عبد الرَّحْمَٰن بن القاسم العتقي
قال أبو عمر الكندي في كتابه أعيان موالي مصر:
كنيته أبو عبد الله، وهو عبد الرَّحْمَٰن بن القاسم بن خالد بن جنادة كذا ضبطه الدارقطني والأمير.
قال ابن وضاح: وأصله من الشام من فلسطين من مدينة الرملة وسكن مصر.
قال الدارقطني: وله بمصر مسجد يعرف بمسجد العتقي.
وروى عن الليث وعبد العزيز بن الماجشون ومسلم ابن خالد الزنجي وبكر بن مضر وابن الدراوردي وابن زبيد وابن أبي حازم وسعد وعبد الرحيم وعثمان ابن الحكم وغير واحد.
وروى عنه أصبغ وسحنون وعيسى بن دينار والحارث بن مسكين وعيسى بن تليد ويحيى بن يحيى الأندلسي، وأبو زيد بن أبي الغمر ومحمد بن المواز وأبو ثابت المدني ومحمد عبد الحكم…
ثناء الأجلاء عليه:
قال الكندي: ذكر ابن القاسم لمالك، فقال: عافاه الله، مثله كمثل جراب مملوء مسكاً.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
وقال الدارقطني: ابن القاسم صاحب مالك من كبار المصريين وفقهائهم.
قال أبو عمر بن عبد البر: كان قد غلب عليه الرأي وكان رجلاً صالحاً مقلاً صابراً، وروايته في الموطأ صحيحة قليلة الخطأ، وكان فيما رواه عن مالك متقناً حسن الضبط….سئل مالك عنه وعن ابن وهب، فقال: ابن وهب عالم وابن القاسم فقيه.
قال ابن معين: هو ثقة.
قال أبو زرعة: هو ثقة رجل صالح كان عنده ثلاثمائة جلد عن مالك من المسائل أو نحو هذا.
وقال النسائي: ومن فقهاء الأمصار بمصر عبد الرحمان بن القاسم وأشهب بن عبد العزيز.
وقال النسائي: ابن القاسم ثقة رجل صالح، سبحان الله ما أحسن حديثه وأصحّه عن مالك، ليس يختلف في كلمة أحد ولم يرو أحد الموطأ عن مالك أثبت من ابن القاسم، وليس أحد من أصحاب مالك عندي مثله. قيل له: فأشهب؟ قال: ولا أشهب ولا غيره، هو عجب من العجب، الفضل والزهد وصحة الرواية وحسن الدراية وحسن الحديث، حديثه يشهد له.
وقال ابن وهب لأبي ثابت: إن أردت هذا الشأن، يعني فقه مالك، فعليك بابن القاسم، فإنه انفرد به وشغلنا بغيره.
وبهذا الطريق رجح القاضي أبو محمد عبد الوهاب البغدادي مسائل المدونة لرواية سحنون لها عن ابن القاسم، وانفراد ابن القاسم بمالك وطول صحبته له، وأنه لم يخلط به غيره إلا في شيء يسير، ثم كون سحنون أيضاً مع ابن القاسم بهذه السبيل ما كانا عليه من الفضل والعلم.
قال يحيى بن يحيى: كان ابن القاسم أحدث أصحاب مالك بمصر سنا، وأحدثهم طلباً وأعلمهم بعلم مالك وآمنهم عليه.
قال ابن الحارث: هو أفقه الناس بمذهب مالك، قال: وسمعنا شيوخنا يفضلون ابن القاسم على جميع أصحابه في علم البيوع، وقال له مالك اتق الله وعليك بنشر هذا العلم.
قال أبو الطاهر: أخبرني خالي وكان من المتهجدين ومن أهل العلم، رأيت في المنام كأن قائلاً يقول لا يفتي الناس إلا ابن وهب وابن القاسم المذهب ثم رأيت ذلك بعد حول.
وقال أبو اسحاق الشيرازي: جمع بين الفقه والورع صحب مالكاً عشرين سنة، وتفقه به وبنظرائه.
ذكر ابتداء طلبه وسيرته في ذلك:
قال ابن وضاح: سمع ابن القاسم من المصريين والشاميين وإنما طلب وهو كبير ولم يخرج لمالك حتى سمع من المصريين وأنفق في سفرته إلى مالك ألف مثقال.
قال سحنون عنه: ما خرجت إلى مالك إلا وأنا عالم بقوله.
وقال لابنه موسى بن عبد الرحمان : ألا أخبرك كيف طلبت العلم؟
قال: بلى.
قال: كان لي أخ فنازع رجلاً فسار إلى السلطان فتبعته حتى أتياه، فأمر بأخي إلى السجن فتبعته، فدخلت المسجد وعليّ نعل سندي ومعصفرة فإذا حلق الناس يتلاقون العلم، فبهت فيهم وشغلت عن الذهاب إلى أخي فرجعت إلى المنزل وأخذت حذاء ورداء آخر غير الأول، فأتيت المسجد فجلست فيه وحدي أنظر إلى الناس، فانصرفت فنمت فأتاني آت فقال لي: إن أحببت العلم فعليك بعالم الآفاق. قلت: ومن عالم الآفاق؟
قيل لي: هذا الشيخ فإذا شيخ أشقر طوال حسن اللحية فاستيقظت وقد مضى أكثر شوال، فاكتريت إلى مكة وحججت مع الناس، فلما أتينا المدينة اغتسلت ودخلت المسجد، ونظرت فإذا انا بالصفة التي أريت في المنام، وإذا هو مالك بن أنس والناس حوله يعرضون عليه، فعرفت أنه الذي قيل لي في النوم أنه عالم بالآفاق، فلزمته.
قال ابن القاسم: كنت أسمع من مالك كل يوم غلساً إذا خرج من المسجد ثلاثة أحاديث، سوى ما أسمع مع الناس معه بالنهار.
وفي رواية: كنت آتي مالكاً غلساً، فأسأله عن مسألتين، ثلاثة، أربعة، وكنت أجد منه في ذلك الوقت انشراح صدر، فكنت آتي كل سحر، فتوسدت مرة في عتبته فغلبتني عيني فنمت، وخرج مالك إلى المسجد فلم أشعر به، فركضتني سوداء له برجلها وقالت لي: إن مولاك قد خرج ليس يغفل كما تغفل أنت، اليوم له تسع وأربعون سنة قلما صلى الصبح إلا بوضوء العتمة. ظنت السوداء انه مولاه من كثرة اختلافه إليه.
ولابن القاسم سماع من مالك عشرون كتاباً وكتاب المسائل في بيوع الآجال.
ذكر فضله وعبادته وزهده وورعه وكرامته وشيء من خبره:
قال ابنه موسى: قال لنا أبي (وأمرنا بالصلاة والخير) ثم قال: كنت وأنا ابن ثمان عشرة سنة أختم في كل يوم [وأحسبه قال وكل ليلة] القرآن.
قال الحارث بن مسكين: سمعت ابن القاسم يقول: اللهم امنع الدنيا مني وامنعني منها بما منعت به صالحي عبادك، فكان في الورع والزهد شيئاً عجيباً.
قال سحنون: كان مالك معلم ابن القاسم في العلم، وكان معلمه في العبادة سليمان بن القاسم.
وقال ابن القاسم فيهما: رجلان أقتدي بهما في ديني، سليمان في الورع، ومالك في العلم.
قال أسد: كان ابن القاسم يختم في كل يوم وليلة ختمتين فنزل لي حين جئته عن ختمة رغبة في إحياء العلم.
وحكى يحيى بن عمر عن بعضهم قال: شهدت العيد مع عبد الرحمن بن القاسم فلما انصرفنا دخل ابن القاسم المسجد فصلى، ثم سجد فطول حتى خفت أن يفوتني الغداء مع أهلي، فدنوت منه فسمعته يقول: إلهي انقلب عبيدك إلى ما أعدوه لهذا اليوم وانقلب عبد الرحمان إليك يرجو مغفرتك في هذا اليوم العظيم، فإن كنت فعلت فبخ بخ وإن كنت لم تفعل فيا ويلي ويا حسرتي، قال فجعلت على ثوبه علامة ثم سرت إلى أهلي، فتغديت معهم ووطئت ونمت ثم جئت المسجد فوجدته على هيأته كما تركته.
قال يحيى: وخرج ابن القاسم للحج، فلما كان بالأبواء إذ أتته جارية كأحسن الجواري فناولها شيئاً، فقالت له ما أريد هذا، إنما أريد منك ما يكون من الرجل إلى المرأة، فأدخل رأسه بين ركبتيه وجعل يبكي، وأتاه أصحابه وهو كذلك فسألوه فأخبرهم، فجعلوا يبكون فقال لهم لم تبكون؟ قالوا لأنا لو ابتلينا بما ابتليت به لم نأمن من الفتنة…..
وقال ابن وهب حين مات ابن القاسم: كان أخي وصاحبي في هذا المسجد منذ أربعين سنة، ما رحت رواحاً ولا غدوت غدواً قط إلى هذا المسجد إلا وجدته سبقني إليه.
وحكى عن ابن القاسم أنه كان يقرأ عليه الموطأ إذ قام قياماً طولاً ثم جلس، فقيل له في ذلك فقال: نزلت أمي تسأل حاجة، فقامت وقمت لقيامها، فلما صعدت جلست.
قال أبو الفضل مولى نجم: كان ابن القاسم يأكل في الشهر عشرين مداً من دقيق بمد النبي صلى الله عليه وسلم، وكان فقيهاً عابداً.
ذكر وفاته:
قال ابن سحنون وغيره: كانت وفاة ابن القاسم بمصر ليلة الجمعة لتسع خلون من صفر سنة إحدى وتسعين ومائة بعد قدومه من مكة بثلاثة أيام وقيل ستة….ومرض ستة أيام وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة وقيل توفي سنة اثنين وتسعين وهو ابن ستين سنة.
قال الكندي والشيرازي: مولده سنة اثنين وثلاثين ومائة وقاله أبو الطاهر وابن بكير.
وقال أبو عمر بن عبد البر وابن حارث: مولده سنة ثمان وعشرين ومائة وترك ابنين……
وذكر الكندي عمر بن القاسم أخا عبد الرحمان بن القاسم، قال: وكان مقبولاً عند القضاة وكان فاضلاً.
قال عبد الله بن عبد الحكم: كنت أرى في النوم كأني أموت فأجزع من الموت، فيشتد شدة شديدة، ويقال لي: أما ترضى أن تكون مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً، ومع عبد الرحمان ابن القاسم؟
رحمه الله تعالى.
من ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك للإمام القاضي العلامة الحافظ شيخ الإسلام أبي الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبي الأندلسي ثم السبتي المالكي توفي 544 هـ رحمه الله تعالى.