Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
البهلول بن راشد أبو عمر من أهل القيروان
قال محمد بن أحمد التميمي كان ثقة مجتهداً ورعاً مستجاب الدعوة لا شك في ذلك، كان عنده علم كثير سمع من مالك والثوري وعبد الرحمان بن زياد ويونس بن زيد وحنظلة بن أبي سفيان وموسى بن علي بن رباح والليث بن سعد والحارث بن نبهان وكان أولاً مشغولاً بالعبادة، فلما احتاج الناس إليه في العلم سمع الموطأ من علي بن زياد وابن غانم، وسمع جامع سفيان الصغير من ابن أبي الخطاب، وأبي خارجة، والجامع الكبير من علي بن زياد ودون الناس عنه جامعاً، وقام بفتياهم، وسمع من البهلول سحنون وعون والجعفري وعبد المتعالي وخالد بن يزيد وأبو سنان ويحيى بن سلام وغيرهم من بعدهم.
قال أبو عبيد الله الجدائبي وروى عن البهلول أيضاً عبد الله بن مسلمة القعنبي وقال حدثنا البهلول بن راشد وهو وتد من أوتاد المغرب، وروى عنه يزيد الفقر ونظر إليه مالك بن أنس فقال هذا عابد بلده، وجاءت إلى مالك من عند ابن غانم أقضية فقال ما قال فيها المصفر؟ يعني البهلول وما قال فيها الفارسي؟ يعني عبد الله بن فروخ.
قال سعيد بن الحداد ما كان بهذا البلد أحد أقوم بالسنة من البهلول في وقته، وسحنون في وقته.
قال أبو حاتم هو ثقة لا بأس به.
وقال العقيلي هو شيخ من أهل المغرب، ليس به بأس وقال مثله علي بن الجويني وقال أبو إسحاق البرقي كان بهلول بن راشد من أهل الفضل والعلم والورع معروفاً بذلك مع العبادة والاجتهاد.
قال سحنون كان البهلول رجلاً صالحاً ولم يكن عنده من الفقه ما عند غيره، وإنما افتديت به في ترك السلام على أهل الأهواء.
ذكر فضائل البهلول وعبادته وورعه وتواضعه وشمائله وبقية أخباره:
قال أبو إسحاق البرقي قال البهلول بن عمر ما رأيت أحداً أخشى لله من البهلول بن راشد.
قال سحنون كنا نختلف عند البهلول نتعلم منه السمت قال غيره دفع إلى البهلول كتاب ففضه فإذا فيه من امرأة من سمرقند من خرسان مجنت مجوناً لم يمجنه أحد إلا هي ثم تابت إلى الله، وسألت عن العباد في أرضه فوصف لها أربعة بهلول بإفريقية أحدهم فسألتك بالله يا بهلول ألا دعوت الله في أن يديم لي ما فتح لي فيه فسقط الكتاب من يده وخر على وجهه وجعل يبكي حتى لصق الكتاب بطين دموعه ثم قال يا بهلول كان الذكر لرباح فلما مات، صار لبهلول وما ذلك إلا من خبيئة كانت له.
وكان عند البهلول طعام فغلا السعر فباعه ثم أمر أن يشترى له ربع نصف قفيز، فقيل له في ذلك فقال نفرح إذا فرح الناس ونحزن إذا حزنوا.
ودخل بهلول على ابن غانم القاضي وقت المغرب في رمضان فقرب الماء ليغسل من حضر ففعلوا وغسل بهلول ولم يأكل فكلمه في ذلك ابن غانم القاضي وقال أنا سلطان طعامي حرام؟ ألست بصائم؟ فجعل البهلول يعتذر إليه ويقول طعام لا أجد في بيتي مثله، وإن تكلفت شق علي وأنا أمره أن أتكلف بما يشق علي وابن غانم يهذر ويعيد كلامه الأول، والبهلول يعتذر ولا يزيد على قوله الأول، حتى فرغ القوم وخرجوا وخرج البهلول.
وذكر ابن اللباد أن رجلاً سأل بهلولاً عن مسألة فأجابه فيها ثم قال له اذهب إلى الفارسي يعني ابن فروخ فاسأله، فذهب إليه فسأله، فأجاب بمثل قول بهلول، فانصرف إلى بهلول فسأله أيضاً، فقال ألم أدلك على ابن فروخ؟ قال بلى وقد أجابني قال بهلول فما لك تفضل بعض الناس على بعض؟ يريد نفسه، والله لو كانت للذنوب رائحة ما جلست إلي ولا جلست إليك، وقال ابن فروخ الدرهم الجيد، وأنا الدرهم المقوى، قال بهلول لقيت رباح بن يزيد ببئر زمزم، ومعه خراساني وقد نزعا ماء من بئر زمرم فجعلاه في سويق فنظرته فإذا هو عسل فقالا لا تخبر بما رأيت فما فعلت حتى مات.
قال سحنون سأل رجل البهلول وأنا عنده عن مسألة، فأجابه بخطأ فقلت له في ذلك، فقال ألا ترى إلى هؤلاء الأحداث يؤذوننا وكنت إذا اجتمع لي قطعة خرجت إلى علي بن زياد فخرجت إليه، فبينما أنا عنده جاءه كتاب البهلول فرمى به إلي فقلت هذه مسألة اختلف فيها عندنا فقال لي ما قالوا؟ قلت قال البهلول كذا قال ومن نازعه؟ فقلت أنا، قلت فيها كذا قال أصبت وأخطأ اكتب إليه بهذا عني ثم قال لي افرح بهذا الرجل فإنه صالح.
وذكر رجل لبهلول أنه رأى الشمس والقمر ادخلا جوفه فأفتاه بهلول بأنه يموت وتلا (وجمع الشمس والقمر يقول الإنسان يومئذ أين المفر).
ذكر محنته ووفاته:
قال القاضي رحمه الله: امتحن البهلول على يد العكي أمير القيروان وقيل له أنه يقع في سلطانك وضعف عنده أمره فأمر به فتحاشد الناس معه فزاده ذلك حنقاً عليه، وأخرج إليهم الأجناد ففضوهم وأمر بتجريده وضربه بالسياط ورمى جماعة أنفسهم، فضربوا، وضرب هو نحو العشرين وحبسه، وكان عندما هم به وسيق لقيه قوم متمثلون فشاوروه في القيام عليه وتخليصه فجعل يقول لا لا، قال بعضهم كنا في غزاة مع بعض الخلفاء وكنا معه في أهل الثغور اثني عشر ألفاً وكان يقضي لنا كل يوم حاجتين، فلما بلغنا ضرب العكي لبهلول اختل العسكر، وتقدمنا إلى باب الخليفة فسألنا حاجبه، فقلنا قد جعلنا حوائجنا نصرة البهلول، بلغنا أن العكي ضربه، فقال الحاجب اتقوا الله في دم العكي، إن بلغ هذا الخليفة قتله، وكيف يضرب البهلول إلا أن يكون أهل أفريقية ارتدوا وكان مما حرك عليه العكي أنه كان يهادي ملك الروم فوجه إليه الطاغية في سلاح وحديد ونحاس فلما أراد توجيه ذلك إليه عارضه في ذلك بهلول ووعظه فيه إذ لا يجوز ذلك.
قال أبو زرجونة كنت عند بهلول بعد ضربه إذ سمعت بكاء رجل داخل من الباب وإذا ابن فروخ فجلس أمامه، فبكى فقال له بهلول:ما أبكاك يا أبا عمر؟ قال أبكي لظهر ضرب بغير حق فقال قضاء وقدر.
وندم العكي بعد ذلك، وقال لابن غانم هل تستطيع أن ترينيه؟ فقال أما على أن يأتيك فلا ولكن استدعيه أنا واستشرف أنت من حيث تراه، ففعل، فلما بصر به جعل يقول تبارك الله كأنه سفيان الثوري في شأنه، فعن قريب عزل العكي اسوأ عزل وولي تمام بن تميم وحكي أنه لما مدت رجلاه للقيد قال إن هذا الضرب من البلاء الذي لم أسأل الله العافية منه خطرة وأتاه السجان في سجن العكي فعالجه فوهب إليه ديناراً وأعطى لمن معه دراهم، فعل بهم هذا ثلاثة أيام كلما دخلوا عليه إعطاهم فخاف أصحابه حاجته قبل خروجه فقالوا للسجان قد برىء فلا تعاودوه فلما استبطأه بهلول سأل عنه أصحابه، وكأنه فطن لهم، فقالوا له لكل يوم دينار؟ فقال وما في ذلك؟ فقال له حفص بن عمارة من أصحابه سمعت الثوري يقول إذا كمل صدق الصادق لم يملك ما في يديه فخر بهلول على يديه يقبلهما ويقول سألتك بالله أنت سمعتها منه؟ وبرىء الضرب الذي ضرب إلا أثر سوط واحد، تنغل فصار قرحة فكان سبب موته رحمه الله. قال البهلول أقمت ثلاثين سنة أقول إذا أصبحت وإذا أمسيت بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض وهو السميع العليم…. إلى آخر هذا فنسيتها يومي مع العكي، فابتليت.
وتوفي سنة ثلاث وثمانين ومائة قال سحنون بعد علي بن زياد بخمسة وثلاثين يوماً، كذا قال غير واحد، وقال فرات سنة اثنتين ومولده مع عبد الله ابن غانم في ليلة واحدة سنة ثمان وعشرين ومائة.
من ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك للإمام القاضي العلامة الحافظ شيخ الإسلام أبي الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبي الأندلسي ثم السبتي المالكي توفي 544 هـ رحمه الله تعالى.