الفصل الخامس
يدعي الألباني أن كل من تكلم بالكفر أو يكفر
بالفعل في حكم المكره
من ضلالات ناصر الدين الألباني قوله [1]: “ولم تلاحظ أن هذا يستحيل أن يكون المفر العملي خروج عن الملة إلا إذا كانالكفر قد انعقد في قلب الكافر عملاً” اهـ.
الرد: هذامن كفريات الألباني حيث إنه شرط أن يقارن الكفرَ الفعلي والقولي الاعتقاد وهذامعناه إلغاء حكم ءاية الإكراه بأن الله تعالى استثنى المكره فشرط في الحكم عليهبالكفر أن يكون شارحًا صدره أي معتقدًا لكفره هذا، هذا الذي استثناه الله تعالىبهذه الآية من الحكم عليه بالتكفير، وناصر الألباني جعل هذا عامًّا في المكره وغيرهوهو بهذا خالف الآية وخالف إجماع علماء الإسلام، فإنهم صرحوا في المذاهب الأربعةبأن الكفر ثلاثة أقسام أي كل قسم كفر بمفرده من غير أن ينضاف إليه الآخر، قالوا كفرقولي وكفر فعلي وكفر اعتقادي، فخالف الالباني علماء الإسلام فحصر الكفر في الاعتقادفمعنى ذلك لا كفر إلا ما قارنه الاعتقاد، وأما ءاية الإكراه قد ورد فيها ما يبينهذا المعنى، والدليل على ذلك ما ذكره الفقيه المحدث ابن أمير الحاج تلميذ الحافظابن حجر في كتابه التقرير والتحبير [2] قال ما نصه: “ثم مما يدل على هذه الجملة ماروى إسحاق بن راهويه وعبد الرزاق وأبو نعيم والحاكم والبيهقي بإسناد صحيح من طريقأبي عبيدة بن محمد بن عمار عن أبيه قال: أخذ المشركون عمار بن ياسر فلم يتركوه حتىسبّ النبي صلى الله عليه وسلم وذكر ءالهتهم بخير، فما أتى النبي صلى الله عليه وسلمقال: “ما وراءك” قال: شر يا رسول الله ما تركت حتى نلت منك وذكرت ءالهتهم بخير،قال: “فكيف تجد قلبك” قال: مطمئنًا بالإيمان قال: “فإن عادوا فعد”، و قال ابن عبدالبر: أجمع أهل التفسير على أن قوله تعالى: {مَن كفرَ باللهِ مِن بعدِ إيمانهِ إلا مَن أُكرِهَ وقلبهُ مُطمَئِنٌّبالإيمان} [سورة النحل/106] نزلت في عمار” انتهى.
وقال الإمام الحافظ المجتهد ابن المنذر في الإشراف [3] ما نصه: “قالالله عز وجل: {إلا مَن أكرهَ وقلبهُمطمنٌّ بالإيمان} نزلت في عمار وغيره قال لهم كلمةأعجبتهم تقيَّةً فاشتد على عمار الذي كان يتكلم به فقال رسول الله صلى الله عليهوسلم: “كيف كان قلبك حين قلت الذي قلتَ أكانَ منشرحًا بالذي قلت أن لا”؟ فأنزل اللهعز وجل: {إلا من أُكرِهَ وقلبهُ مطمئنٌّبالإيمان} الآية” انتهى.
وقال الحافظ ابن حجرفي شرح البخاري [4] ما نصه: “وقد أخرج الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباسفي قوله: {إلا من أكرهَ وقلبهُ مطمئنٌّبالإيمان} قال: أخبر الله أن من كفر بعد إيمانهفعليه غضب من الله، وأما من أُكرهَ بلسانه وخالفه قلبه بالإيمان لينجو بذلك من عدوهفلا حرج عليه، إن الله إنما يأخذ العباد بما عقدت عليه قلوبهم، قلت: وعلى هذافالاستثناء مقدم من قوله: {فعليهمغضبٌ} كأنه قيل: “فعليهم غضب من الله إلا من أكره” لأن الكفر يكون بالقول والفعل من غير اعتقاد، وقد يكون باعتقاد فاستثنى الأول وهوالمكره” انتهى كلام الحافظ. فقد بان وظهر خروجك يا ألباني عن حكم هذه الآيةوالتفصيل الذي تضمنته لأنك جعلت كل من تكلم بالكفر أو يكفر بالفعل في حكم المكرهحيث اشترطت للحكم عليه بالكفر الاعتقاد وفارقت بذلك المسلمين حتى عن فرقتك الوهابيةفإليك نص أحدهم وهو عبد المنعم مصطفى حليمة حيث ردّ على ما ادعيت من أن شاتم اللهأو الرسول لا تراه ردة على الإطلاق فقال ما نصه [5]: “بل هو كافر مرتد على الإطلاق،بهذا نطقت أدلة الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والتابعين لهم بإحسان وتابعي تابعيهممن أئمة العلم والدين، لم يشذ عنهم إلا من كان في الإيمان مرجئ أو جهمي جلد” اهـ.
فالاعتقاد هو شرح الصدر لأن الاعتقاد هو عقد القلب على شئ، والآيةالمذكورة لما نفت الحكم بالكفر عن هذا المكره أثبتت فير غيره بلا شرح الصدر بمجردالنطق أو الفعل من غير أن يقال إنه اعتقاد، فأفادت الآية حكمين الحكمَ المذكور علىالمكره والحكمَ على غير المكره بقول الكفر أو فعل الكفر من غير أن يقترن بهمااعتقاد، فأنت يا شاذ إمام الشاذين عطَّلت حكم الآية وخالفت علماء الإٍسلام سلفهموخلفهم بما فيهم من الخلفاء والسلاطين والحكام فلن تجد خليفة من الخلفاء أو سلطانًامن سلاطين المسلمين أو حاكمًا من حكامهم الشرعيين أنه أتي بمرتد فقال له: هل كنتشارحًا صدرك، وهذا البخاري قد روى في صحيحه [6] أن معاذ بن جبل قدم على أبي موسىوإذا رجل عنده قد جمعت يداه إلى عنقه، فقال له معاذ: يا عبد الله بن قيس أيّم هذا؟قال: هذا رجل كفر بعد إسلامه، قال: لا أنزل حتى يقتل، قال: إنما جيء به لذلكفانْزِل، قال: ما أنزل حتى يقتل، فأمر به فقتل ثم نزل، فهل سأل معاذ بن جبل: هلسألته هل كان شارحًا بكفره الذي كفره أم لا، فإن ما ادعاه الألباني شرعٌ أحدثه منبنات أفكاره، فما أشد ولعه بالخلاف والتفرد عن العلماء، وأما سبق اللسان إلى الكفربدون إرادة فهذا كغير الموجود أي كأنه لم يحصل.
وأما احتجاجك بحديث الذي كاننباش القبور فأوصى أولاده بأن يحرقوه إذا مات ويذروا رماده في يوم ريح شديدة، وقاللهم: “لئن قدر الله علي ليعذبني عذابًا لا يعذبه أحدًا” وقال: “لعلي أضلُّ الله“،فاحتجاجك بهذا باطل مردود لأن هذا الرجل خرج منه هذا الكلام ليس عن شك في قدرة اللهعليه وإنما كان الرجل في حال دهشة فتجلجل لسانه فنطق بلا إرادة مثل الرجل الذي وردفي صحيح مسلم [7] أنه أضلَّ ناقته وكان عليها طعامه وشرابه فنزل تحت شجرة فنام ثماستيقظ فلم يجدها ثم نام ثم استيقظ فوجدها قائمة عنده فقال من شدة الفرح: اللهم أنتعبدي وأنا ربك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أخطأ من شدة الفرح”، وهذا حالهكحال هذا لأن شدة الحزن والكرب قد يسبب النطق بالكلام بشئ قبيح بدون إرادة كما أنشدة الفرح كفرح هذا الرجل قد يسبب ذلك، هذا هو الصحيح في توجيه حديث هذا الرجل الذيأوصى أن يحرق إذا مات، قال الحافظ ابن الجوزي: لم يكن هذا الرجل على شكّ بقدرة اللهعليه لأن الشك في قدرة الله كفر باتفاق، فيا ويلك يا ألباني ويا ويل من قلدك فتهوركما تهورت إلى أمر يجعل فاعله مرتدًا كافرًا لأن من خصائص الإسلام الإيمان بأن اللهقادر على كل شئ كما أن خصائص الإسلام أن الله عالم بكل شئ فكيف يصح الإسلام لمن شكفي قدرة الله على كل شئ أو علم الله بكل شئ.
وأما الاجتهاد بنوع منالتأويلفإنما يكون عذرًا في ترك تكفير فاعله فالشرط أن لا يكون ذلك في القطعيات لأنه لايقبل التأويل في القطعيات ككفر ابن سينا في قوله بأزلية العالم وكان منتسبًا إلىالإسلام فكفّره العلماء في قوله هذا ولم يعذره فلم يقولوا هذا تأوَّل بالاجتهاد فهومعذور لا يكفّر كما كفّره زعيمكم ابن تيمية وهو موافقُهُ في هذه الكفرية لا فرقبينه وبين ابن سينا إلا أن ابن سينا يقول العالم قديم بمادته وصورته وزعيمكم ابنتيمية يقول العالم قديم بجنسه لا بنوعه وأفراده، ولزم من قوله هذا قدم الأفراد لأنالجنس والنوع لا وجود لهما إلا في ضمن الأفراد ولذلك قال الحافظ السبكي إن ابنتيمية قال لم يزل مع الله مخلوق، ولا يشك ذو فهم من لزوم هذا من قول ابن تيميةالعالم قديم بنوعه، فكذّب زعيمكم ابن تيمية قول الله تعالى: {هو الأول} أيلا أوَّل أولية مطلقة إلا الله، وكذلك كذب حديث البخاري: “كان الله ولم يكن شئغيره” لأن نوع العالم وأفراده غير الله كما أن المكان والجهات غير الله، وكذب حديث [8]: “كان الله تبارك وتعالى قبل كل شئ”، ولفظ شئ يشمل النوع والأفراد، ومع هذاالكفر الذي صرح به في عدة من كتبه تسمونه شيخ الإسلام من باب العصبية الاعتقاديةلأنكم وجدتموه زعيمكم الأول في تكفير المتوسلين بالأنبياء والأولياء وتكفير زوّارالقبور بقصد التبرك بالأنبياء والأولياء.
ومن ضلالات الألباني ما ذكره فيفتاويه ونص عبارته [9]: “ذلك لأن المسلم حقًّا قد يخفى عليه حكم ما فيقع في الكفرالمخرج عن الملة لكن هو لا يدري ولا يشعر ولذلك فلا يجوز أن نحكم على مسلم بعينهأنه كفر ولو وقع في الكفر –كفر ردة- إلا بعد إقامة الحجة عليه” اهـ.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
فهذافيه رد وإبطال لحكم شرع الله تعالى وهو أن المسلم إذا تكلم بكلمة كفرية أو فعلفعلاً كفريًا كسب الله وسب رسوله أو سجود للصنم أو للشمس فمن فعل ذلك بإرادة ولو منغير اعتقاد وانشراح صدر كفر وهو مجمع عليه عند العلماء.
وأما احتجاجالألباني في بعض كلامه بآية {وما كُنّامعذبينَ حتى نبعثَ رسولاً} [سورة الإسراء/15] فهواحتجاج بالآية في غير محلها، لأن هذه الآية تعني أن من لم يسمع بدعوة الأنبياء غيرمكلف كالصبي فلا يُجرى عليهما قلم السيئات. فقد تبين أن هذا من جملة تحريفاتالألباني لكتاب الله، لم يدر الألباني الفرق بين المشرك الذي بلغته دعوة نبي فعاندفأصرّ على شركه وبين من لم تبلغه دعوة نبي من الأنبياء من المشركين حتى مات وهو علىهذه الحال، فأين هذا مما ادعاه الألباني أن المسلم إذا تكلم بكلمة الكفر أو فعلفعلاً كفريًا لا يحكم عليه بالكفر إلا بعد إقامة الحجة عليه، فما أجرأ هذا الرجلعلى تحريف الدين، وفليُحذر من تآليف هذا الرجل وليُحذر منها.
ومن شدة تحريفهللدين رد عليه بعض فرقته الوهابية لمثل هذه المقالة وأشباهها ومنهم عبد المنعممصطفى حليمة كما رد بعض هؤلاء على سيد قطب بعد سكوتهم مدة طويلة.
ومما يشهدعلى الألباني إلغاء ءاية الإكراه قوله في فتاويه ما نصه [10]: “نحن نبني قاعدةونستريح الكفر المخرج عن الملة يتعلق بالقلب لا يتعلق باللسان” اهـ، وهذا من أصرحما وقفنا عليه من تحريف حكم الشرع في حكم من ارتد عن الدين بالقول أو بالفعل،والعجب كيف يعتبر هذا الرجل المحرف لدين الله أناسٌ طُمست قلوبهم أوحد علماء العصروهو في الحقيقة أشد المحرفين لدين الله، وقوله هذا لم يقله قبله مسلم فهو بهذه المقالة ألغى الاستثناء الذي في الآية: {مَن كفرَ باللهِ من بعدِ إيمانهِ إلا مَنْ أُكرهَ وقلبهُ مُطمئنٌّ بالإيمانِ ولكن من شرحَ بالكفرِ صدرًا فعليهم غضبٌ منَ اللهِ ولهم عذابٌعظيمٌ} والقاعدة أن المستثنى يختلف مع المستثنى منه فهو جعل الاستثناء عدمًا، فعلى موجب قوله كان ينبغي أن تكون الآية هكذا: من كفربالله من بعد إيمانه من غير اعتقاد وشرح صدر ليس عليه غضب من الله أي ليس عليهعقوبة، فعلى دين هذا الرجل الذي اخترعه لنفسه يقول الرجل ما شاء من سب الله وسبالرسول وسب الإسلام وسب القرءان ويسجد للصنم والشمس وهو غير مكره بل باختياره ثميقول أنا ما انشرح قلبي بهذا الكلام الذي قلته وبالفعل الذي فعلته فيخلّى سبيله منغير اعتراض عليه عند حكام الشريعة وغيرهم ويتزوج المسلمات ويرث من أقاربه المسلمينوما أعظم هذا فسادًا.
أما ما ذكره الألباني في فتاويه بقوله [11]: “ثم هناكالقول الذي يذكره بعض الفقهاء المتأخرين أنه إذا كان هناك مائة شهادة في هالإنسانتسع وتسعون أنه كفر في ما فعل أو في ما قال وواحد يقول لا: هذا ليس كفرًا، هذا فسقفقط” اهـ.
الجواب: أن الذي هو معروف بين الفقهاء فيكتبهم أنه إذا كان للكلمة وجه واحد لترك التكفير ووجوه تقتضي التكفير يأخذ المفتيبالقول بترك التكفير إلا أن يُبين قائلها أنه أراد الوجه الكفري، وهذا محله الكلماتالتي لها معنيان أو أكثر من معنيين بعض تلك المعاني كفر وبعضها ليست كفرًا كقولالقائل: “هذا خير من الله” فهذه الكلمة تحتمل معنيين أحدهما هذا خير أي نعمة منالله والآخر هذا أفضل من الله فالاول شئ يوافق الشرع والثاني كفر بالاتفاق. وليسمراد الفقهاء أنه إذا قال الشخص كلمة معناها صريح في الكفر ليس لها إلا هذا المعنىثم اختلف الناس في أمره فقال بعضهم كفر وقال بعضهم لم يكفر ليس هذا محل المسئلةالتي قالها الفقهاء، ويا للعجب ما أجرأ هذا الرجل على الافتراء على العلماء فليأتإن كان صادقًا بالعبارة التي قالها من كتاب لشافعي أو مالكي أو حنبلي فيه ما يدعيه،أما العبارة التي نقلها فهي تدور على ألسنة بعض من أهل هذا العصر كسيد سابق المصريفي كتابه فقه السنة الذي تجرأ من شدة جهله بالحديث على نسبة هذه المقالة: “الساكتعن الحق شيطان أخرس” إلى الرسول ولم يدر أن هذه الكلمة من كلام أبي علي الدقاقالصوفي الحنفي رضي الله عنه.
الهوامش:
[1] أنظر الكتاب المسمى الانتصارلأهل التوحيد والرد على من جادل عن الطواغيت [ص/114-116].
[2] التقرير والتحبير [2/147].
[3] الإشراف [3/161].
[4] فتح الباري [12/312-313].
[5] أنظركتابه المسمى الانتصار لأهل التوحيد والرد على من جادل عن الطواغيت [ص/22].
[6] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب المغازي: باب بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن قبل حجةالوداع.
[7] أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب التوبة: باب في الحض على التوبة والفرحبها.
[8] مسند أحمد [4/431].
[9] فتاوي الألباني [ص/267].
[10] فتاوىالألباني [ص/284].
[11] أنظر فتاوى الألباني [ص/269].