرهم. ودخل الشام فسمع بها من ابن السمسار وطبقته، وسمع بمصر من أبي محمد بن الوليد وغير واحد، ودخل الموصل فأقام بها عاماً يدرس على السمناني الأصول، وحاز علمً كثيراً، قال الجياني وكان مقامه بالمشرق نحو ثلاثة عشر عاماً وجلّ قدره بالشرق والأندلس، وسمع منه بالمشرق نحو ثلاثة عشر عاماً وحاز الرئاسة بالأندلس، فأخذ عنه بها علم كثير وسمع منه جماعة وتفقه عليه خلق، فممن تفقه عنده وسمع منه الإمام أبو بكر الطرطوشي وابنه أبو القاسم، وأبو محمد بن أبي قحافة، وأبو الحسن بن مفوز وغيرهم، وشيخنا القاضي أبو عبد الله بن شبرين، وسمع منه من شيوخنا سواه وأبو علي الحافظاني، والقاضي أبو القاسم المعافري من أهل بلدنا والفقيه أبو محمد ابن أبي جعفر، وأبو بحر سفيان بن العاصي وغير واحد، وكان أكثر تردد أبي الوليد بشرق الأندلس ما بين سرقسطة وبلنسية ومرسية ودانية ولم يكن بالأندلس قط أتقن منه للمذهب، وبلغني أن أبا محمد ابن أبي جعفر وأبا محمد بن حزم الظاهري على بعد ما بينهما كان يقول لم يكن للمالكية بعد عبد الوهاب مثل أبي الوليد، رحمه الله.
مكانته من العلم وثناء الجلة عليه:
كان أبو الوليد رحمه الله، فقيهاً نظّاراً محققاً راوية محدثاً يفهم صيغة الحديث ورجاله متكلماً أصولياً فصيحاً شاعراً مطبوعاً حسن التأليف متقن المعارف، له في هذه الأنواع تصانيف مشهورة جليلة، ولكن أبلغ ما كان فيها في الفقه وإتقانه، على طريق النظّار من البغداديين وحذّاق القرويين والقيام بالمعنى والتأويل، وكان وقوراً بهياً مهيباً جيد القريحة حسن الشارة والذي ذكره الأمير أبو نصر ابن ماكولا في إكماله فقال هو من باجة الأندلس، متكلم فقيه أديب شاعر، رحل إلى المشرق فسمع بمكة من أبي ذر، وبالعراق من البرمكي وطبقته، ودرس الفقه على الشيرازي والكلام على السمناني ورجع إلى الأندلس يروي ودرس وألّف، وكان جليلاً رفيع القدر والخطر، وقد روى عنه الخطيب أبو بكر، وسألت عنه شيخنا قاضي قضاة الشرق أبا علي الصدفي الحافظ صاحبه فقال لي هو أحد أئمة المسلمين لا يسأل عن مثله ما رأيت مثله، وكان القاضي أبو عبد الله بن شبرين يثني عليه كثيراً، وكذلك كان شيخنا أبو إسحاق ابن جعفر الفقيه وقاضي القضاة أبو محمد بن منصور يربون به جداً، ويفضلونه ويفضلون كتبه وذكره الإمام أبو بكر الطرطوشي فقال ذكر أستاذنا أبو الوليد الباجي قال لي القاضي لما ورد علينا بغداد أبو القاسم ابن القاضي أبي الوليد سرت معه إلى شيخنا قاضي القضاة أبي بكر الشاشي وكان ممن صحبه أبو الوليد قديماً ببغداد وعلّق عنه فلما دخلنا عليه قلت له أعزك الله هذا ابن شيخ الأندلس فقال لعله ابن الباجي، فقلت نعم، فأقبل عليه.
ذكر جمل من أخباره رحمه الله:
وليَ قضاء مواضع من الأندلس تصغر عن قدره، كأريولة وشبهها، وكان يبعث إليها خلفاءه وربما قصدها المرة بنفسه ووجد عند وروده بالأندلس لابن حزم الداودي صيتاً عالياً وظاهريات منكرة وكان لكلامه طلاوة وقد أخذت قلوب الناس، وله تصرف في فنون تقصر عنها ألسنة فقهاء الأندلس في ذلك الوقت، لقلة استعمالهم النظر وعدم تحققهم به، فلم يكن يقوم أحد بمناظرته، فعلا بذلك شأنه، وسلموا الكلام له، على اعترافهم بتخليطه، فحادوا عن مكالمته فلما ورد أبو الوليد الأندلس وعنده من الإتقان والتحقيق والعرفة بطرق الجدل والمناظرة ما حصله في رحلته، أمله الناس لذلك، فجرت له معه مجالس كانت سبب فضيحة ابن حزم وخروجه من ميورقة.
ذكر تصانيفه:
من ذلك في الفقه والمعاني كتابه المنتقى في شرح الموطأ عشرين مجلداً لم يؤلف مثله، وكان ابتدأ كتاباً أكبر منه بلغ فيه الغاية سماه الاستيفاء في هذا المعنى، لم يصنع مثله، في مجلدات، ثم اختصر من المنتقى كتاباً آخر سماه الإيماء خمس مجلدات وكتاب السراج في عمل الحجّاج في مسائل الخلاف كبير لم يتمّ، والكتاب المقتبس في علم مالك بن أنس لم يتم أيضاً، وكتاب المهذّب في اختصار المدونة، وهو اختصار حسن، وشرح المدونة لم يتم ومختصر المختصر في مسائل المدونة ومسألة مسح الرأس، ومسألة غسل الرجلين ومسألة اختلاف الزوجين في الصداق وغير ذلك، ومن تواليفه في الحديث كتاب اختلاف الموطآت، وكتاب التعديل والترجيح لمن خرج عنه البخاري في الصحيح ومن كتبه في الأصول والكلام كتاب التسديد إلى معرفة طريق التوحيد وكتاب أحكام الفصول في أحكام الأصول وكتاب الإشارة في الأصول وكتاب الحدود وكتاب تفسير المنهاج في ترتيب طرق الحجاج وتواليفه كثيرة مفيدة ككتاب سنن الصالحين وسنن العائدين وكتاب سبيل المهتدين وكتاب تهذيب الزاهر لابن الأنباري وتفسير القرآن لم يتم والناسخ والمنسوخ لم يتم وكتاب الأنصار لأعراض الأئمة الأخيار وغير ذلك.
بقية أخباره ووفاته:
وكان مطبوع القول شغفاً بالشعر، وقد ألّف أبو القاسم ابنه شعره ومن شعره المشهور ما أنشده أبو بكر الخطيب البغدادي. قال أنشدني أبو الوليد سليمان بن خلف لنفسه رحمه الله:
إذا كنت أعلم علماً يقيناً *** بأن جميع حياتي كساعة
فلم لا أكون ضنيناً بها *** وأجعلها في صلاح وطاعة
وكان له ابنان أحدهما أبو القاسم خلف مجلسه وسيأتي ذكره والآخر أبو الحسن محمد توفي في حياة أبيه بسرقسطة وكان نبيلاً ذكياً مرجواً، فرثاه أبوه بمراثي شجية، وكان له إخوة جلّة نبلاء وبيته بيت علم ونباهة قال أبو علي الجياني مولده في ذي القعدة سنة ثلاث وأربعماية، وتوفي بالمرية سنة أربع وسبعين لسبع عشرة خلت من رجب، وكان جاء إلى المرية سفيراً بين رؤساء الأندلس يؤلفهم على نصرة الإسلام، ويروم جمع كلمتهم مع جنود ملوك المغرب المرابطين على ذلك، فتوفي قبل تمام غرضه رحمه الله.
من ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك للإمام القاضي العلامة الحافظ شيخ الإسلام أبي الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبي الأندلسي ثم السبتي المالكي توفي 544 هـ رحمه الله تعالى.