الْجِنّ يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ
قال الشبلي قَالَ القَاضِي أَبُو يعلى وَالْجِنّ يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ ويتناكحون كَمَا نَفْعل قلت للنَّاس فِي أكل الْجِنّ وشربهم ثَلَاثَة أَقْوَال وتتفرع إِلَى أَرْبَعَة
أَحدهَا أَن جَمِيع الْجِنّ لَا يَأْكُلُون وَلَا يشربون وَهَذَا قَول سَاقِط
الثَّانِي أَن صنفا مِنْهُم يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ وَصِنْفًا لَا يَأْكُلُون وَلَا يشربون وَيشْهد لهَذَا القَوْل الْأَثر الْآتِي عَن وهب عَن كثب
الثَّالِث إِن جَمِيع الْجِنّ يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ وَاخْتلف أَصْحَاب هَذَا القَوْل فِي أكلهم وشربهم فَقَالَ بَعضهم أكلهم وشربهم تشمم واسترواح لَا مضغ وبلع هَذَا قَول لَا ينْهض لَهُ دَلِيل وَقَالَ الْآخرُونَ أكلهم وشربهم مضغ وبلع وَهَذَا القَوْل هُوَ الَّذِي تشهد لَهُ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة والعمومات الصَّرِيحَة وَيدل على مضغهم وبلعهم حَدِيث أُميَّة بن مخشى من رِوَايَة أبي دَاوُد وَفِيه مَا زَالَ الشَّيْطَان يَأْكُل مَعَه فَلَمَّا ذكر الله تَعَالَى استقاء مَا فِي بَطْنه وَسَيَأْتِي الحَدِيث بِكَمَالِهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي الْبَاب الْآتِي بعده وَقَالَ أَبُو عمر بن عبد الْبر حَدثنَا عبد الْوَارِث بن سُفْيَان حَدثنَا قَاسم بن الاصبغ حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد السَّلَام الْخُشَنِي حَدثنَا الْمُنِيب بن وَاضح السّلمِيّ حَدثنَا الحكم بن مُحَمَّد الطغري عَن عبد الصَّمد بن معقل قَالَ سَمِعت وهب بن مُنَبّه يَقُول وَسُئِلَ عَن الْجِنّ مَا هم وَهل يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ ويتناكحون فَقَالَ هم أَجنَاس فَأَما خَالص الْجِنّ فهم ريح لَا يَأْكُلُون وَلَا يشربون وَلَا يتوالدون وَمِنْهُم أَجنَاس يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ ويتوالدون ويتناكحون مِنْهُم السعالي والغول والقطرب واشباه ذَلِك وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَن الْجِنّ
سَأَلُوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الزَّاد فَقَالَ كل عظم ذكر اسْم الله عَلَيْهِ يَقع فِي يَد أحدهم أوفر مَا يكون لَحْمًا وكل بعر علف لدوابهم وَزَاد ابْن سَلام فِي تَفْسِيره أَن البعر يعود خضرًا لدوابهم أهـ وَقد نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يستنجى بالعظم والروث وَقَالَ إِنَّه زَاد اخوانكم من الْجِنّ وَقد ثَبت نَهْيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الِاسْتِنْجَاء بالعظم والروث فِي أَحَادِيث مُتعَدِّدَة فَفِي صَحِيح مُسلم وَغَيره عَن سلمَان الْفَارِس قَالَ نَهَانَا ان نستقبل الْقبْلَة بغائط أَو بَوْل أَو نستنجي بِالْيَمِينِ أَو يستنجى أَحَدنَا بِأَقَلّ من ثَلَاثَة أَحْجَار وَأَن نستنجي برجيع أَو عظم وَفِي صَحِيح مُسلم وَغير عَن جَابر قَالَ نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن نتمسح بِعظم اَوْ بَعرَة أهـ
وَكَذَلِكَ ورد النَّهْي عَن ذَلِك فِي حَدِيث خُزَيْمَة بن ثَابت وَغَيره وَقد بَين عِلّة ذَلِك فِي حَدِيث ابْن مَسْعُود أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَتَانِي دَاعِي الْجِنّ فَذَهَبت مَعَه فَقَرَأت عَلَيْهِم الْقُرْآن قَالَ فَانْطَلق بِنَا فأرانا آثَارهم وآثار نيرانهم وسألوه الزَّاد فَقَالَ لكم كل عظم ذكر اسْم الله عَلَيْهِ يَقع فِي ايديكم أوفر مَا يكون لَحْمًا وكل بَعرَة علف لدوابكم فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَا تستنجوا بهما لِأَنَّهُمَا طَعَام اخوانكم أهـ
وَفِي صَحِيح البُخَارِيّ وَغَيره عَن أبي هُرَيْرَة أَنه كَانَ يحمل مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إداوة لوضوئه وَحَاجته فَبَيْنَمَا هُوَ يتبعهُ بهَا قَالَ من هَذَا قَالَ أَنا أَبُو هُرَيْرَة فَقَالَ أبغني أَحْجَار استفضل بهَا وَلَا تأتني بِعظم وَلَا بروثة فَأَتَيْته بأحجار أحملها فِي طرف ثوبي حَتَّى وضعت إِلَى جنبه ثمَّ انصرفت حَتَّى إِذا فرغ مشيت فَقلت مَا بَال الروث والعظم قَالَ لَهُم طَعَام الْجِنّ وَأَنه حِين أَتَانِي جن نَصِيبين وَنعم الْجِنّ فسألوني الزَّاد فدعوت الله تَعَالَى لَهُم أَن لَا يمروا بِعظم وَلَا بروثة إِلَّا وجدوا عَلَيْهَا طَعَاما أهـ
وهذا لفظ الحَدِيث فِي كتاب مُسلم
كل عظم ذكر اسْم الله عَلَيْهِ وَلَفظه كتاب أبي دَاوُد كل عظم لم يذكر اسْم الله عَلَيْهِ واكثر الاحاديث تدل على معنى رِوَايَة أبي دَاوُد وَقَالَ بعض الْعلمَاء رِوَايَة مُسلم فِي الْجِنّ الْمُؤمنِينَ وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى فِي حق الشَّيَاطِين قَالَ أَبُو الْقَاسِم السُّهيْلي وَهَذَا قَول صَحِيح تعضده الْأَحَادِيث وَهَذَا فِيهِ رد على من زعم أَن الْجِنّ لَا تَأْكُل وَلَا تشرب وتأولوا قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الشَّيْطَان يَأْكُل بِشمَالِهِ وَيشْرب بِشمَالِهِ على غير ظَاهره وروى ابْن الْعَرَبِيّ بِسَنَدِهِ إِلَى جَابر ابْن عبد الله قَالَ بَينا أَنا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يمشى إِذْ جَاءَت حَيَّة فَقَامَتْ إِلَى جنبه فأدنت فاها من أُذُنه وَكَأَنَّهَا تناجيه أَو نَحْو هَذَا فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نعم فَانْصَرَفت قَالَ جَابر فَسَأَلته فَأَخْبرنِي أَنه رجل من الْجِنّ وَأَنه قَالَ مر أمتك لايستنجوا بالروث وَلَا بالرمة فَإِن الله جعل لنا فِي ذَلِك رزقا أهـ وَقد تقدم حَدِيث زيد بن جَابر قَالَ مَا من أهل بَيت من الْمُسلمين إِلَّا وَفِي سقف بَيتهمْ من الْجِنّ من الْمُسلمين إِذا وضع غداءهم نزلُوا فتغدوا مَعَهم وَإِذا وضع عشاءهم نزلُوا فَتَعَشَّوْا مَعَهم يدْفع الله بهم عَنْهُم فالقائلون إِن الْجِنّ لَا تَأْكُل وَلَا تشرب إِن أَرَادوا أَن جَمِيع الْجِنّ لَا يَأْكُلُون وَلَا يشربون فَهَذَا قَول سَاقِط لمصادمته الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة وَإِن أَرَادوا أَن صنفا مِنْهُم لَا يَأْكُلُون وَلَا يشربون فَهُوَ مُحْتَمل غير أَن العمومات تَقْتَضِي أَن الْكل يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ وَسَيَأْتِي فِي الْأَبْوَاب احاديث فِي أكلهم وشربهم قَالَ القَاضِي عبد الْجَبَّار وَكَون الرَّقِيق لَا يمْتَنع أَن يكون مِمَّن يَأْكُل وَيشْرب كَمَا لَا يمْنَع كَون اللَّطِيف لطيفا عَن ذَلِك ثمَّ احْتَرز عَن إِشْكَال فَقَالَ وَإِنَّمَا قُلْنَا إِن الْمَلَائِكَة عَلَيْهِم السَّلَام لَا يَأْكُلُون وَلَا يشربون لإِجْمَاع أهل الصَّلَاة على ذَلِك وللأخبار المروية فِي ذَلِك وَلَكنَّا نقُول علتهم فِي أَنهم لَا يَأْكُلُون أَنهم أجسام رقاق وَالله تَعَالَى أعلم
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website