مناكحة الجِنِّ
سُئِلَ مَالكُ بنُ أنسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، فَقيل: إِنَّ هَهُنَا رجلًا منَ الجِنِّ يخْطبُ إِلَيْنَا جَارِيَةً يزْعمُ أَنّهُ يُرِيدُ الحَلَال فَقَالَ: مَا أرى بذلكَ بَأْسًا فِي الدّينِ وَلَكِن أكرَهُ إِذا وجدت امْرَأَة حَامِل قيل لَهَا من زَوجُكِ قَالَت من الجِنّ فيكثرُ الفسادُ فِي الإِسلَامِ بذلكَ.
قال الشّبليُّ: وَهَذَا الَّذِي ذَكرْنَاهُ عَن الإِمَام مَالكٍ رَضِيَ الله عَنهُ أوردَهُ أَبُو عُثْمَان سعيدُ بنُ العَبَّاس الرَّازِيُّ فِي كتابِ الإلهامِ والوسوسةِ فِي بَاب نِكَاح الجِنّ فَقَالَ: حَدّثنَا مقَاتل حَدّثنِي سعدُ بنُ دَاوُد الزّبيدِيُّ قَالَ: كتبَ قومٌ مِن أهلِ اليمنِ إِلَى مَالكِ بنِ أنسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ يسألونَه عَن نِكَاحِ الجِنّ وَقَالُوا إِنَّ هَهُنَا رجلًا منَ الجِنّ.. إِلَى آخِرِه.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِن حَدِيثِ أبي مُوسَى قَالَ احْتَرَقَ بَيتٌ فِي المَدِينَةِ على أَهلِهِ بِاللَّيْلِ فَحدّثَ النَّبِيُّ ﷺ بشأنِهِم فَقَالَ إِنَّ هَذِهِ النَّار إِنَّمَا هِيَ عَدوٌ لكم فَإِذا نمتُم فأطفئوها عَنْكُم فَإِذا كَانَت النَّارُ عدوًا لنا فَمَا خلقَ مِنْهَا فَهُوَ تَابعٌ لَهَا فِي العَدَاوَةِ لنا لِأَنَّ الشَّيْءَ يتبع أَصلَه فَإِذا انْتَفَى المَقْصُود منَ النِّكَاح وَهُوَ سُكُون أحد الزَّوْجَيْنِ إِلَى الآخر وَحُصُول المَوَدَّة وَالرَّحْمَة بَينهمَا، انْتَفَى مَا هُوَ وَسِيلَة إليه وَهُوَ جَوَاز النِّكَاح وَأمّا عدم حُصُول الإِذْنِ منَ الشَّرْع فِي نكاحِهِم فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ {فانكحوا مَا طَابَ لكم من النِّسَاء}، وَالنِّسَاءُ اسْمٌ للإناثِ من بَنَاتِ آدم خَاصَّةً وَالرِّجَال إِنَّمَا أطلق على الجِنّ لأجل مُقَابلَة اللَّفْظ فِي قَوْله تَعَالَى {وَأَنه كَانَ رجال من الْإِنْس يعوذون بِرِجَال من الْجِنّ} وَقَالَ تَعَالَى {قد علمنَا مَا فَرضنَا عَلَيْهِم فِي أَزوَاجهم} وَقَالَ تَعَالَى {إِلَّا على أَزوَاجهم} فأزواج بني آدم من الْأزْوَاج الْمَخْلُوقَات لَهُم من أنفسهم الْمَأْذُون فِي نِكَاحهنَّ وَمَا عداهن فليسوا لنا بِأَزْوَاج وَلَا مَأْذُون لنا فِي نِكَاحهنَّ وَالله أعلم هَذَا مَا تيَسّر لي فِي الْجَواب وَفتح الله عَليّ بِهِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق.
قال الشبلي: وَأما وُقُوع ذَلِك فَقَالَ أَبُو سعيد عُثْمَان بن سعيد الدَّارمِيّ فِي كتاب اتِّبَاع السّنَن وَالْأَخْبَار حَدثنَا مُحَمَّد بن حميد الرَّازِيّ حَدثنَا أَبُو الْأَزْهَر حَدثنَا الْأَعْمَش حَدثنِي شيخ من نجيل قَالَ علق رجل من الْجِنّ جَارِيَة لنا ثمَّ خطبهَا إِلَيْنَا وَقَالَ إِنِّي أكره أَن أنال مِنْهَا محرما فزوجناها مِنْهُ قَالَ فَظهر مَعنا يحدثنا فَقُلْنَا مَا أَنْتُم فَقَالَ أُمَم أمثالكم وَفينَا قبائل كقبائلكم قُلْنَا فَهَل فِيكُم هَذِه الْأَهْوَاء قَالَ نعم فِينَا من كل الْأَهْوَاء الْقَدَرِيَّة والشيعة والمرجئة.
وَقَالَ أَحْمد بن سُلَيْمَان النجاد فِي أَمَالِيهِ حَدثنَا عَليّ بن الْحسن بن سُلَيْمَان ابي الشعناء الْحَضْرَمِيّ أحد شُيُوخ مُسلم حَدثنَا أَبُو مُعَاوِيَة سَمِعت الاعمش يَقُول تزوج إِلَيْنَا جني فَقلت لَهُ مَا أحب الطَّعَام إِلَيْكُم فَقَالَ الْأرز قَالَ فأتيناه بِهِ فَجعلت أرى اللقم ترفع وَلَا أرى أحدا فَقلت فِيكُم من هَذِه الْأَهْوَاء الَّتِي فِينَا قَالَ نعم قلت فَمَا الرافضة فِيكُم قَالَ شَرنَا.
وَقَالَ بكر بن ابي الدُّنْيَا حَدثنِي عبد الرَّحْمَن حَدثنَا عمر حَدثنَا ابو يُوسُف السرُوجِي قَالَ جَاءَت امْرَأَة إِلَى رجل بِالْمَدِينَةِ فَقَالَت إِنَّا نزلنَا قَرِيبا مِنْكُم فتزوجني قَالَ فَتَزَوجهَا ثمَّ جَاءَت إِلَيْهِ فَقَالَت قد حَان رحلينا فطلقني فَكَانَت تَأتيه بِاللَّيْلِ فِي هَيْئَة امْرَأَة قَالَ فَبينا هُوَ فِي بعض طرق الْمَدِينَة إِذْ رَآهَا تلْتَقط حبا مِمَّا يسْقط من أَصْحَاب الْحبّ قَالَ أفتبتغينه فَوضعت يَدهَا على رَأسهَا ثمَّ رفعت عينهَا إِلَيْهِ فَقَالَت لَهُ بأي عين رَأَيْتنِي قَالَ بِهَذِهِ فأومأت بأصبعها فسالت عينه.
وَحدثنَا القَاضِي جلال الدّين أَحْمد بن القَاضِي حسام الدّين الرَّازِيّ الْحَنَفِيّ تغمده الله برحمته قَالَ سفر وَالِدي لإحضار أَهله من الشرق فَلَا جزت البيرة ألجأنا الْمَطَر إِلَى أَن نمنا فِي مغارة وَكنت فِي جمَاعَة فَبينا أَنا نَائِم إِذا أَنا بِشَيْء يوقظني فانتبهت فَإِذا بِامْرَأَة وسط فِي النِّسَاء لَهَا عين وَاحِدَة مشقوقة بالطول فارتعبت فَقَالَت مَا عَلَيْك من بَأْس إِنَّمَا أَتَيْتُك لتتزوج ابْنة لي كَالْقَمَرِ فَقلت لخوفي مِنْهَا على خيرة الله تَعَالَى ثمَّ نظرت فَإِذا بِرِجَال قد أَقبلُوا فنظرتهم فَإِذا هم كَهَيئَةِ الْمَرْأَة الَّتِي أَتَتْنِي عيونهم كلهَا مشقوقة بالطول فِي هَيْئَة قَاض وشهود فَخَطب القَاضِي وَعقد فَقبلت ثمَّ نهضوا وعادت الْمَرْأَة وَمَعَهَا جَارِيَة حسناء إِلَّا أَن عينهَا مثل عين أمهَا وتركتها عِنْدِي وانصرفت فَزَاد خوفي واستيحاشي وَبقيت أرمى من كَانَ عِنْدِي بِالْحِجَارَةِ حَتَّى يستيقظوا فَمَا انتبه مِنْهُم أحد فاقبلت على الدُّعَاء والتضرع ثمَّ آن الرحيل فرحلنا وَتلك الشَّابَّة لَا تُفَارِقنِي فدمت على هَذَا ثَلَاثَة أَيَّام فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم الرَّابِع أَتَتْنِي الْمَرْأَة وَقَالَت كَأَن هَذِه الشَّابَّة مَا أعجبتك وكأنك تحب فراقها فَقلت أَي وَالله قَالَت فَطلقهَا فطلقتها فَانْصَرَفت ثمَّ لم أرهما بعد.
وَهَذِه الْحِكَايَة كَانَت تذكر عَن القَاضِي جلال الدّين فحكيتها للْقَاضِي الإِمَام الْعَلامَة شهَاب الدّين أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن فضل الله الْعمريّ تغمده الله برحمته فَقَالَ أَنْت سَمعتهَا من القَاضِي جلال الدّين فَقلت لَا فَقَالَ أُرِيد أَن أسمعها مِنْهُ فمضينا إِلَيْهِ وَكنت أَنا السَّائِل لَهُ عَنْهَا فحكاها كَمَا ذكرتها إِلَى آخرهَا فَسَأَلت القَاضِي شهَاب الدّين هَل أفْضى إِلَيْهَا فَزعم أَن لَا وَقد ألحق القَاضِي شهَاب الدّين هَذِه الْحِكَايَة فِي تَرْجَمَة القَاضِي جلال الدّين فِي كتاب مسالك الْأَبْصَار بِخَطِّهِ على حَاشِيَة الْكتاب هَل كَانَ ابوا بلقيس من الْجِنّ وَقد قيل إِن أحد أَبَوي بلقيس كَانَ جنيا قَالَ الْكَلْبِيّ كَانَ أَبوهَا من عُظَمَاء الْمُلُوك وَولده مُلُوك الْيمن كلهَا وَكَانَ يَقُول لَيْسَ فِي مُلُوك الْأَطْرَاف من يدانيني فَتزَوج امْرَأَة من الْجِنّ يُقَال لَهَا رَيْحَانَة بنت السكن فَولدت لَهُ بلقيس وَتسَمى بلقمة وَيُقَال إِن مُؤخر قدميها كَانَ مثل حافر الدَّابَّة وَلذَلِك اتخذ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام الصرح الممرد من قَوَارِير وَكَانَ بَيْتا من زجاج يخيل للرائي أَنه يضطرب فَلَمَّا رَأَتْهُ كشفت عَن سَاقيهَا فَلم ير غير شعر خَفِيف ولذك أَمر بإحضار عرشها ليختبر عقلهَا بِهِ ثمَّ أسلمت وعزم سُلَيْمَان على تَزْوِيجهَا فَأمر الشَّيَاطِين فاتخذوا الْحمام والنورة وَهُوَ أول من اتخذ الْحمام والنورة وطلوا بالنورة سَاقيهَا فَصَارَ كالفضة فَتَزَوجهَا وأرادت مِنْهُ ردهَا إِلَى ملكهَا فَفعل ذَلِك وَأمر الشَّيَاطِين فبنوا لَهَا بِالْيمن الْحُصُون الَّتِى لم ير مثلهَا وهى غمدان ونينوى وَغَيرهمَا وأبقاها على ملكهَا وَكَانَ يزورها فِي كل شهر مرّة على الْبسَاط وَالرِّيح وبقى ملكهَا إِلَى أَن مَاتَ فَزَالَ بِمَوْتِهِ قَالَ أَبُو مَنْصُور الثعالبي فِي فقه اللُّغَة وَيُقَال للمتولد بَين الإنسى والجنية الخس وللمتولد بَين الآدمى والسعلاة العملوق.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
وَأما الْمقَام الثاني أهوَ مَشْرُوع أم لَا فقد رُويَ عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النهيُ عَنهُ ورويَ عَن جمَاعَةٍ من التَّابِعين كَرَاهَته قَالَ حَرْب الكرمانيُّ فِي مسَائِله عَن أَحْمد وَإِسْحَاق حَدثنَا مُحَمَّد بن يحيى القطيعيُّ حَدثنَا بشر بن عمر حَدثنَا ابْن لَهِيعَة عَن يُونُس بن يزِيد عَن الزهرى قَالَ نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن نِكَاح الْجِنّ وَهُوَ مُرْسل وَفِيه ابْن لَهِيعَة.
حَدثنَا مُعَاوِيَة عَن الْحجَّاج عَن الحكم أَنه كره نِكَاح الْجِنّ حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن عُرْوَة حَدَّثَنى سُلَيْمَان بن قُتَيْبَة حَدثنِي عقبَة الرومانى قَالَ سَأَلت قَتَادَة عَن تَزْوِيج الْجِنّ فكرهه وَسَأَلت الْحسن عَن تَزْوِيج الْجِنّ فكرهه وَقَالَ أَبُو بكر بن مُحَمَّد الْقرشِي حَدثنَا بشر بن يسَار عَن عبد الله حَدثنَا أَبُو الْجُنَيْد الضَّرِير حَدثنَا عقبَة بن عبد الله أَن رجلا أَتَى الْحسن ابْن الْحسن الْبَصْرِيّ فَقَالَ يَا ابا سعيد أَن رجلا من الْجِنّ يخْطب فتاتنا فَقَالَ الْحسن لَا تزوجوه وَلَا تكرموه فاتى قَتَادَة فَقَالَ يَا ابا الْخطاب إِن رجلا من الْجِنّ يخْطب فتاة لنا فَقَالَ لَا تزوجوه وَلَكِن إِذا جَاءَ فَقولُوا إِنَّا نخرج عَلَيْك إِن كنت مُسلما لما انصرفت عَنَّا وَلم تؤذنا فَلَمَّا كَانَ من اللَّيْل جَاءَ الجني حَتَّى قَامَ على الْبَاب فَقَالَ أتيتم الْحسن فسألتموه فَقَالَ لكم لَا تزوجوه وَلَا تكرموه ثمَّ أتيتم قَتَادَة فسألتموه فَقَالَ لَا تزوجوه وَلَكِن قُولُوا لَهُ أَنا نخرج عَلَيْك إِن كنت رجلا مُسلما لما انصرفت عَنَّا وَلم تؤذنا فَقَالُوا لَهُ ذَلِك فَانْصَرف عَنْهُم وَلم يؤذهم وَقَالَ ابو عُثْمَان سعيد ابْن الْعَبَّاس الرَّازِيّ فِي كتاب الإلهام والوسوسة بَاب فِي نِكَاح الْجِنّ فساق مَا ذَكرْنَاهُ عَن مَالك ثمَّ قَالَ حَدثنَا أَبُو بشر بكر بن خلف حَدثنَا أَبُو عَاصِم عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن الْحجَّاج بن أَرْطَاة عَن الحكم أَنه كَانَ يكره نِكَاح الْجِنّ وَرَوَاهُ أَبُو حَمَّاد الْحَنَفِيّ عَن الْحجَّاج بن أَرْطَاة عَن الحكم ابْن عتيبة أَنه كره نِكَاح الْجِنّ وَقَالَ حَرْب قلت لإسحاق رجل ركب الْبَحْر فَكسر بِهِ فَتزَوج جنية قَالَ مناكحة الْجِنّ مَكْرُوهَة وَقَالَ ابْن أبي الدُّنْيَا حَدثنَا الْفضل بن اسحاق حَدثنَا ابو قُتَيْبَة عَن عقبَة الاصم وَقَتَادَة وسئلا عَن تَزْوِيج الْجِنّ فكرهاه قَالَ وَقَالَ الْحسن خَرجُوا عَلَيْهِ نخرج عَلَيْك أَن تسمعنا صَوْتك أَو ترينا خلقك فَفَعَلُوا فَذهب.
وَقَالَ الشَّيْخ جمال الدّين السجسْتانِي من أَئِمَّة الْحَنَفِيَّة فِي كتاب منية الْمُفْتِي عازيا لَهُ إِلَى الفتاوي السراحية لَا تجوز المناكحة بَين الْإِنْس وَالْجِنّ وإنسان المَاء لاخْتِلَاف الْجِنْس وَذكر الشَّيْخ نجم الدّين الزَّاهدِيّ فِي قنية الْمنية سُئِلَ الْحسن الْبَصْرِيّ عَن التَّزْوِيج بجنية فَقَالَ يجوز بِشُهُود رجلَيْنِ حم وعك لَا يجوز بِغَيْرِهِمَا قَالَ يصفع السَّائِل لحماقته.
وَقد روى أَبُو عبد الرَّحْمَن الْهَرَوِيّ فِي كتاب الْعَجَائِب مَا يدل على إِمْكَان ذَلِك ووقوعه فَقَالَ حَدثنَا أَبُو بشر عبد الرَّحْمَن بن كَعْب ابْن البداح بن سهل بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن كَعْب بن مَالك الْأنْصَارِيّ حَدثنِي ابْن عمي عقبَة بن الزبير بن خَارِجَة بن عبد الله بن كَعْب بن مَالك الْأنْصَارِيّ عَن بعض أشياخه مِمَّن يَثِق بِهِ أَنه رأى رجلا مَعَه ابْن لَهُ فنهره ذَات يَوْم وَذكر والدته فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ لَا تفعل فَإِنِّي أحَدثك سَبَب هَذَا وَسبب والدته فَذكر أَنه ركب الْبَحْر فَكسر بِهِ وَسلم على لوح فَأَقَامَ بِجَزِيرَة حينا يَأْكُل من ثَمَرهَا ويأوي إِلَى شَجَرَة من اشجارها فَبينا هُوَ ذَات لَيْلَة إِذْ خرج من الْبَحْر حوار مَعَ كل وَاحِدَة درة ترمى بهَا ثمَّ تعدو فِي إثْرهَا وضوئها حَتَّى تأخذها ولهن غنغنة كأمثال الخطاطيف قَالَ فَتحَرك مِنْهُ مَا يَتَحَرَّك من الرِّجَال وهش إلَيْهِنَّ فتعرف أمورهن وآخرهن لَيْلَة وثانية ثمَّ نزل فَقعدَ فِي أصل شَجَرَة حَيْثُ لَا يرونه فَلَمَّا خرجن غَدا فِي إثرهن فَتعلق بِشعر وَاحِدَة مِنْهُنَّ وَكَانَ شعرهَا يجللها فجَاء بهَا يَقُودهَا حَتَّى شدها بِأَصْل الشَّجَرَة ثمَّ وَطئهَا فَحملت مِنْهُ بِهَذَا الْغُلَام فَلم يزل يعذبها حَتَّى أَرْضَعَتْه سنة ثمَّ هم بحلها فكره ذَلِك وَقَالَ حَتَّى يبلغ الْفِطَام وَيَأْكُل وَهِي فِي خلال ذَلِك تحمل الْغُلَام فَرحا بِهِ إِلَّا أَنَّهَا لَا تَتَكَلَّم فَرحا أَنَّهَا قد ألفته وَأَنَّهَا لَا تَبْرَح فَحلهَا فاستغفلته وَخرجت تعدو حَتَّى القت نَفسهَا فِي الْبَحْر وَبَقِي الصَّبِي فِي يَدَيْهِ فَلم يكن باسرع من أَن مر بِهِ مركب فلوح لَهُ ففر بِهِ وَخرج إِلَى بِلَاده فَهَذِهِ قصَّة هَذَا الْغُلَام قَالَ الشَّيْخ جمال الدّين عبد الرَّحِيم بن الْحسن بن عَليّ الْإِسْنَوِيّ الشَّافِعِي الْمصْرِيّ فِي جملَة مسَائِله الَّتِي سَأَلَ عَنْهَا قَاضِي الْقُضَاة شرف الدّين أَبَا الْقَاسِم هبة الله بن عبد الرَّحِيم بن الْبَارِزِيّ مَسْأَلَة هَل يجوز الزواج من الْجِنّ عِنْد الْإِرَادَة أم يمْنَع بَينه وَبَين ذَلِك إِذا أَرَادَ أَن يتَزَوَّج امْرَأَة من الْجِنّ عِنْد فرض إِمْكَانه فَهَل يجوز ذَلِك أم يمْتَنع فَإِن الله تَعَالَى قَالَ {وَمن آيَاته أَن خلق لكم من أَنفسكُم أَزْوَاجًا لتسكنوا إِلَيْهَا} الْبَارِزِيّ بِأَن جعل ذَلِك من جنس مَا يؤلف فَإِن جَوَّزنَا ذَلِك وَهُوَ الْمَذْكُور فِي شرح الْوَجِيز المعزي إِلَى ابْن يُونُس.
وَفِي الحَدِيث من سنَن ابي دَاوُد من حَدِيث عبد الله بن مَسْعُود أَنه قدم وَفد الْجِنّ على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا يَا مُحَمَّد إِنَّه أمتك أَن يستنجوا بِعظم أَو رَوْث أَو حممة فَإِن الله تَعَالَى جَاعل لنا فِيهَا رزقا وَفِي صَحِيح مُسلم فَقَالَ كل عظم ذكر اسْم الله عَلَيْهِ يَقع فِي أَيْدِيكُم أوفر مَا يكون لَحْمًا وكل بَعرَة علف لدوابكم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَا تستنجوا بهما فَإِنَّهُمَا طَعَام إخْوَانكُمْ من الْجِنّ وَفِي البُخَارِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة قَالَ فَقلت مَا بَال الْعظم والروث قَالَ هما طَعَام الْجِنّ وَأَنه أَتَانِي وَفد جن نَصِيبين وَنعم الْجِنّ فسألوني الزَّاد فدعوت الله تَعَالَى أَن لَا يمروا بِعظم وَلَا رَوْثَة إِلَّا وجدوا عَلَيْهَا طَعَاما قلت وَالظَّاهِر عَن الْأَعْمَش جَوَازه لأَنا قدمنَا عَنهُ أَنه حصر نِكَاحا للجن بكوثى قَالَ وَتزَوج رجل مِنْهُم إِلَى الْجِنّ وَقَوله فِيمَا صَحَّ عَنهُ تزوج إِلَيْنَا جني فَسَأَلته إِلَى آخِره دَلِيل على أَنه كَانَ جَائِزا عِنْده إِذْ لَو كَانَ حَرَامًا لما حَضَره وَقد روى عَن زيد الْعَمى أَنه قَالَ اللَّهُمَّ ارزقني جنية أَتَزَوَّجهَا قيل لَهُ يَا أَبَا الْحوَاري وَمَا تصنع بهَا قَالَ تصحبني فِي اسفاري حَيْثُ كنت كَانَت معي رَوَاهُ حَرْب عَن اسحاق اخبرني مُحرز شيخ من اهل مروثقة قَالَ سَمِعت زيد الْعمي يَقُول فَذكره وَقد قدمنَا أَن ظَاهر قَول مَالك بن أنس رَضِي الله عَنهُ مَا أرى بذلك بَأْسا فِي الدّين يدل على جَوَازه عِنْده وَإِنَّمَا كرهه لِمَعْنى آخر هُوَ مُنْتَفٍ فِي الْعَكْس، وَالله أعلم.